استنفار إقليمي يعمّ منطقة شمال إفريقيا لتجفيف منابع الإرهاب

الفوضى الليبية كابوس يهدد دول الجوار

فتاة ليبية تقف بجانب بقايا طائرة حربية تحطمت خلال قتال في بنغازي رويترز

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

استنفار إقليمي، هو التعبير الدقيق لمستوى التأهب الذي يعمّ منطقة شمال إفريقيا، بعد أن باتت ليبيا بؤرة التوتّر، وموطن الإرهاب والتهريب في المغرب العربي عقب سقوط الدولة تحت ضربات الميلشيات الإرهابية، والواضح أن هناك وعياً مشتركاً بين دول جوار ليبيا بأن منسوب الخطر الإرهابي أضحى مرتفعاً جداً لا بالنظر فقط إلى المعطيات الداخلية لتونس والجزائر ومصر ولكن بالنظر خصوصاً إلى الوضع الإقليمي المتفجر، حيث حقق المسلحون في سوريا والعراق نجاحات عسكرية على الميدان قد تؤجج الوضع الداخلي في هذه البلدان.

ما يجري في ليبيا له تداعيات كبيرة على الصعيد الإقليمي، إذ تتزايد مخاوف دول تونس والجزائر ومصر من تعرضها لهجمات إرهابية من جراء تهريب الأسلحة وتسلل الإرهابيين إليها من جارتها ليبيا التي تشهد اشتباكات ضارية بين متشددين إسلاميين والجيش الليبي. فقد أعلنت الدول الثلاث، حالة الاستنفار القصوى على الحـدود بعد تدهـور الأوضاع الأمنية في ليبيا، حيـث اعتبرت الأزمة الليـبية من «أخطر أزمات المنطقة».

استبعاد السيطرة

لقد أضحى جلياً أن التحدي الإرهابي عابر للأقطار ولا يمكن السيطرة عليه فقط داخل الحدود وذلك لفترة قد تطول.. والواضح أيضاً أن هنالك تكاملاً بين المقتضيات الأمنية للبلدين، فالعمق الصحراوي للجزائر يجعلها دولة المواجهة الأساسية للإرهاب في المغرب العربي والساحل الإفريقي. وهذا يحمي ظهر تونس إلى حد ما ويجعلها بعيدة عن بؤر توتر الساحل الإفريقي..

الإشكال الإقليمي الأساسي اليوم بالنسبة للبلدين يتمثل في الوضع غير المستقر الذي تعيشه ليبيا، ما يجعل مئات الكيلومترات من الحدود المشتركة بين ليبيا وتونس من جهة وليبيا والجزائر من جهة أخرى غير آمنة ومؤمنة..

ليبيا اليوم هي معضلة المعضلات فهي مهددة بأن تتحول إلى منطقة تجمع لكل عصابات الإرهاب، كل العوامل تدفع في هذا الطريق، دولة منهارة بلا مؤسسات، حدود مفتوحة تزيد على أربعة آلاف كيلومتر، ترسانة أسلحة تم نهبها، حرب شنتها فرنسا ضد الإرهابيين في مالي، لكنها تفتح الباب لكي ينتقلوا بإرهابهم إلى ليبيا لينضموا مع عائدين من سوريا.

خطر«إمارة إسلامية»

اليوم الخطر القائم على الحدود التونسية الليبية ليس جماعات مسلحة منفلتة، وإنما «إمارة إسلامية» جديدة تضم في صفوف «جيشها» مقاتلين أجانب هم بالأساس من التونسيين، لاسيما وأن تنظيم أنصار الشريعة ليبيا وتنظيم أنصار الشريعة تونس هما تنظيم واحد من حيث «الأفكار الجهادية والتنسيق العملياتي والدعم المالي واللوجيستي»، وكلاهما مبايع لتنظيم القاعدة.

هذا الوضع الإقليمي يفسر حرص القيادة في الجزائر وتونس على حسم مسألة جبل الشعانبي وكتيبة عقبة ابن نافع.. إذ القضاء السريع على كل نشاط إرهابي يذكر بين حدود البلدين هو الذي سيسمح لهما بالتفرغ للتحدي الأكبر وهو استقرار ليبيا.

وتدرك تونس اليوم ومعها الجزائر ومصر أنّ ليبيا باتت «بؤرة» عنف وخراب ويباب، بعد فشل كل محاولات التصحيح ونكوص مساعي الإصلاح والتصليح، لذا فقد اتخذت العواصم الثلاث إجراءات جوهرية، فالتنسيق التونسي الجزائري المصري ليس مهماً فقط لمراقبة الحدود المشتركة وتحركات الجماعات المسلحة، بل له بعد استراتيجي يتعلق بالأمن القومي لهذه البلدان.

عمليات «الفجر»

وكانت مجموعة إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة تُطلق على نفسها «كتيبة عقبة بن نافع» قد أعلنت في وقت سابق مسؤوليتها عن العملية العسكرية الإرهابية في جبل الشعانبي بمحافظة القصرين، غرب تونس، وأطلقت عليها اسم «فجر القيروان»، كما توعّدت بعمليات أخرى، وذلك في تحد واضح للسلطات التونسية التي سارعت إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات لمواجهة الخطر الداهم.

وجاء اختيار هذا الاسم منسجماً مع العملية العسكرية التي أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، والتنظيمات المتطرفة التي تدور في فلكها، تحت اسم «فجر ليبيا» للسيطرة على مطار طرابلس الدولي.

 وبدا واضحاً أن اشتراك العمليتين في عبارة «فجر» ليس مصادفة، وبالتالي فهو ليس بريئاً ضمن سياق الأجندة التي ينفذها المتطرفون بالوكالة سواء في ليبيا أو في تونس، ما يعني توجيه رسالة مفادها أن الجهة التي تُحرك هؤلاء الإرهابيين واحدة.

ويؤكد محللون أن التنسيق الأمني الذي يجمع عدة دول بينها الجزائر، تونس، ليبيا ومصر التي توصلت بعد آخر اجتماع لها من شأنه تشديد الإجراءات على الحدود المشتركة براً وبحراً لضمان عدم تسلل أي من هذه الجماعات إلى خارج الحدود الليبية. وتشديد الرقابة على الحدود البرية مع محاصرة جيوب الإرهاب وغلق الأبواب أمام الملاذات الآمنة التي كانت تحتضن هذه الجماعات عند التضييق عليها.

اتفاق مصري جزائري

كشفت مصادر إعلامية ناطقة باللغة الفرنسية، عن أن هناك احتمالية لتدخل الجيشين المصري والجزائري في ليبيا، مشيرة إلى أن هناك تنسيقاً بين البلدين لمواجهة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» هناك.

ونقلت صحيفة «الوطن» عن مصادر أمنية جزائرية ومصرية قولها، إن البلدين على استعداد لمواجهة أي احتمالية لظهور «داعش» في ليبيا بشكل يهدد الأمن الحدودي لمصر والجزائر، مشيرين إلى «تشكيل لجنة أمنية مكونة من ضباط مخابرات من الجانبين للتعامل مع أي تهديد أمني ومحاولة تهدئة الوضع في ليبيا التي تشهد حرباً أهلية فعلية».

وأضافت المصادر أن «مجموعة من ضباط المخابرات الجزائرية زارت بالفعل مصر وفقاً لأوامر من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بهدف وضع خارطة طريق بالتعاون مع القاهرة للتصدي للتهديد الجهادي في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك ليبيا والعراق وسوريا ومراقبة عملية تهريب السلاح من قبل الجماعات الجهادية المسلحة».

وأوضحت الصحيفة أن «التقارير التي ما زالت سرية للغاية، تؤكد ضرورة تدخل عسكري مصري جزائري في ليبيا»، لافتة إلى أن الأمر ليس إلا مسألة وقت.

Email