الأزمة السورية ــ التركية .. إلى أين؟ بقلم- د. زكريا حسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة التوتر في العلاقات بين سوريا من جانب وتركيا من جانب آخر وقد وصل التوتر الى حد ازمة قد تهدد باندلاع صراع مسلح بين الدولتين حيث دفعت القيادة السياسية التركية بقواتها المسلحة الى الحدود المشتركة مع سوريا والتي تمتد لاكثر من 700 كيلومتر واستمرت في تعزيز قواتها في المنطقة الحدودية, كما تلقى اعضاء البعثة الدبلوماسية التركية في دمشق تعليمات بترحيل عائلاتهم الى انقرة خلال اسبوع واحد اعتباراً من الاحد الرابع من اكتوبر 1973 لاحتمال اندلاع اعمال حربية.. كما اشتدت لهجة الخطاب السياسي للرئيس التركي (سليمان ديميريل) بالتحذير الى سوريا وتهديدها صراحة من عواقب استمرار الدعم للانفصاليين الاكراد كما شكلت فريقا لادارة الأزمة التي تتصاعد بين الدولتين حيث ذكرت صحيفة تركية احتمالات ثلاثة لتصفية الموقف.. اولها ان تذعن سوريا لجميع المطالب التركية وعلى رأسها تسليم زعيم حزب العمال الكردستاني التركي (عبدالله اوجلان) والموجود تحت الرعاية السورية الى الحكومة التركية, وان تقوم بتصفية وجود الانفصاليين الاكراد من الاراضي السورية وثانيها انه في حالة الرفض السوري فإن القوات الجوية التركية ستقوم بشن غارات محدودة على قواعد حزب العمال في سهل البقاع اللبناني فقط.. وثالثها يتضمن شن ضربة جوية مكثفة على معسكرات الحزب داخل الاراضي السورية ذاتها, مما يهدد باندلاع حرب شاملة بين الدولتين.. وعلى الجانب الآخر.. اكد الجانب السوري حرصه البالغ على عدم الانزلاق الى التصعيد العسكري بأي صورة من الصور مع الاستعداد السوري لاستئناف عمل اللجان المشتركة السابق للاتفاق عليها مع تركيا لبحث كافة الجوانب والاسباب والدوافع التي ادت الى تصعيد الازمة على ان تبدأ اجتماعات اللجان باجتماع قمة بين رؤساء الدولتين وأن الازمة الحالية يجب ان تعالج بالجوهر الدبلوماسي وليس عبر المواجهة والتهديدات التي ترفضها سوريا.. كما ان سوريا لم تحرك جنديا واحدا الى الحدود وأكدت ايضاً ان (عبدالله أوجلان) زعيم حزب العمال الكردستاني لا يقيم في الاراضي السورية, مما يؤكد السعي السوري الى تجاوز الازمة قبل وصولها الى حد التصعيد العسكري.. وعلى ضوء ذلك سنحاول في مقالنا البحث عن أسباب الازمة وجذورها والعوامل التي ادت الى تصعيدها واحتمالات تجاوزها.. اولاً: بداية الازمة وتصاعدها لعل البداية الحقيقية لازمة العلاقات التركية ــ السورية جاءت عقب توقيع الاتفاق العسكري التركي ــ الاسرائيلي وما صاحب ذلك من تصريحات مستفزة خاصة ضد سوريا.. حيث تضمن هذا الاتفاق التعاون التركي ــ الاسرائيلي في مجال التصنيع الحربي المشترك والذي يشمل كل ما ينتج في كل من تركيا واسرائيل من طائرات عسكرية ودبابات ووسائل واجهزة حرب الكترونية.. مع تبادل تكنولوجيا التصنيع الحربي والذي بمقتضاه تقوم اسرائيل بتحدث وتعمير الطائرات العسكرية التركية في مقابل قيام تركيا بصيانة بعض نوعيات من الطائرات الاسرائيلية كما تضمن الاتفاق تبادل المعلومات الاستخبارية لرصد الاخطار والتهديدات المشتركة التي تهدد أمن كل منهما, كما يقضي الاتفاق بأن تقدم تركيا تسهيلات لاسرائيل تستطيع بموجبها استخدام القواعد والمطارات الجوية التركية في مقابل ان تقوم اسرائيل بانشاء شبكة واجهزة تنصت وانذار مبكر على حدود تركيا مع كل من سوريا والعراق للكشف عن نية تحركات لقوات كل منهما تحت دعاوى اكتشاف تحركات فصائل حزب العمال الكرستاني. هذا وقد وقعت كل من تركيا واسرائيل في اطار ذلك الاتفاق أربعة عشر مشروعاً عسكرياً شملت العديد من أوجه التعاون خاصة في مجالات تحديث وتصنيع الطائرات او التطوير المشترك للصواريخ المضادة للصواريخ او الدبابات, مع اجراء تقدير مشترك للمخاطر والتهديدات التي تتعرض لها الدولتان على مستوى الفنيين كل ثلاثة شهور وعلى مستوى وزراء دفاع ورؤساء اركان الدولتين كل ستة شهور, مع تبادل المعلومات الاستخبارية بينهما. وقد هدف الاتفاق من وجهة نظر المؤسسة العسكرية التركية الى استمرار سياسة تحديث القوات المسلحة لمواجهة التهديدات الرئيسية سواء تنامي التيار الاسلامي الداخلي او المد الثوري الايراني, او خطر تهميش تركيا في النظام الامني المنتظر للشرق الاوسط والذي تخطط له الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد تسوية الصراع العربي الاسرائيلي وترتيب الاوضاع في العراق, ولا تقتصر رؤية المؤسسة العسكرية التركية على مجرد مواجهة هذه التهديدات في تعاونها مع اسرائيل, بل قد تمتد الى التخطيط لمستقبل تركيا حتى عام 2020 طبقاً لما جاء في تقرير مركز التقويم الاستراتيجي الامريكي والذي يكشف الاحداث بعيدة المدى للمؤسسة العسكرية التركية والتي تركز فقط على ثلاثة اهداف استراتيجية: اولها تحويل تركيا الى قوة نووية بحلول عام 2020 وثانيها تحول تركيا من الارتباط الاوروبي الى الارتباط الاطلسي مع التوسع المنتظر لدور تركيا والذي يؤهلها لتكون حلقة الوصل بين الشرق والغرب او جسرا ثقافيا واستراتيجيا يترجم المواقف الامريكية والاوروبية في منطقة واسعة تمتد من موريتانيا الى الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى, وبالقدر الذي يمنع اي امتداد للحركات الاصولية الثورية من جانب ايران, مع استمرارها كحائط صد مع روسيا الى جانب كبح جماح القوة العراقية ان عادت للظهور يوماً, ثالثها احتمال قيام تركيا واسرائيل بغزو سوريا واعادة رسم خريطة كل من العراق وسوريا اذا رأت الولايات المتحدة ذلك في اطار صياغتها لشرق أوسط جديد, تلعب فيه كل من تركيا واسرائيل دوراً محورياً على حساب الدول العربية. هذا وقد تزايد الجدل والنقاش في الدوائر العربية حول اهداف الاتفاق العسكري التركي الاسرائيلي خاصة في ظل قيام الجانبين بمناورات مشتركة شرق البحر المتوسط وبمشاركة الولايات المتحدة الامريكية في أواخر مايو 1998 الماضي, مما اكد ان الاتفاق كان ثمرة طبيعية لالتقاء المصالح العليا لكل من تركيا واسرائيل, ورؤيتهما للتهديدات والاخطار المشتركة, ومع التشابه الفريد للدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في كلا الدولتين وسيطرتهما على الحياة السياسية والاستراتيجية لكل منهما, ومع استقراء الاهداف الاستراتيجية التي تسعى كل دولة منهما لتحقيقها فإنه من المؤكد ان التعاون الحالي سوف يتسع نطاقه تدريجياً ليصبح تحالفاً استراتيجياً يسمح بتحقيق الاهداف الطموحة التي تسعى اليها كل من تركيا واسرائيل في المستقبل البعيد. وهذا ما اكدته الزيارة الاخيرة الذي قام بها رئيس الوزراء التركي (مسعود يلماظ) لاسرائيل وما اكده (بنيامين نتانياهو) رئيس وزراء اسرائيل من ان الزيارة (تشكل نقلة نوعية واستراتيجية في العلاقات التركية ــ الاسرائيلية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والامنية) بما يشير الى كونها تقترب من كونها تعاوناً استراتيجياً ما زال في مراحله الأولى طبقاً لتعبير مستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي. ثم كانت زيارة رئيس وزراء تركيا لاسرائيل في 7 سبتمبر 98 لتمثل ثاني زيارة يقوم بها رئيس وزراء تركي لاسرائيل بعد (تانسو تشيلر) التي تمت عام 1995, وقد اكتسبت الزيارة اهمية خاصة حيث تأتي إثر الاعلان عن تدريبات ومناورات مشتركة جوية تركية ـ اسرائيلي من المنتظر ان تتم قبل نهاية سبتمبر الجاري وستلحق بها مناورات بحرية مشتركة في نهاية نوفمبر 98 المقبل, كما باركت المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة ذلك التطور المتسارع للعلاقات التركية ـ الاسرائيلية حيث منحت (مسعود يلماظ) وسام خيرة السياسيين في العالم تكريما لمواقفه المتعاطفة مع اسرائيل ويهود العالم حيث اتجه المحللون السياسيون والعسكريون الى ان هذه الزيارة فتحت صفحة جديدة مهمة في مستقبل العلاقات التركية ـ الاسرائيلية وانعكاساتها على موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط بصفة عامة باعتبارها تمثل نقلة نوعية واستراتيجية في العلاقات التركية ـ الاسرائيلية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والامنية بالقدر الذي وصفه رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتانياهو) بانه محور لتحالف سياسي وأمني واقتصادي اقليمي جديد في منطقة.. هذا وقد تم الاعلان على تواصل الزيارات لكبار المسؤولين في الدولتين ترسيخا ودعما لبناء هذا التعاون الاستراتيجي بينهما حيث سيقوم رئيس الوزراء الاسرائيلي بزيارة تركيا قبل نهاية عام 1998 الجاري وسيسبقه في ذلك الرئيس (عيزرا وايزمان) للمشاركة في احتفالات تركيا بالذكرى الخامسة والسبعين لاعلان الجمهورية التركية) . هذا وقد تعددت وصف ذلك التعاون التركي ـ الاسرائيلي المتزايد حيث وصفه المسؤولون من الدولتين بأنه (نظام امني اقليمي) .. حيث قال عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي (ان الدولتين محاطتين بالاشرار من كل جانب الامر الذي يفرض عليهما التنسيق معا لتجنب الانظمة الراديكالية التي تطور الصواريخ المجهزة برؤوس غير تقليدية مما يشكل خطرا جديا على كل من تركيا واسرائيل. ولعل هذا التطور الذي وصف بانه نقلة نوعية واستراتيجية على العلاقات التركية ـ الاسرائيلية في جميع المجالات يتعارض تماما مع ما انتهت اليه زيارة وزير الخارجية التركي لمصر وبعض الدول العربية في محاولة لتهدئة الموقف وازالة الشوائب التي أدت الى توتر العلاقات, حيث نفى وزير الخارجية التركي بعد لقائه مع الرئيس محمد حسني مبارك يوم 22 مارس 1998 الماضي ان يكون اتفاق التعاون العسكري مع اسرائيل تحالفا استراتيجيا يضر بمصالح دول المنطقة وذلك في دفاعه عن سياسة حكومته خاصة مع المواجهة الصريحة لتصريحات وزير الخارجية المصري (عمرو موسى) في ذلك الوقت والذي قال فيها (انه ينبغي التفرقة بين العلاقات العادية بين تركيا واسرائيل, وبين اية خطوات تتخذ في الاطار الاستراتيجي او العسكري يمكن ان تؤثر على الاستقرار في المنطقة وعدم تهديد افاق السلام) .. لقد اكدت هذه الزيارة وما تم فيها من اتفاقيات وما صدر عنها من تصريحات بأنها علاقة تعاون تتطور بشكل متسارع الى تحالف استراتيجي كامل يخل بالتوازن في المنطقة ويهدد بصفة مباشرة كل من سوريا والعراق وايران. وقد ارجع المحللون هذه النقلة النوعية في العلاقات التركية ـ الاسرائيلية الى عدة عوامل يأتي في مقدمتها ان (مسعود يلماظ) يريد ان يؤكد أهميته للدعم الذي تقدمه له قيادات الجيش والتي كانت وراء استقالة (نجم الدين اربكان) رئيس الوزراء الاسبق وزعيم حزب الرفاه الاسلامي المنحل.. هذه القيادات التي تضغط على الجناح المدني الحاكم من اجل زيادة التعاون الاستراتيجي مع اسرائيل بحجة ان هذا التعاون يحظى بتأييد الولايات المتحدة والدول الاوروبية وبما يمكن ان يحد من خطر التيار الاسلامي على الصعيد الداخلي خاصة بعد قرار المحكمة الدستورية التركية بحل حزب الرفاه. هذا اضافة الى ما تشهده الازمة القبرصية من تطورات تفرض عليه الاستفادة من نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والذي قدم له وسام خيرة السياسيين العالميين مؤخرا, وذلك من اجل تبني الموقف التركي من هذه الازمة.. هذا الى جانب دعم موقف تركيا من الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والذي تسعى القيادات السياسية المتعاقبة في تركيا لحصولها على عضويته خاصة وان تركيا احد الاطراف الفاعلة في حلف الاطلسي (الناتو) . وعلى الجانب الاخر تعتبر مشكلة المياه من اخطر المشاكل التي واجهت العلاقات التركية ـ السورية, حيث تعتبر تركيا الخزان الطبيعي لمياه الامطار في الشرق الاوسط وبرغم ان معاهدة لوزان بين الحلفاء من ممثلي الحكومة التركية في يوليو 1923 الماضي قد أقرت حقوق سوريا في مياه نهر دجلة, وبرغم اتفاقية مياه الفرات التي ابرمت بين سوريا وتركيا والعراق عام 1987 والتي اقرت حقوق المياه لسوريا مقابل تعهد سوريا بضمان أمن الحدود التركية من هجمات حزب العمال الكردستاني وهو احد اهم الاسباب الرئيسية في الازمة الحالية بين الدولتين.. الا ان محاولة العلمانيين في تركيا اللعب بمشكلة المياه قد حولتها الى ازمة سياسية مع اصرارهم على اعتبار حوض نهري دجلة والفرات حوضا واحدا وان النهرين ينبعان من تركيا وليسا نهرين دوليين ويحق لتركيا التصرف في مياههما دون الاخذ في الاعتبار الاضرار الناجمة عن ذلك على كل من سوريا والعراق.. هذا وقد كانت ازمة حوضي نهري دجلة والفرات من جانب تركيا واتهام سوريا بدعم نشاط حزب العمال الكردستاني وايواء رئيسه (عبدالله اوجلان) من اهم اسباب تكرار اشتعال التوتر بين الدولتين بالدرجة التي تشهدها اليوم من إعادة حشد القوات التركية. ثانيا: حجم التهديد التركي للأمن العربي في مجال ايضاح حجم التهديد الجديد فإن القوات المسلحة التركية وحدها تتفوق في حجم قواتها العاملة والاحتياطية على كل القوات المسلحة السورية والعراقية مجتمعة, بل وان حجم قواتها البحرية يزيد ثلاثة عشر ضعفا لمثيلتها السورية, وعلى احد عشر ضعفا لمثيلتها العراقية, كما يبلغ عدد القواعد التركية ضعف ما هو في العراق, كما تتميز تركيا فيما يتعلق بالقوات الجوية خاصة في الجانب التكنولوجي لتقدم التصنيع الحربي بها, اذ تنتج المصانع التركية معظم ما تحتاجه قواتها المسلحة تقريبا. كما انها استغلت موقفها في حرب الخليج الثانية مخططة مزيدا من المكاسب الاقليمية التي أضيفت الى قوتها في المنطقة, واذا كانت كل من سوريا والعراق تشكلان ركيزة اساسية في حسابات ميزان القوى العربية باعتبارهما عنصر حماية البوابة الشمالية الشرقية لجدار الامن القومي, واذا اخذنا في الاعتبار التفوق التركي وحده ــ كل منهما على حده ــ فهذا يعني تفوقا تركيا على اية قوة عسكرية عربية في الوقت الحاضر وفي المنظور البعيد. وعلى ذلك يمكن القول بأنه اذا كانت النخبة العسكرية والعلمانية في تركيا رسخت دعائم العلاقات مع اسرائيل فإن بقية الشارع التركي يرى ان هذا التعاون سيفقد تركيا علاقاتها مع العرب وإيران وهذا ليس من المصلحة التركية, كما ان اسرائيل لديها ميزة غزو السوق التركية الكبيرة بينما اسرائيل تقف ضد السلع التركية وبخاصة المنسوجات في السوق الاسرائيلية الكبيرة. من هنا فإن تطوير العلاقات التركية الاسرائيلية من القضايا الساخنة داخل الشارع التركي تمثل في بعض المظاهرات المحدودة بها, الا ان منحنى تطوير العلاقات العسكرية والاقتصادية والسياسية والذي تباركه الولايات المتحدة ودول اوروبا والذي يأخذ مزيدا من الارتفاع رغم كل ذلك. وهو من الاسباب الرئيسية التي دعت وزير الخارجية التركي لزيارة مصر وبعض الدول العربية لامتصاص أكبر قدر من التوتر الذي شاب العلاقات التركية العربية باعتباره رد فعل طبيعي لما يمثله هذا الاتفاق وذلك التعاون وأهدافه المستقبلية من تهديد ليس فقط للأمن القومي والعربي ولكن للوجود العربي ذاته في اطار الشرق الاوسط الجديد. الا ان زيارة رئيس الوزراء (مسعود يلماظ) لإسرائيل في 8 سبتمبر الماضي وما صدر عنها من تصريحات وما نتج عنها من اتفاقات اكدت عدم مصداقية المزاعم والاسباب التي طرحها وزير الخارجية التركي في مارس 1998. ثالثا: بوادر حل الازمة مع زيادة المخاوف في العالم العربي من تصاعد التوتر بين تركيا وسوريا الى درجة احتمال حدوث مواجهات تنذر باشتعال الشرق الاوسط كله من خلال التحالفات والتحالفات المضادة للقوى المتصدرة للازمة, حيث هناك التحالف التركي ــ الاسرائيلي من جانب وهناك علاقات التعاون العسكري الوثيق بين كل من سوريا ولبنان وإيران من جانب آخر مع حرج القيادات السياسية العربية خاصة مصر والاردن والتي وقعت معاهدات سلام مع اسرائيل من احتمالات اشتعال ذلك الصراع العسكري في المنطقة. وعلى ضوء ذلك كان التحرك السريع للرئيس المصري محمد حسني مبارك وقيامه بزيارة عاجلة الى سوريا وعقده لقاء مع الرئيس السوري حافظ الاسد يوم 4 اكتوبر 1998 الحالي مما ادى الى صدور بيان من دمشق يؤكد حرصها على وجود علاقة جوار طيبة مع أنقرة وأعربت عن استعدادها لتسوية الخلافات بين الدولتين بالطرق الدبلوماسية وبصفة خاصة ان هناك اطارا لتسوية هذه الخلافات خاصة قضية كميات المياه التي تدفع لسوريا من نهر الفرات التركي منذ سنوات طويلة. ثم جاء لقاء القمة بين الرئيس المصري وعاهل المملكة العربية السعودية بهدف مشاركة المملكة العربية السعودية في جهود تسوية الازمة ونزع فتيلها قبل تصاعدها من خلال التنسيق المصري السوري السعودي المشترك لوقف التهديدات أو تصعيد الاوضاع في منطقة الشرق الاوسط, هذا و تشهد الساعات والايام المقبلة زيارة للرئيس المصري محمد حسني مبارك الى انقرة لتمهيد لقاء لمستوى القيادة السياسية لكل من سوريا وتركيا يعطي اشارة البدء لتواصل عقد اللجان الفنية بين الدولتين لوضع الحلول التوفيقية للمشاكل بينهما. ويدعم هذا التوجه نحو الحل الدبلوماسي للازمة موقف الجامعة العربية التي طالبت بانتهاج اسلوب الحوار العقلاني المسؤول لإيجاد حلول عادلة للمشكلات العالقة بين كل من سوريا وتركيا انطلاقا من سياسة حسن الجوار والاحترام المتبادل والحفاظ على العلاقات العربية ــ التركية الوثيقة. هذا وقد ندد البيان الصادر عن المجلس الوزاري للجامعة العربية في 16 سبتمبر 1998 من خطورة التحالف العسكري الاسرائيلي ــ التركي ومخاطره على امن واستقرار منطقة الشرق الاوسط مما سيشجع الدولة اليهودية على مزيد من التعنت لإفشال عملية السلام بالمنطقة, وهل كل هذه الجهود والحركة السريعة للقيادات العربية المسؤولة وردود الفعل العقلانية من القيادة السورية سترجح كفة حل الازمة بالوسائل الدبلوماسية دون اللجوء للخيار العسكري والذي سيسبب انتكاسة كبرى لجهود السلام في المنطقة. استاذ العلوم السياسية بجامعة الاسكندرية والمدير الاسبق لاكاديمية ناصر العسكرية العليا*

Email