كتاب، مونتجمري، الحلقة الاولى، ثلاث سياسات يعتمدها مونتجمري لضمان النصر في المواجهة مع العدو

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلقي المؤلف في القسم الأول من الكتاب الضوء على حياة مونتجمري منذ ولادته وحتى انخراطه في الجيش ليحتل منصباً مرموقاً وليكون له دور بارز في أشد معارك الدبابات قوة وأكثرها أهمية وتأثيراً في تاريخ الحرب العالمية. ويركز على الظروف التي أحاطت به وبعائلته والتي أسهمت بدورها في تكوين شخصية «مونتي» التي كانت عنيدة حسب رأي الكاتب. يقول هاملتون ان ولادة «مونتي» كانت في 17 نوفمبر 1887 وقد أتاحت له عائلته أن يحيا في ظل حياة فكتورية خاصة وتولدت لديه الرغبة وهو في عمر مبكر جداً في أن يصبح جندياً، سيما إن والده كان يعمل في منصب عالٍ في الجيش البريطاني إبّان الحرب الأولى لاستقلال الهند. وبدا «مونتي» أيضاً عنيداً في طفولته وبدأ يبحث فيما تلا من سنين عن حياة القادة العسكريين الكبار ووجد إنهم لم يحظوا بحياة سعيدة، خاصة دوق أدنبرة وولنجتون. وأعتبر «مونتي» أيضا، كما يذكر الكاتب نقلاً عن مذكراته، ان حياته لم تكن سوى حرب واضحة مع والدته نتيجة لـ «صدام الرغبات» فيما بينهما حيث لم يحبذ أسلوب أمه التهكمي العنيد. وعندما بلغ «مونتي» الرابعة عشرة أعلن للعائلة صراحة أنه يرغب أن يغدو جندياً على الرغم من معارضة والدته الشديدة لذلك. ومثل هذا القرار بالنسبة له نقطة تحول في حياته لأن اختيار الجيش في ذلك العمر المبكر يعني وفقاً لرأي هاملتون تجاوزاً لحالة الخوف النفسي المتمثل بصعوبة العمل لدى الجيش. زد على ذلك أن «مونتي» يلقي بنفسه نحو المجهول لأنه لم يكن قوياً ومعافى مثل أخيه الأكبر. وبدأ «مونتي» فيما تلا من سنين يدرس بجد وعزم كبير أملاً في تحسين أدائه الذي ربما يمكنه من الدخول إلى الجيش الهندي المشهور الذي يستطيع فيه الجندي أن يعيش على راتبه وأن يحظى بترقية بين حين وآخر. وكانت النتيجة عام 1908 مخيبة لـ «مونتي»، فالمعدل الذي حصل عليه (63) لم يكن عالياً بما يكفي للحصول على مهمة في الهند. وكانت بالمقابل درجة طيبة يستطيع بواسطتها الدخول في خياره الثاني أي كتيبة وروكشاير الملكية التي كانت أحدى تشكيلاتها موجودة في الهند. وكان هذا العمل مهماً جداً لهذا الشاب ولعائلته أيضاً. حيث يسرد هاملتون إن عائلة «مونتي» في ذلك الوقت واجهت صعوبات مالية كبيرة مما هدد ذلك بقية إكمال الدراسة الخاصة لبقية أخوة «مونتي». لذلك كانت رحلة «مونتي» إلى كتيبة وروكشاير الملكية نعمة مالية لعائلته وسمحت له في الوقت ذاته على الاعتماد على نفسه لتلبية حاجاته. وهناك نشأت علاقة خاصة بين «مونتي» وجنوده الآخرين فكان متحدثاً إليهم يستمع لأفكارهم ومظالمهم باللغة التي يعرفونها ويفضلونها من دون تكلف. ولاح ذلك كما يشير المؤلف العامل الأساس ومفتاح النجاح في الساحات الميدانية، فبدونها سيكون من المتعذر تحقيق الأساليب التكتيكية. وهكذا تعلم «مونتي» في جبال وسهول الهند كل شيء عن الجنود البريطانيين وبدأ بتكوين علاقة مودة معهم وكان من جانب آخر على علاقة دائمة مع الناس الاعتياديين كالسواقين والنجارين ومدرسي المدارس والأطباء والحمالين في الفنادق لأن ذلك كان في نظره انعكاساً لصورة الديمقراطية. ولكن في ذلك الوقت وعندما عاد إلى بلده ظهر الخوف من نشوب حرب مع ألمانيا والتي تم إعلانها في عام 1914. وفي ذلك الوقت بالذات طُلب من «مونتي» الاستعداد لخوض قتال أوروبي من الطراز العصري من دون تلقي تدريب أو تعليمات من أي نوع لأن الموقف الدولي قد تدهور كثيراً في صيف عام 1914. في الحرب العالمية الأولى يقول هاملتون في معرض حديثه عن دور «مونتي» في الحرب العالمية الأولى إنه كان متلهفاً في يوليو عام 1914 لمشاهدة القتال، شأن بقية الضباط الشباب. وبدأت فعلاً تجربته الأولى في تلك الحرب في 30 يوليو عام 1914 عندما تولى منصب مساعد قائد كتيبة مشاة لحماية التجمعات المدنية وللحيلولة دون حصول غزو ألماني عند مدخل نهر التايمز على الضفة الجنوبية. وجاءت مشاركة «مونتي» وتجربته الأولى عندما تحركت كتيبته صوب بوفواه وهوكور الفرنسيتين وكان هو ومن معه من جنود الكتيبة في حالة منهكة بعد مسير طويل مضن. وكانت هناك قبالته مجموعات من الفرق الألمانية القوية التي كانت تضم المشاة والخيالة. وبدأ القتال الحقيقي من اليوم التالي في الساعة السابعة والنصف، عندما بذل «مونتي» ورفاقه جهوداً حثيثة لاستعادة التضاريس التي احتلها الألمان فكان التقدم صوبهم مرعباً خلال أمطار من الرصاص الذي كان يأتي من البنادق والمدافع الرشاشة وأنصال البنادق. وتمكن «مونتي» في تلك المعركة ـ كما يشير هاملتون نقلاً عن مذكراته ـ من الوصول إلى قمة التضاريس عندما أبلى رجاله بلاءً حسناً على الرغم من مقتل 200 جندي منهم. وبعد ذلك عادوا إلى مواقعهم الأصلية ليبدأ الألمان بقصفهم. لقد كان «مونتي» يرى تلك الحرب عديمة المعنى تختلف تماماً عما تعلمه ولاحت مرعبة نظراً لحجم الخسائر ولأن الوحدات تمضي للقتال وهي لا تعرف شيئاً البتة، حتى مواقع العدو ثم ينفجر الموقف على حين غرة. أما التجربة الحاسمة التي حصلت له وكان الحظ أو ربما العجزة وحدها سبباً في انقاذه فكانت تتعلق بإصابته في القتال. فعند حلول الليل تلقى «مونتي» رصاصتين في رئته قبيل انسحاب الألمان وبعد أن تمكن رجاله في كتيبة وروكشاير من تكبيد الألمان 700 ضحية. وتمكن «مونتي» من النجاة عندما سقط علية أحد الجنود ليخلصه من رصاصة أخرى كانت ستقتله من دون شك. وهكذا ظل «مونتي» يترنح بين الحياة والموت خمسة أيام وليال في أحد المستشفيات الفرنسية قبيل أن يتعافى مؤقتاً ليقوم قطار بنقله إلى إنجلترا في 18 أكتوبر ليتماثل للشفاء في مستشفى هربرت الملكي. ولم تكن تلك الاصابة لتمنع «مونتي» من مواصلة القتال. ويشير المؤلف إنه عاد إلى صفوف الجيش حينما تعافى تماماً وخاض عدة معارك كبيرة في فرنسا ومناطق أخرى وتمت ترقيته في مرات عديدة. وهكذا كانت تجربة «مونتي» في ملاقاة الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى ذات تأثير حاسم فيما تلا من عقدين عندما شن الجيش المدرع الألماني في عام 1940 غزواً خاطفاً عظيماً لهولندا وبلجيكا وفرنسا ثم الدنمارك ليتكرر ذلك في ديسمبر عام 1944 عندما اندفعت 30 فرقة ألمانية للرايخ الثالث الآخذ بالأفول عبر القوات الأمريكية في الأردين. مهمة في فلسطين كانت فترة السلام التي شهدتها أوروبا ما بين الحربين العالميتين من أهم الفترات بالنسبة لتكوين «مونتي» كجنرال محترف وخبير بالشئون العسكرية. ولم ينقطع عن التدريب أبداً وكان على دراية بما يستجد في الشئون العسكرية في الوقت الذي كانت نظرته السياسية إلى العالم المحيط به وأوروبا المضطربة والآخذة بالغليان ثاقبة بعيدة المدى حتى كأنه ـ حسب رأي المؤلف ـ يبصر حرباً في نهاية النفق، سابقاً بذلك سياسيي عصره. وكان الدور التالي الذي اضطلع «مونتي» خارج أوروبا هو قيادة الفرقة الثامنة في فلسطين لإخماد «حالة التمرد» ـ كما ينعتها الكاتب ـ حيث سافر إلى حيفا في أكتوبر عام 1938 إلى حيفا لمحاربة العرب في فلسطين. ويذكر هاملتون أن «مونتي» كان ينظر إلى فلسطين، التي زارها أول مرة عام 1931، بشكل مختلف عن نظرة العرب إليها. فتلك المنطقة الحيوية كانت جوهرة الإمبراطورية البريطانية التي كانت في نظره تمتد من مصر إلى هونج كونج وتعد ذات أهمية كبرى للدفاع قناة السويس التي كانت ـ حسب رأيه أيضاً ـ بوابة بريطانيا صوب الهند والمستعمرات في الشرق الأقصى والدول الأخرى الخاضعة للاستعمار البريطاني كأستراليا ونيوزلندا. لذلك كان على فلسطين أن تبقى محمية من جانب بريطانيا بينما كانت للعرب ـ وفقاً لرأي هاملتون ـ كارثة تاريخية أخذت تتفاقم لأن المطامح القومية الشرعية قد شرعت تختفي بفعل الاجندة الصهيونية التي صاحبها وجود قائد بريطاني قاس من شأنه أن يفعل أي شيء لإخماد ما يسميه بـ «التمرد». كان توقع «مونتي» أن حملته ستواجه في فلسطين منظمات قومية تدعو إلى الاستقلال، كتلك الموجودة في شمال إيرلندا، وليس مجموعات منظمة لكنه أدرك فيما بعد إنه أمام مجموعات محترفة ذات أساليب ماهرة. (وهذا رأيه الذي لا يخلو أبداً من الصورة الاستعمارية التي ترى في المقاومة الحرة خيانة وفي الاستعمار حقاً شرعياً). ويرى إن تلك المجموعات تشكل جيشاً ذا تنظيم واضح وقاس، وثمة ثلاثة قادة لذلك الجيش الذين يتلقون التعليمات من دمشق. وكل مجموعة تتكون من 50-150 رجلاً حيث يسيطر كل قائد من قادة ذلك الجيش على الجماعات الموجودة في منطقته من خلال القادة الصغار الآخرين المتمركزين في الأماكن الثانوية. وبعد الحديث عن العرب وصعوبة المعارك في مواجهتهم ينتقل المؤلف للحديث عما شاهده «مونتي» بالنسبة لليهود في فلسطين. ويذكر إن السكان اليهود يواصلون عملهم كالمعتاد كما لو أن شيئاً لم يحصل، ولكنهم يدافعون عن مستوطناتهم بواسطة الأسلحة التي تزودهم بريطانيا بها لهذا الغرض. وهذه المستوطنات محمية بشكل جيد بواسطة الأسلاك المعيقة وأضواء كاشفة قوية تعمل طوال الليل، ناهيك عن نظام المراقبة المنتظم في كل مستوطنة ليل نهار. وكان رأي «مونتي» ولتفادي تواصل الحرب التي كانت تقتل الكثير من البريطانيين وتجرحهم أن يتم إصدار بيان يبين السياسة الواضحة التي ينبغي انتهاجها. وشاء لهذه السياسة أن يتم تبنيها في فرقته أولاً لتقوم سائر الفرق بانتهاجها. فأولا كان «مونتي» يولي أهمية قصوى للبحث عن المناضلين العرب وقتلهم من دون رحمة وعندما يحدث اشتباك مع المجموعات العربية يتوجب قتلهم فوراً ومن دون تأخير، حيث في المبادرة بالهجوم على هذه المجموعات من شأنه أن يفرض ارادة البريطانيين على العرب. لذلك كانت الأهمية الأكبر والخطوة الأولى لرأي «مونتي» القاضي بضرورة القضاء على المناضلين العرب كي تنتهي الحرب بسرعة في فلسطين. وثانياً كان ثمة حاجة ـ كما يذكر ـ إلى الوصول إلى ساكني القرى والفلاحين وكسبهم ليكونوا إلى جانب البريطانيين. ويتم ذلك من خلال المعاملة الحسنة وأن يعرفوا إن البريطانيين لا يريدون بهم الشر وأن يتم تهديدهم بعدم التعاون مع المناضلين العرب تحت طائلة أن كل من يحمل السلاح ضد الجيش البريطاني سيفقد حياته. ودعا «مونتي» ثالثاً إلى تشكيل قوة شرطة تتولى الأمور بعد سحق الانتفاضة العربية. وهذه القوة فضل «مونتي» أن تكون من الجنود الذين يكونون بتشكيلات كبيرة تتوزع في الأماكن والأقاليم المختلفة. وبعد مساهمة «مونتي» في قمع انتفاضة المناضلين العرب في فلسطين غادر عائداً إلى بريطانيا، فقد باتت الحاجة ملحة إليه في الوقت الذي بدأت الاستعدادات لمواجهة هتلر الذي شرع بابتلاع دول أوروبا الواحدة تلو الأخرى، وعلى وشك شن الحرب على بريطانيا. بداية المواجهة يذكر هاملتون أن «مونتي» أدرك عندما شرعت القوات الألمانية بتحقيق الانتصارات الأولى المفاجئة والخاطفة أن ألمانيا لن تكون قادرة بالضرورة على تحقيق نصر في حرب كونية ثانية، بصرف النظر عن مدى قوة القوة الجوية الألمانية (اللوفتواف) وحجم الفرق المدرعة الألمانية وتأثير العقيدة النازية العنصرية. وكانت لبريطانيا في المقابل ثروة من الضباط والرجال الشباب الذين بوسعهم خوض غمار القتال إذا ما تمت قيادتهم بشكل صحيح. وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية كان «مونتي» قائد فرقة ولم يستطع في حينه ان يغير العجز السياسي الكارثي في بريطانيا. وما استطاع فعله، كما يذكر المؤلف، انه اوجد مفهوما جديدا للقيادة الديمقراطية بحيث طغى على التأثيرات القوية للطبقة الانجليزية والنظام المتحجر الذي اتسم فيه الجيش البريطاني. كان ما فعله «مونتي» هو السماح لكل رجل من رجاله وجنوده بأن يشارك على نحو فعال في تنفيذ الاوركسترا الديمقراطية في القتال وفي الوقت الذي لم يسمح للجنود او اولئك الذين يأتون من مراكز اجتماعية او شرائح غير راقية في المجتمع بابداء المبادرات الشخصية. وهنا يشير المؤلف الى بعض السياسات التي كان يتبعها «مونتي» والتي من شأنها ان تجعل الضباط مفكرين وقادرين على التصرف بمهارة وبراعة مهنية. كان الامر الاول ان يحدد الضابط ادوار المعركة والاهداف التي يسعى الى تحقيقها. وثانيا عليه ان يفسر بوضوح الكيفية التي يتم من خلالها تحقيق تلك الاهداف، بشكل كتابي او شفهي. وثالثا ومن خلال تدريب الضباط والجنود على العمل سوية لتحقيق اهداف مشتركة فان ذلك سيسهم في ولادة روابط اجتماعية جديدة عند ساحة الميدان يحترم فيها الجنود قادتهم باعتبارهم كفؤين مهنيا وضباطاً مقتدرين وليس باعتبارهم من طبقة اعلى منهم. وفي مثل هذه الحالة سيكون بوسع الجنود ان يرغبوا بالقتال او الموت بالضرورة ـ ليس بدافع الطاعة العمياء كما حصل في الحرب العالمية الاولى ـ بل لأن ولاءهم لمن هم اعلى منهم رتبة كان ضمن طبيعة العمل الحديث والذي سيلقى بدوره بتقدير وتثمين الضباط. وعندما شاهد «مونتي» الخسائر العديدة التي مني فيها البريطانيون وخاصة معركة دييب في اغسطس عام 1942 خلص الى ان وقت الهزائم يجب ان يتوقف وان العمليات المستقبلية التي ستنفذ تحت قيادته ينبغي ان تكون انتصارات لأن الشعب البريطاني والجنود الذين أعيتهم سلسلة الهزائم يستحقون ان يتذوقوا طعم النجاح. وهو لذلك وكما يذكر الكاتب قد وطد العزم على ان لا يشن أية عمليات هجومية قبل ان يكون هو وجنوده مستعدين ومتمتعين بفرص النجاح المعقولة. وهذا هو التفكير الذي بدأ يتسم ويغلب على «مونتي» في عام 1942 قبل ان يتولى قيادة الجيش الثامن. وبعبارة اخرى كانت ثمة حاجة لوجود شخص ما يستطيع ان يبرهن للبريطانيين والأمريكيين على أن في وسعه ان يهزم الالمان ويلقنهم درسا قاسيا في جبهات القتال. وكان «مونتي» مقتنعا بأنه هو الشخص الذي بوسعه القيام بذلك بينما كان لتشرشل رأي آخر غير ذلك لسوء الحظ. تأليف: نايجل هاميلتون عرض ومناقشة: عمار فاضل عباس

Email