اتهامات جاهزة بالإرهاب واللاسامية لكل ضحاياها

إسرائيل.. سجل أسود في الاغتيالات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العاشر من الشهر الحالي، عمد جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى قتل القيادي الفلسطيني زياد أبوعين، بعد قرابة ثلاثة شهور على تعيينه وزيراً لشؤون الاستيطان.

أبوعين ليس القيادي الفلسطيني الوحيد الذي تغتاله إسرائيل، بل إن تاريخها حافل بجرائم الاغتيال الممنهج والمخطط له بعناية على المستوى الأمني والسياسي.

صحيح أن جرائم القتل الإسرائيلية طالت آلاف الفلسطينيين، لكن اغتيال القيادات له أبعاد أكثر عمقاً في صلب الإيديولوجيا الصهيونية والسياسة الإسرائيلية، ليس من زاوية أن القائد أفضل من المواطن، بل لأن القائد يحتل موقعاً أشدّ تأثيراً وأكثر ارتباطاً بالحالة المعنوية.

لو راجعنا سجل إسرائيل في القتل والمجازر، سنطالع صفحات ونحتاج إلى وقت طويل، ولن نحتاج إلى البحث عن أسباب أو ذرائع كامنة خلف عقلية يشكّل قتل العربي أحد أهم أركانها، ولعل مقولة غولدا مائير إن «العربي الجيد هو العربي الميت» تمثّل التجسيد الأوضح لهذه العقلية.

إسرائيل عندما تغتال أي فلسطيني أو عربي تغلّف جريمتها بالأمن، وتُخرج من جُعبتها ما تخبئ من اتهامات الإرهاب واللاسامية. الفلسطيني العادي الذي تقتله «شكّل خطراً» على حياة جنودها أو مستوطنيها، والفلسطيني القائد أو الكادر «رأس مدبّر ومخطط للإرهاب».

لقد عرف التاريخ العديد من الجلادين الذين يلبسون ثوب الضحايا، لكن ليس بالوقاحة الإسرائيلية. وفي واقع الحال، لا تخلو جريمة اغتيال قائد فلسطيني من أهداف ذات طبيعتين، آنية تتعلّق بمعطيات اللحظة، واستراتيجية على علاقة بالمشروع الصهيوني العنصري.

الشهيد أبو عين

اغتيال الوزير أبوعين جاء في وقت شهد تصعيداً جنونياً في مشاريع الاستيطان، وبالتزامن مع موجة اعترافات دولية بـ«الدولة الفلسطينية»، بغض النظر عن رمزية هذه الاعترافات، وعشيّة «معركة» دبلوماسية في مجلس الأمن على جبهة تحديد برنامج زمني لإنهاء الاحتلال، أيضاً بغض النظر عن جدوى الخطوة من الناحية العملية، وعن «الفيتو» الأميركي المتربّص بكل يقلق منام إسرائيل، حتى لو أغنية من شعبان عبد الرحيم.

في هذه الأجواء الملبّدة بالغيوم الثقيلة على إسرائيل، جاءت عملية التنكيل الإجرامية بمسيرة سلمية عنوانها زراعة زيتون في أرض مصادرة لمصلحة الاستيطان في قرية ترمسعيا شرق رام الله، ثم توجت جريمة التنكيل بقتل قيادي يحمل لواء الأرض والزيتون ومواجهة الاستيطان.

مسلسل قديم

مسلسل الاغتيالات قديم ويعود إلى بداية الغزوة الصهيونية لفلسطين، لكن هذا التقرير سيلقي الضوء على بعض الرموز القيادية التي تعرضت للاغتيال على يد إسرائيل.

بدأ مسلسل تصفية قيادات وكوادر المقاومة الفلسطينية منذ عام 1972، بالصحافي والأديب غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الصهيوني في 8 يوليو من عام 1972. صحيح أن كنفاني كان قيادياً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكنه كان إعلامياً وأديباً سلاحه القلم، ولم يقتلوه في مواجهة عسكرية مباشرة، بل اغتالوا فيه روح المقاومة المتدفقة في الفكر والأدب.

المصير نفسه كان من نصيب كتّاب وأدباء فلسطينيين آخرين مثل الشاعر كمال ناصر الذي اغتاله الموساد في 10 أبريل من عام 1973 في بيروت، ومعه القائدان أبو يوسف النجار، وكمال عدوان، في ما عرفت آنذاك بعملية فردان.

جريمة الاغتيال تمت بإطلاق عشر رصاصات على فم كمال ناصر، وهو دليلٌ على مدى خوف إسرائيل من الشعر والأدب عموماً. ومثلهم أيضاً كان مصير القيادي في حركة فتح، الأديب ماجد أبو شرار الذي اغتاله «الموساد» في 9 أكتوبر عام 1981 في روما، وكذلك حنا مقبل الذي كان عند اغتياله الأمين العام لاتحاد الصحافيين والكتّاب العرب.

اغتيال الاعتدال

ثمة مثال جدير بالاهتمام في تحليل دوافع سياسة الاغتيال الإسرائيلية، هذا المثال هو المهندس إسماعيل أبو شنب المعروف بأنه كان من القيادات المعتدلة في حركة حماس، وكان يمثل الحركة في الكثير من اللقاءات مع السلطة والفصائل، وكان يرأس مركز المستقبل للدراسات في غزة.

أبو شنب كان يؤدي دوراً مهماً ومؤثراً في موافقة «حماس» على اتفاقات التهدئة التي كانت تبرمها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل التي كسرت باغتياله في 21 أغسطس 2003 هدنة صمدت أكثر من شهرين، إذ قتله جيش الاحتلال في قصف همجي لسيارته مع اثنين من مرافقيه.

في 22 مارس من عام 2004، اغتالت إسرائيل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس» وزعيمها الروحي، ولم تراع كونه عجوزاً مسنّاً ولا كونه مصاباً بالشلل التام، إذ تفوّقت على نفسها في فن الإجرام، حين استخدمت طائرة «إف 16» مقاتلة في قصف عجوز على كرسي متحرّك أثناء خروجه من صلاة الفجر، ثم لم تتورّع عن اغتيال خليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في 17 أبريل من العام نفسه.

أما صلاح شحادة، فمن أجل اغتياله قتلت إسرائيل 16 طفلاً، وحين سئل أحد قادتها عن شعوره إزاء مذبحة أطفال، قال بسادية: شعرت باهتزاز في جناح الطائرة.

إضاءة

ليست النماذج الواردة في هذا التقرير سوى قطرة في بحر الإجرام الإسرائيلي، فياسر عرفات وأبو علي مصطفى وصلاح خلف وهايل عبدالحميد وفخري العمري وصلاح منصور وعشرات القادة غيرهم كانوا قادة سياسيين، ولم تقتلهم إسرائيل داخل دبابات أو خلف راجمات صواريخ، بل إن عرفات كان حاصلاً على شهادة نوبل للسلام، بعدما نبذ الكفاح المسلّح، ووقّع قادة إسرائيل اتفاق أوسلو.

يبقى أن نذكّر بأن التاريخ لا يرحم، وأنه سيأتي اليوم التي سيحاسب فيه القتلة على جرائمهم، مهما طال الزمن.

Email