كتاب مونتجمري، الحلقة الثالثة، تأخير الهجوم على العلمين أسوأ خطأ في تاريخ رومل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدأ المؤلف هذا الفصل بطرح الاستعدادات التي كانت تحصل قبيل المواجهة في معركة علم حلفا. ويصور لنا ما كان يجري على جانبي جبهات القتال والاستعدادات الحثيثة. فرغبة «مونتي» كانت ـ كما هي الحال عليه بالنسبة لتشرشل ـ في وجود جيش يقاتل بشكل منظم من دون تردد ووفقاً للخطة المرسومة أمامه، لا أن يكون جيش رجال يرددون على الدوام كلمة «نعم» فحسب. ومثل هذا الجيش يكون شاباً، ويعج بالحماس والنشاط لخوض المعركة. وهكذا بدأ «مونتي» بعمليات يصفها المؤلف بالإصلاحية تمثل أولها بطرد أو نقل ضباط الجيش الثامن ممن شعر بأنهم ليسوا موضع احترام أو مودة من جانب الآخرين، مما ولد انطباعاً لدى البعض ممن كان حوله بأنه إنسان فظ على نحو بغيض ووقح بشكل لا تتطلبه الضرورة، خاصة تجاه بعض القادة المهذبين من كبار السن. وكانت هذه البداية بالنسبة لمونتجمري حيث أوضح للقادة بأن على جنود جيشه الحالي ألا يفكروا بعائلاتهم وزوجاتهم ولا بالمتعة والراحة التي سينعمون بها في القاهرة أو الاسكندرية، وأن عليهم توخي أقصى درجات الحذر عند القتال لتقليل الخسائر في الرجال والمعدات إلى أقل درجة ممكنة وواقعية. في مواجهة الأسطورة على الصعيد الميداني يفصّل لنا هاملتون جانباً من ساحة الاستعدادات. فقد شرع «مونتي» بمواصلة عمليات الأعداد وشحذ الهمم وكانت فلسفته أيضاً تختلف عمن سبقه في القيادة، خاصة في الطريقة التي تميّز فيها هذا القائد عن سابقيه في التعامل مع رومل. فرسم صورة لرومل كأسطورة بين الجنود البريطانيين لم يمنح المارشال الألماني النصر فحسب، بل كان العذر وراء ضعف تنسيق الجهود الخاصة بالجيش الثامن. وفي الوقت الذي كان مطلوباً من قادة الجيش الثامن مواجهة الحقيقة القائلة بأن بريطانيا كانت تخسر الحرب بسبب عدم إقبال هؤلاء القادة على تلبية المطالب المحترفة للحرب الحديثة، سعى البريطانيون على الدوام عند تبرير هزائمهم لرسم صورة لخصمهم في الصحراء كأنه فارس من فرسان شمال أوروبا الأسطوريين أو «ثعلب الصحراء»، متجاهلين في الوقت ذاته حقيقة الولاء النازي لدى هذا الرجل. وهكذا رفض البريطانيون بعناد اللجوء الى الحرب الشاملة حتى في أشد الأوقات حرجاً، وهي الحقيقة المرة التي لم يدركوها الاّ بعد حين. وفي هذا المضمار يرى المؤلف بعض التشابه بين «مونتي» ورومل لأن «مونتي» قد تشرّب بقانون الحرب الصارم الأعمى، وأدرك منذ وقوفه في العلمين أن الاحترافية ليست كافية لهزيمة رومل، ولن يتم ذلك أيضاً من خلال القطعات العسكرية المؤلفة من المتطوعين والمجندين من دول الحلفاء الكثيرة لأن مثل هؤلاء الجنود ليسوا بأهلٍ لشن حرب شاملة. واحتاج الحلفاء لرفع المعنويات وللتعامل مع رومل شخصياً الى شن حرب ذات طابع أكثر اتساماً بالطابع الشخصي تماثل الصورة الشكسبيرية التي تقوم على أساس شخصية قائدهم الميداني، كما أوضحت بذلك الأغاني والقصائد التي كان الجنود ينشدونها، والتي كانت تجسد شخصاً غير الجنرال ويفل أو كيننجهام أو أوكنليك أو جوت، لأن مثل هؤلاء الجنرالات في نظرهم لم يكونوا أبدا نداً مكافئاً لرومل. ولا يغفل المؤلف التأكيد في كثير من مواضع الكتاب على أهمية المعنويات أثناء الحروب وعلى الدور الذي اضطلع به «مونتي» لرفع المعنويات من جهة ولزرع الثقة لدى القادة والجنود بحتمية النصر والظفر. فأتت لقاءاته المتكررة مع الرجال بنتائج رائعة، أو فريدة بالنسبة لأي قائد بريطاني، بينما توجت علاقته الاجتماعية الوثيقة مع كادره الشخصي بتفهم هؤلاء الأشخاص لظاهرة «مونتي» وأثرها في تغيير معنويات البريطانيين في الصحراء. وأدرك أيضاً وبسرعة أن الشهرة يمكن توظيفها كسلاح لرفع المعنويات، وأن على القائد الميداني الفوز بثقة الجنود أولاً، لا أن يعتبر ذلك أمراً مسلماً به. وتحققت لـ «مونتي» تلك الشهرة وبسرعة بين صفوف الجيش الثامن لأسباب عديدة يتطرق هاملتون إلى البعض منها. فأولاً حرصَ «مونتي» عند اللقاء بكل من يصادفه من الجنود على التأكيد ليس على أهمية الدور الذي يضطلع به كل فرد ضمن الخطة الكاملة، بل في تفسير وتوضيح ذلك الدور. وثانياً تركت زياراته الشخصية للجنود والمواقع الميدانية تأثيراً فريداً في نفسية الجنود لأنه لم يكترث بوضع الرتب أو الأوسمة العسكرية التقليدية على قميصه ولم يضع حتى الأشرطة، على عكس ما فعل غيره من القادة مثل أوكنليك وجوت. ويعلل المؤلف ذلك بالقول إن «مونتي» قد تصرف وكأنه يرغب في تقليل درجة القيادة في الحرب إلى مرتبتها الحقيقية والجوهرية، ذكاء إنساني وشجاعة ميدانية واحترافية في العمل وتلاحم بين الجنود الاعتياديين وشخصية قائدهم. وكان الاختبار الحقيقي لجهوده في إيجاد روح جديدة للجيش الثامن يتجسد في مدى نجاح مفهومه الجديد عن الحرب، وهو الاختبار الذي تكرر من خلال المناورات العسكرية بقيادة جنرال هاروكس، ولم تحدد درجة نجاحه الحقيقية الاّ بالقتال عند علم حلفا. وطلب أيضاً من الجيش الثامن أن يصبح جيشاً جديداً يتمتع في الضباط والجنود بعلاقات وثيقة ذات اتجاهين. وأوصى كذلك القادة بضرورة اطلاع جنودهم على تفاصيل سير الخطة العسكرية وإعلامهم بتطوراتها الميدانية، فبات الجيش الأكثر ثقة والأعلى معنويات عندما قام بمهاجمة الألمان. ومع ذلك ساور القلق الحلفاء وظهرت بوادر التوتر في قيادة الجيش الثامن بفعل تعزيزات رومل وقدرته المتنامية في العلمين التي بلغت 82 ألف جندي في الأسبوع الأخير من أغسطس و310 طائرات في شمال أفريقيا ناهيك عن أسراب أخرى في كريت. أما بالنسبة لغارات الحلفاء الهائلة على سفن تزويد الوقود فإن 14 سفينة بالإضافة الى 13 بارجة وغواصتي إمدادات قد وصلت عبر طبرق ووصلت سبع سفن وغواصتان الى بنغازي وسفينة وغواصة الى طرابلس. ونجت المدرعات جميعها وتم وصول 84 % من الوقود بنجاح و81 % من المدافع. زد على ذلك أن جسر النقل الجوي الألماني ضمن وصولاً ناجحاً الى العلمين من جانب فرقة المشاة 164 بكاملها واللواء المظلي «رامك» خاصة، ناهيك عن التعزيزات الخاصة بفرق الفيالق الأفريقية وفرقتي الاحتياط الإيطاليتين وفرقة فولجور الخاصة بالمظليين. وبعد ذلك يبدأ المؤلف بالحديث عن المنطقة التي كان رومل يود الانطلاق بهجومه منها، والتدابير التي اتخذها «مونتي» كي يقوم بها في عملية التصدي والدفاع. ويقول إن رومل قد واصل بناء قوته المدرعة حتى آخر اللحظات، وتواصل تدفق التعزيزات والإمدادات بينما أعطى «مونتي» أوامره بتجهيز تحصينات شاملة على المعالم القائمة بين العلمين ـ علم حلفا وأصدر كذلك أوامر «بعدم التراجع أو الاستسلام» وبدأ يخاطب هيئة الأركان والقادة والجنود على حد سواء. وهكذا بات التحول واضحاً: وذا طابع اغريقي تقليدي من حيث الجوهر لا يتعلق بالمواجهة بين جيشين متناحرين في معالم مهجورة تماماً من الرمال وبعض الشجيرات القائمة على طول الامتداد الأزرق للبحر المتوسط وبحر إيجة، بل أيضاً فيما يخص بالتفاعل بين القائد وجنوده، بين معلم وتلاميذه. وكان لهذا التغيير الواضح كما يشير المؤلف أثر كبير لدى رئيس الوزراء ونستون تشرشل ورئيس أركان الجيش السير ألان بروك اللذين زارا الجبهة ووقفا على حقيقة ما كان يفعله «مونتي». فكلاهما قد زار الصحراء قبل أسبوع (6 أغسطس) وعندما عادا إليها في 13 أغسطس لم يصدقا أن «مونتي» قد ترك بصماته الواضحة وعلى مثل هذه الدرجة من السرعة. وأظهر «مونتي» في لقائه مع رئيس الوزراء أن لديه خطة واحدة للقتال، متخلياً فيها عمن سبقه ممن وضعوا عدة خطط للجوء إليها أي إذا ما أخفقت الخطة «أ» فسيتم تبني الخطة «ب» التي ستحل محلها في حال فشلها وهكذا، وهو الأمر الذي تنفس من خلاله القادة الميدانيون الصعداء لا سيما وقد أصبح كل شيء واضحاً وليس مشوشاً أو مضطرباً. وهنا تخلى تشرشل بعد لقائه لـ «مونتي»، الذي أوجز له على درجة كبيرة من الدقة والوضوح التخطيط لبقية العمليات، عن رغبته الملحة بتعيين جوت وأبرق الى نائبه من القاهرة في اليوم التالي يعلمه بأن البريطانيين كانوا يسيرون صوب كارثة محتومة في ظل القيادة السابقة، وإنه فخور بأن مناخاً جديداً قد خيّم حيث تسود أعلى درجات النشاط والهمة وغدت المواقع محصنة في كل مكان بينما أعيد تجميع القوات المنتشرة على نطاق واسع ضمن وحدات قوية. ووصلت كذلك الفرقتان 44 و10 المدرعتان الى الخط الأمامي وانشغلت الطرق بحركة الجنود والدبابات والمدافع. وهكذا كان رئيس الوزراء وكذلك الجيش قد حققا نصراً في هذا المضمار، تمثل بقدرة استعدادية عالية لوقف انتصارات الألمان ورّد هجوم رومل الوشيك على أعقابه. رومل وسوء التقدير يصور المؤلف الجانب الآخر من الميدان على جبهة رومل، ويستعرض عدة أمور أخطأ رومل في تقديرها أو بعدم القيام بها والتي كانت ستحسم حرب الصحراء لصالحه مرة والى الأبد. ويذكر أنه كان مقتنعاً تماماً بقدرته على تلقين البريطانيين درساً قاسياً في الحرب المتحركة حالما يقوم بتجميع امدادات وقود كافية تمكنه من الوصول الى القاهرة. وثانياً ظل رومل مهووساً بالصورة التي رسمها عن البريطانيين على أنهم غير بارعين في القتال، فلم يول اهتماماً للإعلان البريطاني عن التغييرات التي حصلت داخل القيادة في 19 أغسطس أو الى تلك التي طرأت ضمن الخطوط البريطانية، فأظهر ازدراءً لخصومه حيث خلا الجانب الجنوبي من الجبهة البريطانية من أية عمليات استطلاع جوية أو دوريات مراقبة كان من المفترض وفقاً للمنطق العسكري والحربي أن يقوم بها الألمان. وثالثاً رسم رومل خطته، بفعل ما تمتع به من قوات أرضية عالية التدريب ودبابات متفوقة وأسلحة مضادة للدبابات، على مبدأ قتال حاسم يتم خوضه وراء الجبهة البريطانية بأسلوب يمّكن القادة الميدانيين الألمان الماهرين والجنود المستعدين للقتال من تعويض نقصهم في القوة المادية. والأهم من ذلك كله أنه كان يرى أن الوقت يسير لصالحه على خلاف الواقع. وفي الوقت الذي ساوره القلق من سباق التسلح ـ لحشد أكبر عدد من الدبابات والذخيرة ووحدات الوقود لدى المحور قبيل تعزيز البريطانيين لقواتهم عبر السويس، علمَ من خلال العملاء الألمان في القاهرة أن «مبعوثاً رفيعاً مصحوباً بشحنة من أحدث الأسلحة والمواد الحربية للجيش الثامن سيصل الى السويس مع مطلع سبتمبر». وهنا أصدر قراراً مهلكاً بتأجيل الهجوم الى نهاية أغسطس، في مسعى للقبض على المبعوث قبل تفريغ الدبابات والذخائر الامريكية، من دون أن يعرف بأن كل يوم تأخير كان نعمة على الجيش الثامن بقائده الجديد في علم حلفا. وحسب تحليل المؤلف فان تأخير رومل في شن الهجوم قد برهن على أنه أسوأ خطأ في تاريخه العسكري. ولو أقدم على الهجوم في 15 أغسطس لربما تمكّن من اختراق الجيش الثامن تماماً، إذا ما أخذنا بالاعتبار دفاعات الجيش الثامن الواهنة والتفوق الألماني الهائل للمدرعات والمدافع ذات المواسير الطويلة، ناهيك عن الدعم الجوي الكبير الذي كان يوفره الطيران الألماني تدريجياً. وهكذا سلّم رومل كفة التفوق لصالح «مونتي» يوماً بعد يوم، حيث قام الأخير بتحصين دفاعاته وإعداد جيشه لأسلوب حرب دفاعي جديد، في حين شرعت القوات الجوية الملكية والبحرية وقوات الحلفاء بمهاجمة سفن تزويد الوقود الإيطالية. وأخطأ رومل أيضاً في تقدير حجم القوات، وبالغ في عددها. فقد توهم بوجود فرقة إضافية عند العلمين تقبع بجانب الدلتا وراء الفيلق البريطاني الثلاثين، وهي الفرقة 50 بقيادة الكسندر، وافترض وجود فرقتين مدرعتين بريطانيتين كقوة احتياطية خلف الفرقة السابعة المدرعة، في الوقت الذي لم يوجد لدى الجيش الثامن، حتى 27 أغسطس، سوى لواءين مدرعين أحدهما في الشمال والثاني عند تضاريس علم حلفا. حشد القوت يظهر المؤلف بالتفصيل سباق التسلح وتحشيد قوات رومل لأن هجومه المقبل سيكون ذا أهمية كبرى من جانب، ولأنه كان مصمماً على شن حرب شاملة ربما تتطلب منه خوض معارك متعددة ووجود قوات هائلة وتواصل القتال في عمليات طويلة. وفي 15 أغسطس تضاعفت التشكيلات الألمانية ثلاث مرات عما كانت عليه منذ قتال يوليو، حيث تم إنزال 1000 جندي جواً في كل يوم بينما وصلت 800 شاحنة وعربة جديدة. وفي 27 أغسطس بلغت الأرقام ـ كما يبين المؤلف ـ أرقاماً مخيفة حيث تضاعف عدد الدبابات عما كان عليه في بداية الشهر لتصبح، بالإضافة إلى 243 دبابة إيطالية متوسطة و38 أخرى خفيفة، 234 دبابة مدرعة أم كي الثالثة والرابعة ـ التي كان 200 منها من النوع الخاص لتمتعها بمواسير طويلة وعالية السرعة ولها القابلية على إصابة أية دبابة بريطانية على مبعدة 3000 ياردة، وهي ثلاثة أضعاف المسافة التي تستطيع ضمنها الدبابات البريطانية أو المدافع المضادة للدبابات العمل. زد على ذلك أن أسلحته الأخرى شكلت قوة مميتة تماماً كالمدافع المتوسطة المتحركة والذاتية العمل والمدافع المضادة للدبابات الشديدة التفوق ـ بما فيها 95 مدفعاً روسياً تم الاستيلاء عليها. وتضم تلك الأسلحة أيضاً 30 مدفعاً مضاداً للطائرات والدبابات في وقت واحد وبمدى أفقي يبلغ 16 ألف ياردة ولها القدرة على إطلاق 20 قذيفة مضادة للأفراد بسرعة تفوق سرعة الصوت. وبالمحصلة يرى المؤلف الى أن رومل كان يشيد أكبر جيش مدرع لم تشهد الصحراء مثله قط من حيث التجهيز، ومزود بأوسع تشكيلة مساندة من الطيران الألماني للاستطلاع، بالإضافة إلى الطائرات القاذفة والطائرات المنقضة والطائرات المهاجمة التي بلغ عددها نحواً من 1000 طائرة ألمانية وإيطالية. وكل ذلك قد بعث في رومل الطمأنينة. ويشير المؤلف الى أنه قد خطّط على الخارطة نقل جميع الكتائب والفرق والفيالق من العلمين صوب الجسور القائمة على النيل عند الاسكندرية والقاهرة، حيث سيتحرك نصف الجيش المدرع شمالاً نحو قناة السويس بينما سيتحرك النصف الآخر جنوباً صوب الخرطوم، بعد أن تأكد له من خلال العملاء السريين في القاهرة أن انتفاضة لتأييده ستحصل حالما تصل قواته المدرعة مشارف القاهرة. وكان كل اهتمامه في الوقوف عند حقول القاهرة الخصبة لذلك قام بتجميع ما مقداره 200 ميل من الوقود لجميع العربات خشية أن يخفق القادة الميدانيون في تأمين المزيد من الوقود وإلاّ سيكون عندئذ مضطراً للاستيلاء على المخزون البريطاني في العلمين أو القاهرة. لذلك كان توفير الوقود الكابوس الأكبر بالنسبة له ولكن كيسلرنج وعده بتوفير فوري لـ 1500 طن من مخزون وقود الطيران عند العلمين وشحن 700 طن من الوقود المحمولة جواً بالإضافة الى 500 طن سيتم توفيرها جواً يومياً، في حال عدم وصول سفن التموين في الوقت المحدد. ثم ينتقل هاملتون بعد عرضه لصور مفصلة للاستعدادات للحديث عن أهمية الانتصار في المعركة الوشيكة والدور الذي سيلعبه احتلال مصر بالنسبة لسير الحرب العالمية، خاصة بالنسبة لألمانيا الطامعة في الثروات المصرية. ويقول إن اهتمام الحلفاء قد انصب على تحقيق الانتصار الأول على ألمانيا بعد سلسلة الهزائم التي تعرضوا لها، بينما كانت المعركة بالنسبة للمحور الحلقة المهمة جداً لإكمال سلسلة الانتصارات ولتحقيق سيادة مطلقة في شمال أفريقيا بعد الانتصارات المتكررة في أوروبا. ويذكر المؤلف إن رومل قد أدرك حساسية المعركة لما لها من دور في تلبية التطلعات الألمانية في كسب الحرب بكاملها. ففي الوقت بدأت الانتصارات الألمانية ماضية بسرعة البرق من دون توقف، حقق الجيش الألماني المدرع الأول انتصاراً على امتداد البحر الأسود مستولياً على القرم وصولاً الى مشارف القوقاز في بداية أغسطس، بينما سار جيش فون بولوس نحو ستالينجراد بعد أن وصلت إلى نهر الفولجا شمال المدينة. كل ذلك قد بعث بالبهجة إلى هتلر الذي لاحت قواته المدرعة على وشك الاستيلاء على مصدر النفط الأول في العالم الموجود في الشرق الأوسط، وما هي الاّ ضربة واحدة لتفتح لألمانيا الطريق أمام الهيمنة المطلقة على الشرق الأوسط بأكمله. لذلك مثل الاستيلاء على القاهرة والاسكندرية ـ كما يخلص المؤلف ـ سيادة تامة لألمانيا وإيطاليا على البحر المتوسط، بما فيها الاحتواء الأخير على مالطا، لتشل عمل الحلفاء في مركز البحر المتوسط. زد على ذلك سيستطيع رومل، من خلال الاستيلاء على دبابات شيرمان الامريكية الجديدة والمؤن التي ستصل الى السويس وكذلك مخزون الذخيرة والوقود البريطاني، تشكيل فك كماشة للالتقاء بالقوات الألمانية الزاحفة جنوباً من القوقاز عبر إيران، تماماً كما فعلت الفرق الألمانية عندما اجتاحت اليونان في السنة التي سبقت ذلك وقبل عملية برباروسا. ولم يكن ذلك بالأمر الهين على رومل وهو القائد المحنك ذو الخبرة العسكرية الطويلة. ويشير مؤلف الكتاب هاملتون إلى أن المسئولية الملقاة على كاهل رومل والتي أدرك حجمها الآن قد جعلته مريضاً وقلقاً كليةً وبدا الشحوب على ملامحه. وعندما تدهورت صحته كثيراً بفعل معاناته من ضغط الدم ومتاعب في المعدة والبلعوم، أوصى الجنرال جودريان ـ وهو أفضل جنرال مدرع في الرايخ الثالث ـ بتولي القيادة محله لو تم منحه إجازة مرضية.

Email