من أفغانستان إلى العراق وسوريا

حكاية التطرُّف بين تمدُّد البغدادي وانكماش الظواهري (7)

ت + ت - الحجم الطبيعي

(جرافيك.. "داعش" ينافس تنظيم القاعدة في الهيمنة على الجماعات المتطرفة)

 

لم يكن لتنظيم القاعدة وجود في العراق قبل الغزو الأميركي في العام 2003، على الرغم من وجود الكثيرين ممن رحبوا وهللوا لهجمات 11 سبتمبر، التي تبنى تنظيم القاعدة تنفيذها في الولايات المتحدة، ما يعكس توجهاً لتأييد هذا التنظيم وعملياته، ما دامت المستهدفة هي أميركا، التي قامت في ما بعد بغزو افغانستان، في نفس العام تحت ذريعة ايواء قيادات تنظيم القاعدة.

وقبل ذاك، لم تكن «القاعدة» تنظيماً، بل مقراً لالتحاق المقاتلين ضد الاتحاد السوفيتي، بإشراف أميركي وتعاون مع بعض الدول العربية والإسلامية، وكان اسامة بن لادن هو من يشرف على هذا المقر، الذي تحول إلى تنظيم، بعد خروج القوات السوفيتية، ومن ثم تولى تنظيم طالبان الحكم في افغانستان.

وفي تلك المرحلة تعددت مقرات «القاعدة»، التي تم ضربها خلال الحرب الأميركية في افغانستان، الا ان ما أثار الانتباه آنذاك، هو ان معسكراً للمقاتلين العرب، لم تطله الضربات الأميركية، وهو «معسكر الشاميين»، الذي كان فيه أبومصعب الزرقاوي، والذي تمكن مع عدد من المقاتلين، من عبور الحدود الأفغانية، ودخول ايران، ومنها إلى شمال العراق، حيث اقاموا معسكرا لهم في منطقة بيارة وطويلة، التابعة لقضاء حلبجة، بمحافظة السليمانية، حيث تتمركز هناك الجماعة في الجيب الجبلي الذي تحيطه ايران من ثلاث جهات.

واثارت نجاة مقاتلي معسكر الشاميين من الضربات الأميركية وعبورهم الأراضي الايرانية إلى منطقة كردستان العراق الكثير من الاستغراب وعلامات الاستفهام والتعجب، اضافة إلى وجودهم في جيب عراقي مطوق بالوجود الإيراني.

ولم تحمل جماعة الزرقاوي تسمية تشير إلى انهم من ضمن تنظيم القاعدة، وأسسوا في منطقة بيارة وطويلة تنظيم التوحيد والجهاد، الذي تعرض إلى ضربة أميركية خلال عملية غزو العراق في العام 2003، ما ادى إلى تفرقهم وتوزعهم في انحاء متعددة من العراق مستقطبين العديد من الشباب السنّة، المعارضين للاحتلال الأميركي والتمدد الشيعي – الإيراني.

انتشار تنظيم القاعدة

ويلاحظ المراقبون ان الضربة الأميركية لأفغانستان ادت إلى انتشار «القاعدة» في معظم الدول الإسلامية، وان ضرب مقار تنظيم التوحيد والجهاد في اقصى شمال العراق، حرر هذا التنظيم من عزلته، فانتشر في انحاء عديدة من العراق.

واعتمد تنظيم القاعدة في العراق اسلوب «الترويع والصدمة» في عملياته، وخاصة الانتحارية منها، وفي حرب الفلوجة الاولى، في ربيع 2004، لم تكن هناك سوى قلة من عناصر التنظيم، الا ان هزيمة القوات الأميركية، أفسحت المجال لسيطرة التنظيم، وساعدها في ذلك ضعف تنظيم بقية الفصائل المسلحة، إضافة إلى الدعم الخارجي، الأمر الذي جعلها تحتل صدارة القوى المقاتلة آنذاك، وأكسبها المزيد من القوة.

ورغم اندماج تنظيم القاعدة في العراق مع التنظيم الدولي، بقيت هناك خلافات حول الخصوصية، اضافة إلى التوجس المبني على انسحاب «معسكر الشاميين» من افغانستان إلى العراق، عبر ايران، بسلام، والمكوث في الجيب الحدودي المرتبط بإيران.

ويرى العديد من المراقبين السياسيين ان «الجانب الايراني دعم تنظيم القاعدة في العراق، تحت غطاء المعاداة المشتركة لأميركا»، في حين يرى مراقبون اخرون ان الولايات المتحدة كانت تدعم تنظيم القاعدة خفية، بهدف وقف التمدد الشيعي – الإيراني.

المعاناة من الوهن

في غضون ذلك، قال متابعون لشؤون الجماعات المسلحة في العراق، ان تنظيم القاعدة اخذ يعاني من الوهن منذ العام 2006، ولاسيما بعد مقتل ابي مصعب الزرقاوي، وشروع القوات الأميركية بتبني مشروع الصحوات، التي اخذت تقاتل التنظيم في اوج فترات النزاع الطائفي في العراق.

وينقل المتابعون عن مصادر موثوقة، وعن حوارات مع الجماعات المسلحة، ان تنظيم القاعدة في العراق، ابتدأ علاقاته التسليحية مع ايران بعد مقتل الزرقاوي وتولي ابوعمر البغدادي قيادة التنظيم.

وقال «القاعديون» آنذاك، انهم بحاجة إلى السلاح والذخيرة، ولا بأس في شرائها من «تجار» ايرانيين يعملون بالتهريب، مستشهدين بأن الرسول الكريم لم يحرم التجارة مع اليهود، فيما قال المعترضون ان اولئك التجار المهربين هم من رجال المخابرات الإيرانية، ولا يمكن لأية جهة في ايران ان تقدم على عمل كهذا بدون توجيهات عليا.

الربح أولاً

إلا ان «القاعديين» كانوا يردون بأن هؤلاء التجار همهم الأول والأخير هو الربح، ولا يمكن ان توافق الحكومة الإيرانية على بيع سلاح لتنظيم يقاتل حلفاءها الشيعة، فيما جاء الرد بأن أي تاجر لا يمكن أن يبيع «المهربات» بأسعار بخسة وبهدف الخسارة.

نعم.. هناك تبادل في العداوات والصداقات.. هذا ما يراه المتابع للشأن العراقي زيد الزبيدي، حيث تتداخل الخنادق والمصالح، وكان من نتيجة هذا التداخل انشقاق تنظيم القاعدة، وظهور تنظيم داعش تحت ولاية ابي عمر البغدادي، التي كان اولويات منهجها تصفية من لا يبايع الخلافة والخليفة.

اللجوء إلى التفجيرات

وبعد انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية 2011، شن تنظيم داعش حملة تفجيرات عنيفة في المدن العراقية، وخصوصا في العاصمة بغداد، حصدت آلاف الضحايا، وعرض الأميركيون آنذاك مبلغ 10 ملايين دولار مكافأة للقبض على البغدادي او قتله، ورد التنظيم بحملة اطلق عليها «كسر الجدران» شملت عشرات الهجمات على السجون العراقية وأدّت إلى الافراج عن المئات من معتقليه، وخصوصاً من سجني التاجي وأبي غريب الشهير.

وسرعان ما بدأ التنظيم في خوض معارك على اكثر من جبهة في الداخل السوري، واحدة ضد «النصرة»، وثانية ضد الجيش السوري الحر التابع لائتلاف المعارضة السورية، وثالثة ضد الاكراد السوريين الذين قرروا اقامة نوع من «الحكم الذاتي» في مناطقهم في شمال سوريا.

وفي فبراير الماضي، تمكن مقاتلو «داعش» من اغتيال ممثل الظواهري في سوريا المدعو أبوخالد السوري بتفجير مقره في مدينة حلب. وفي تطور مفاجئ في العاشر من يونيو الماضي، شن «داعش» هجوما ادى إلى سيطرة سريعة على مدينة الموصل، ثاني اكبر المدن العراقية، بعد انسحاب القوات الحكومية العراقية منها، ثم سيطر على مناطق واسعة من العراق تشمل معظم محافظة الأنبار في غرب العراق.

5000+7000

ويقدر مراقبون أعداد المقاتلين المنضوين في تنظيم داعش بما بين خمسة وستة آلاف مقاتل في العراق وسبعة آلاف في سوريا، لكن لم تؤكد مصادر اخرى هذه الارقام.

وتسعى واشنطن الآن لإقناع فصائل سنية مسلحة وقيادات عشائرية بمحاربة مقاتلي تنظيم داعش من خلال تشكيل «الحرس الوطني» في المحافظات السنية لأنها لا ترغب في إرسال قوات أميركية إلى العراق.

ويقول مسؤولون أميركيون وعراقيون إن الخطة الجديدة لا تمثل إعادة إحياء للصحوات بل ستدمج في «حرس وطني» يمثل قوة أمنية يقصد بها التخلص من مركزية السلطة في بغداد لمعالجة مطالب السنة بوقف ما يرونه من اضطهاد من جانب قوات الأمن حيث لم تتحقق قط الوعود السابقة التي أطلقها المسؤولون الأميركيون والعراقيون لدمج السنة بشكل فعلي في «العملية السياسية» وبدلاً من ذلك وجدوا أنفسهم مطاردين من المتطرفين ومن الحكومة العراقية على حد سواء.

Email