رائحة الموت تنبعث من كل مكان والجنوب يتحول لبيت عزاء كبير

إخراج 138 جثة لشهداء دفنوا «وديعة» والمقاومة تشيع خمسة من شهدائها

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحول الجنوب اللبناني إلى بيت عزاء كبير لف جميع الأهالي الذين فقدوا أحباءهم على يد المحتل الطاغية، الذي لم تمنع كل المواثيق والعهود والقيم الإنسانية من ارتكاب أفظع المجازر بالمدنيين اللبنانيين، ومع وقف هدير الطائرات

وأزيز المدافع استعاد أهالي القرى الجنوبية جثث 138 شهيداً أمس من مدينة صور ونقلوها لتوارى الثرى كل في مسقط رأسه في نحو 40 قرية من جنوب لبنان، في وقت شيعت «المقاومة الإسلامية» التابعة لحزب الله خمسة من شهدائها قضوا في مواجهات مع العدو الإسرائيلي.

وأخرجت صور جثة 138 شهيداً، كانوا قد دفنوا كوديعة إبان العدوان الإسرائيلي من مقابرهم الجماعية، وفق الشريعة الإسلامية بعد ان ضاقت بها برادات المستشفى الحكومي، بانتظار انتهاء الحرب لتعود إلى تراب قراها.

وانهمكت عناصر هيئات الإسعاف في استخراج التوابيت الخشبية، التي حمل كل منها رقما واسم الشخص وتاريخ وفاته والمكان الذي سقط فيه، وتم تسليمهم إلى ذويهم الذين نقلوهم في مواكب حاشدة إلى بلداتهم حيث أعيد دفنهم في مآتم جماعية.

ومنذ فجر أمس بدأ توافد ذوي القتلى إلى المقبرة الجماعية التي أقيمت قرب ثكنة للجيش ينتظرون وصول جرافات الجيش وعناصر الصليب الأحمر وكشافة «الرسالة الإسلامية» التابعة «لحركة أمل»، وتولت بلدية صور وإدارة مستشفى صور الحكومية عملية الإشراف على تسليم ذوي الشهداء وأهالي المناطق والبلديات جثامين الشهداء الذين كانوا قد دفنوا في باحة المستشفى الخارجية وقرب ثكنة صور العسكرية كوديعة.

وتم إخراج جثامين 70 شهيداً من باحة المستشفى تعود إلى بلدات منطقة صور وقرى مدينة بنت جبيل و68 جثة أخرى تعود إلى شهداء مدينة النبطية والقرى المجاورة لها، في حين أحصي سحب 138 جثة شهيد من المقبرة الجماعية قرب ثكنة صور و50 جثة أخرى أخرجت من مقبرة جماعية في محلة البص قرب صور، وأعيدت كل جثامين الشهداء إلى مساقط رؤوس أصحابها.

وأوضح رئيس المستشفى الحكومي في صور الرائد المتقاعد سلمان زين الدين أنه «خلال الفترة الممتدة من 21 يوليو وحتى 15 أغسطس الجاري دفنا في المقبرة الجماعية وعلى ثلاث دفعات 156 جثة»، وأضاف «لا يزال في براد مشرحة المستشفى الحكومي 52 جثة لم ينضم أصحابها إلى المقبرة الجماعية لكن الأهالي ينقلونها تدرجيا إلى قراها».

وأقامت بلدة عيتا الشعب مأتماً حاشداً لحوالي 20 شهيداً من أبنائها وكذلك بلدة عيناتا وأيضا بلدة قانا تسلمت جثامين شهداء المجزرة التي ارتكبها الاحتلال بحق 62 مدنيا معظمهم من الأطفال والنساء الذين قضوا في ملجأ أحد المباني في البلدة.

وتحول جنوب لبنان إلى مأتم كبير حيث لملم أهالي عشرات البلدات أشلاء موتاهم الشهداء وهم أكثر من 270 شهيداً أعيدوا إلى مساقط رؤوسهم ليدفنوا بما يليق بهم من تكريم. واستقبلت جثامين الشهداء عند مدخل كل بلدة بتظاهرة للأهالي الذين حملوا نعوش فلذات أكبادهم وطافوا بها في الشوارع قبل الصلاة الجماعية على أرواح الشهداء ونثر النسوة الورود والأرز على النعوش وعلت التكبيرات من كل المآذن وصدحت أجراس الكنائس بقرع نواقيس الحزن.

وألقيت كلمات في جميع مآتم الشهداء في المدن والبلدات أشادت بالمقاومة التي حققت الانتصار، وأكدت على أهمية الصمود والوحدة في مواجهة المؤامرات التي تحاك ضد لبنان. وفي مشهد متكرر لوداع الأحبة الذين قضوا في الحرب، جاء علي وهبه من قرية محرونة (15 كلم شرق صور) وجلس على الأرض قرب المقبرة الجماعية، فيما كان العمال يخرجون النعوش من الأرض،

وقال وهو يجهش بالبكاء «انتظر لأخذ جثة ابنتي سالي وعمرها ست سنوات»، وروى أن «سالي كانت تزور عمتها عليا (47 عاما) في صور التي وعدتها منذ أشهر برحلة بحرية خلال فصل الصيف وبقيت عند عمتها حين بدأ العدوان، ولجأت معها إلى مركز للدفاع المدني لم يوفره القصف الإسرائيلي ودمره فوق رؤوس الذين احتموا به».

وحمل غازي السمرا (52 عاماً) بلحيته البيضاء الكثة مع أربعة مسعفين نعشين من المقبرة إلى سيارة الإسعاف، وقال «إنهما لزوجتي وابنتي»، مضيفا «أتيت وحيدا لأن أولادي الثلاثة الآخرين لا يزالون يعانون من جراحهم»، ويحمل غازي العرب مسؤولية دم عائلته، ويقول: «العرب أعطوا الضوء الأخضر لإسرائيل لتذبحنا كالخراف في جنوب لبنان».

وتستعد بلدة صريفا، جنوب شرق صور، لصلاة جنازة جماعية لـ 48 من سكانها قضوا في 33 يوماً من العنف. استعادت القرية جثث 42 من الضحايا من تحت أنقاض أبنيتها المدمرة، وأرسلت سيارات إسعاف إلى العاصمة بيروت لاستعادة جثث ست ضحايا سقطوا في قصف إسرائيلي لمنطقة الرويس بضاحية بيروت الجنوبية.

من جهة أخرى، شيع «حزب الله» و«المقاومة الإسلامية» وأهالي بلدة الدوير الشهيد خطار محمود رمال الذي قضى في مواجهة العدوان، وانطلق موكب التشييع من منزل الشهيد في مسيرة حاشدة تقدمها حملة الأكاليل والأعلام اللبنانية ورايات الحزب وصور قادة المقاومة وشهدائها.

كما شيعت المقاومة عددا من عناصرها الذين استشهدوا أثناء تصديهم ومواجهتهم للعدوان الإسرائيلي، ففي النبطية القوقا شيعت «المقاومة الإسلامية» الشهيد علي احمد غندور في موكب حاشد اخترق الساحات والطرقات، وقد حمل جثمان الشهيد الذي لف بعلم الحزب على أكف رفاقه إلى مثواه الأخير في جبانة البلدة، وفي البابلية، شيع الشهيد حسين حطيط بموكب حاشد إلى مثواه الأخير،

وفي بلدة الكفور شيعت المقاومة الشهيد إبراهيم رجب الذي حمل على اكف رفاقه المقاومين، كما شيعت بلدة كفر ملكي الشهيد حسن حمادي في موكب مهيب، واستقبل المواطنون جثمانه بنثر الورود والأرز والزغاريد.

بيروت ـ علي بردى

Email