أحداث دارفور: بين الحقيقة والتضخيم

أحداث دارفور: بين الحقيقة والتضخيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في وقت تتزايد فيه الضغوط على السودان للاستجابة لضغوط دولية في ما يتعلق ب«نزع سلاح الجنجويد» ووقف هجمات الميليشيات الموالية للحكومة ضد أفارقة دارفور، جاءت الزيارة الى هذا الاقليم السوداني لتبين حقيقة ما يجري عن كثب.

وصلنا إلى الإقليم المضطرب في اليوم الذي استعادت فيه قوات الحكومة منطقة المجاهدية، وبعد أيام من القمة الأفريقية التي عبرت عن تضامنها مع الرئيس عمر البشير ضد أي إجراء يمكن أن تتخذه المحكمة الجنائية الدولية بحقه بتهمة «ارتكاب جرائم ضد الإنسانية»، وتزامناً مع بدء تفهم الاتحاد الأوروبي لموقف السودان الرسمي. فور وصولنا، بدا أن حملة إعلامية وسياسية ضخمة كانت تسيطر على عقولنا، ولمسنا على الأرض واقعا مغايرا، خاصة بعد لقاءات مع بعض العاملين في مجال الإغاثة ومع مراقبين من الاتحاد الأوروبي.

هي حملة تقودها ضد السودان كل من بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما تبقى الدول العربية، رغم تأثيرها الإقليمي غير قادرة على اداء دور أساسي. وحتى أن بعض سفراء الدول التي تشن هجمة شرسة على السودان وتطلب رأس زعيمها، يؤكد في المجالس الخاصة بأن المشكلة «سياسية» وليست «جرائم ضد الإنسانية» يتهم بها نظام الخرطوم.

والواقع أن السودان يسمح بنشر قوات دولية في دارفور، تساند قوات الاتحاد الأفريقي الموجودة هناك. وفي لقائنا مع المسؤولين في قوات الاتحاد الأفريقي، قيل لنا انه ليست هناك مشكلة مع الحكومة السودانية، وأنهم لا يعرفون سبب الضجة المستمرة في الخارج، وأكدوا أن حلف شمالي الأطلسي والاتحاد الأوروبي يقدِّمان إمدادات وعمليات لنقل قوات الاتحاد الأفريقي هناك.

وكانت منطقة المهاجرية تعيش حالة طبيعية جداً بعد خروج قوات حركة «العدل والمساواة منها». وعندما وصلنا إلى شمال دارفور، كنا نعتقد أننا سنشهد ساحة قتال عنيف. لكن الوضع كان طبيعيا في مدينة الفاشر وضواحيها، ولم نجد سوى خمس مخيمات أكبرها «أبو شوك»، وفيه 50 ألف نازح.

ولما سألنا عاملي الإغاثة في مهمة «يونيميد» التابعة للأمم المتحدة، أكدوا لنا أن عدد النازحين الاجمالي يتراوح بين 160 و180 ألفا. سألنا مرة أخرى: «أين هم ملايين النازحين الذين يموتون جوعا؟»، فابتسم بعضهم قائلاً: «إنها ملايين الدولارات التي تضعها ما يسمى بالمنظمات الإنسانية في جيوبها».

بالطبع، أوضاع النازحين في المخيمات التي أقامتها الأمم المتحدة أفضل من مثيلتها لدى السودانيين الذين يعيشون اوضاعا مزرية. وفي الوقت الذي كنا نسمع فيه أن النازحين يتعرضون للقتل في المخيمات، أكد لنا كثيرون أنهم بحماية الدولة السودانية، وأنه لم تقع منذ العام 2004 سوى بضعة جرائم قتل في المخيمات الخمسة.

أما عن قوات ال«جنجويد»، وتعني «الجنّ الذي يركب الخيل»، فهي «عصابات منظمة في الريف تقوم بسرقة وقتل المواطنين، ولا علاقة لهجماتها بلون أو دين» بحسب احد الاراء التي سمعناها. وقد أخبرنا أحد النازحين أن الأهالي يستعملون هذه الكلمة لتخويف أولادهم.

ويتفق الجميع على أن تكرر الأحداث الدموية في دارفور يعود في الحقيقة إلى مئات السنين، ويرتبط بأسوأ النزاعات بين الفقراء في المناطق القاحلة والفقيرة. فدارفور تعاني منذ أمد بعيد من اضطرابات حول حقوق الأرض والمراعي الخضراء بين العرب البادية في الأغلب، وبين المزارعين من جماعات فور وماساليت وزاجاوا العرقية الأفريقية.

وفي لقاء جرى مع حاكم ولاية شمال دارفور، السيد محمد عثمان كبير، تطرق الأخير إلى الخطوات الني تقوم بها السلطات السودانية لتأمين عودة النازحين وحمايتهم من قبائل أفريقية عاشوا بأمان مع إخوانهم العرب في دارفور خلال الأعوام الماضية.

ولعلّ المشكلة الكبرى في دارفور هي التدخل التشادي المدعوم من فرنسا، لذلك فعلى المبادرة القطرية أن تأخذ بالاعتبار الحاجة الضرورية لتفاهم مع تشاد، والتي ترتبط بصلات وثيقة مع بعض الحركات المسلحة وتشهد علاقاتها مع الخرطوم توترا يتطور كثيراً إلى مرحلة الكيد المشترك.

دارفور - طلال خريس - (ينشر بالترتيب الخاص مع «السفير»)

Email