جسر كارل لوحة فنية في براغ تختزن الكثير من القصص عبر السنين

جسر كارل لوحة فنية في براغ تختزن الكثير من القصص عبر السنين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في قلب العاصمة التشيكية براغ، ينتصب جسر لا يشبهه أي جسر آخر في العالم، فهو بالإضافة لجذوره الضاربة عميقاً في التاريخ، يعتبر العمود الفقري للحركة السياحية التشيكية، بحيث إن زيارة تشيكيا لابد أن تبدأ منه.

جسر كارل أو «كارلوف موست» كما يطلق عليه باللغة التشيكية نسبة إلى الملك كارل الرابع الذي حكم الأراضي التشيكية في القرن الخامس عشر، يحتفل هذا العام بالذكرى الستمئة والخمسين لميلاده، وهو في حقيقة الأمر لوحة فنية فريدة من نوعها، تختزن الكثير من القصص والحكايا التي تتناقلها الأجيال.

وقد تم بناء الجسر خلال الأعوام 1158 و1171، لكنه تعرض بعد عام لأضرار محدودة بسبب الفيضانات، ثم لانهيار شامل في العام 1342 بسبب الفيضانات الجليدية التي اجتاحت دعائمه الركيكة المؤلفة في تلك الفترة من الخشب ومواد طبيعية أخرى. وقد اعتبر هذا الحادث آنذاك بمثابة كارثة وطنية كبرى، نظراً لمكانة الجسر الكبيرة في تلك الحقبة.

وتفيد الوثائق التاريخية المتوفرة، أنه في التاسع من يوليو عام 1375 عند الساعة الخامسة وإحدى وثلاثين دقيقة بالتمام والكمال، وضع الملك كارل الرابع حجر الأساس لبناء جسر جديد من الحجر. وقد اختار الملك هذا التوقيت مستنداً لنصيحة علماء الفلك، الذين أكدوا له أن الشمس والزهرة يلتقيان فيه، إذ أنه وحسب اعتقاد أبناء ذلك الزمن، فإن مثل هذا التوقيت يشكل حظاً جيداً للقيام بأعمال البناء.

يصل طول الجسر إلى 520 متراً وعرضه إلى عشرة أمتار، ويصطف على جوانبه ثلاثون تمثالاً من إنجاز أشهر فناني الحقبة الباروكية من أمثال براون وبروكوف وغيرهما، وقد تم تركيزهم على الجسر في الفترة بين 1683 و1714. ولأن التماثيل المذكورة أصبحت جزءاً من كنوز التشيك الأثرية التي لا تقدر بثمن، فقد تقرر وضع النسخ الأصلية في أروقة المعرض الوطني واستبدلت بنسخ تقليدية.

وإذا أردنا تقييم التماثيل انطلاقاً من حجم الضجيج الذي أثارته على مر العصور لا من قيمتها الفنية فحسب بل من كافة النواحي، فإن أبرزها الذي يستوقف الزائر دائماً هو ذلك الذي يجسد السيد المسيح عليه السلام وفوقه كتابة باللغة العبرية يقول تفسيرها «قديس، قديس، قديس هو السيد المسيح».

وحسب التفسير التاريخي لهذا التمثال فإن العبارة المذكورة وضعت باللغة العبرية بناء على أمر من المحكمة الملكية في العام 1696 كعقاب لفنان يهودي سخر السيد المسيح. وقد أثار هذا التمثال على مر العصور غضب اليهود الذين كانوا يشعرون بالإهانة من العبارة المكتوبة، إلى أن قررت بلدية براغ في العام 2000 وضع لائحة خاصة تفسر للزائرين «بأن المواطن اليهودي المذكور عوقب في تلك الفترة بناء على بلاغ كاذب».

لقد ارتبط جسر كارل بخيال وفانتازيا الفنانين على مر العصور، كما أن الروايات الشعبية تحدثت عنه بسخاء ومبالغة في آن.

إحدى هذه الروايات المرتبطة بتاريخ الجسر تتحدث عن طريقة بنائه، فتزعم بأن المهندس المسؤول قرر خلط المواد الكلسية والترابية الرئيسية بالبيض والنبيذ لكي يصبح الجسر أقوى وأصلب. ولأنه لم يكن في براغ في تلك الفترة ما يكفي من البيض، فقد أمر الملك كارل الرابع بجلبه من كافة المدن والقرى التشيكية.

إلا أن سكان بعض المناطق أرسلوا البيض المسلوق بدلاً من النيئ، خوفاً من أن ينكسر خلال عملية النقل، في حين أرسل مواطنون آخرون الجبن وأنواعا من اللبن. وبرغم هذا الخليط العجيب الغريب إلا أن بعض المؤرخين يعتقدون بأن جسر كارل قد بني بطريقة متكاملة «ووطنية» فعلاً، لأن أسسه احتوت على أبرز مكونات الاقتصاد التشيكي في تلك الفترة.

ولأن مفهوم الوطنية قد ارتبط دائماً بتاريخ الجسر، فإن الرواية الأخرى المنسوبة إليه تزعم بأن ثمة سيفا سحريا مختبئا في أحد جدرانه وأنه لن يعرف مكانه الحقيقي إلا القديس فاتسلاف، الذي سيمتطي حصانه الحجري القائم حالياً على شكل تمثال في وسط العاصمة براغ، وسيهب بالتالي من الظلام لنصرة شعبه عندما تحل الكارثة به وسيهزم الأعداء.

وبالرغم من أن هذه الروايات هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة، لكن ما يمكن تأكيده هو أن هذا الجسر يبقى بعد ستمئة وخمسين عاماً على تشييده، أحد أجمل المعالم الأثرية في العالم، كما أن المشهد الجمالي لمدينة براغ لا يكتمل إلا خلال التنزه فوقه.

براغ ـ حسن عزالدين

Email