مقال

إعادة تدوير البلاستيك في الجزائر قطاع واعد

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

8.3 مليارات طن هو إجمالي حجم البلاستيك الذي أنتجه الإنسان حتى الآن؛ 6.3 مليارات منها تحوّل إلى نفايات و79% منها موجود في مطامر النفايات أو البيئة الطبيعية.

وتشكّل زجاجات المشروبات واحدة من أكثر أنواع النفايات البلاستيكية شيوعاً، وقد تم بيع حوالي 480 مليار زجاجة بلاستيكية على الصعيد العالمي في عام 2016 - أي ما يعادل مليون زجاجة في الدقيقة الواحدة.

وفي حال استمرار الاتجاهات الحالية في إنتاج وإدارة النفايات، سنجد نحو 12000 طن متري من النفايات البلاستيكية في مدافن القمامة أو في البيئة الطبيعية بحلول عام 2050.

أرقام مثيرة للقلق كان قد توصّل إليها عملاء من جامعة كاليفورنيا الأميركية وتكشف لنا أن المنتجات البلاستيكية هي من أكثر المواد التي صنعها الإنسان المضّرة بالبيئة والتي ما زالت معالجتها، حتى الآن، غير كافية.

مشكلة معالجة البلاستيك هي إذاً مشكلة عالمية قد يختلف مداها من دولة إلى أخرى. ودعونا، في هذا المقال، نركّز على الجزائر حيث عمليات إعادة التدوير بشكل عام وإعادة تدوير البلاستيك بشكل خاص بدأت تحظى ببعض الاهتمام وتحديداً اهتمام شركة «بلاستي سايكل» الناشئة التي انطلقت عام 2014 لإعادة تدوير البلاستيك.

ولابد من الإشارة إلى أن حجم النفايات في الجزائر قد بلغ 23 مليون طن سنوياً، من بينها حالياً 13 مليون طن من النفايات المنزلية المنتجة. وكانت وزيرة البيئة والطاقات المتجددة فاطمة الزهراء زرواطي قد كشفت أخيراً أن نسبة استغلال الإمكانيات الموجودة في السوق الوطني لتدوير النفايات لا تتجاوز 5 بالمائة من حجم السوق.

كما أضافت أنه من المتوقع أن يرتفع حجم النفايات المنزلية المنتجة من 13 إلى 20 مليون طن سنوياً بغضون 2035 أخذاً بعين الاعتبار النمو السكاني فقط، دون غيره من المتغيرات التي يمكنها أن ترفع هذه التوقعات.

إلا أن ارتفاع حجم النفايات في الجزائر قد يتحوّل إلى فرصة لخلق فرص العمل لاسيما أن «الوكالة الوطنية للنفايات» قدّرت قيمة سوق تدوير النفايات بما يقارب 530 مليون دولار؛ فرصة قررت الشابة بسمة بلبجاوي انتهازها من أجل مواجهة مشكلتين في آن واحد، البطالة والتلوث.

وفي حوار معها، كشفت لنا بلبجاوي الحائزة على دبلوم في علوم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية وشهادة أخرى في مجال التسويق «أردت أن أكون باحثة في البيولوجيا غير أنني اصطدمت بواقع البطالة المرير في الجزائر وكامل الوطن العربي. وبناءً عليه، اخترت أن أشرف بنفسي على شركتي».

وتضيف «كوني بيولوجية، فلدي ميول للمحافظة على البيئة. وأكثر ما لفت انتباهي هو التّلوّث غير المقبول في الجزائر. وبين 2011 و2012، ارتأيت إنشاء مشروعٍ اقتصاديِّ يعنى بالمحافظة على البيئة عن طريق مؤسسة مقاولتيّة اجتماعيّة لاسيما أن هذا النوع من المؤسسات ما زال عددها خجولاً».

لم يكن سهلاً على بلبجاوي أن تحوّل فكرتها إلى حقيقة هي التي كانت استلهمتها خلال زيارتها العواصم الأجنبية، حيث لاحظت كيف أن عملية إعادة التدوير تأتي في صلب إدارة النفايات خلافاً لما هو عليه في الجزائر. وهنا تخبرنا «نحن نأخذ النفايات بالعادة إلى مراكز الرّدم مباشرة.

مع الوقت، بدأت هذه المراكز تمتلئ ويتمّ إنشاء مراكز ردم جديدة في كلّ مرّة». فحتى لو أن بلبجاوي طموحة إلا أنها اختارت مجالاً لا تعرف شيئاً عنه فاضطرت إلى التعمّق والدراسة والسفر إلى الصين للتعرف على الشركات التي تنتج معدات إعادة تدوير البلاستيك.

ففي النهاية، رائدة الأعمال الجزائرية اختارت أن تُطلق مشروعاً صناعياً لا مثيل له في الجزائر من دون إمكانيات لوجستية ومادية وعلى الرغم من العديد من المطبات مثل إيجاد قطعة أرض واختيار المعدات المناسبة وتوفير الطاقة الكهربائية.

كل ذلك لم يقف عائقاً أمامها؛ بفضل مدخّراتها الشخصية وقرضٍ من «الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب»، بدأت «بلاستي سايكل» عملها الفعلي أواخر عام 2013 من مدينة قسنطينة، شرق الجزائر.

وتشير بلبجاوي إلى أن شركتها هي «شركة خاصّة تعمل على إعادة تدوير النّفايات البلاستيكيّة وبشكلٍ خاصّ تعمل على إعادة تدوير قوارير الماء والمشروبات الغازيّة فتحوّل إلى مادّة أوّليّة «مرسكلة» قابلة لإعادة الاستعمال سواء في الصّناعة البلاستيكيّة أو في الصّناعة النّسيجيّة وتحديداً إنتاج ألياف البوليستر».

كيف يتمّ ذلك؟ هنا تشرح لنا أنهم يشترون النفايات البلاستيكية من شركات صغيرة تجمعها أو من مراكز الردم ما يجعل ثمن شرائها يتفاوت من منطقة إلى أخرى. تخبرنا بلبجاوي «الأسعار غير مدروسة وقد تصل إلى 0.59 دولار للكيلو الواحد فيما أدنى سعر هو نحو 0.13 دولار. وهذه الأسعار ليست ثابتة.

فهي عرضة للتّبدّل في الشّتاء والصّيف وبحسب نسبة الاستهلاك وبحسب المنطقة». وبعد أن تتم إعادة تدوير هذه المواد- 300 كيلو من البلاستيك في ساعة واحدة- يتمّ بيعها مقابل 0.43 و0.56 دولار. وتطلعنا بلبجاوي «80% منها تقوم شركات النسيج بشرائها فيما الباقي يعود إلى شركات التّغليف وشركات تعنى بصناعة مواد بلاستيكيّة بسيطة».

أربع سنوات مرّت على انطلاق «بلاستي سايكل» التي تضم فريق عمل من خمسة موظفين بدوام كامل إلى جانب الذين يقومون بعملية الفرز أو الشحن. ترى بلبجاوي أن هذا القطاع قد شهد الكثير من التطورات حتى لو أنه ما زال متأخراً. فمن جهة، تشير إلى تأثير شركتها الاجتماعي وتشرح لنا قائلة «قمنا بأعمال ميدانيّة شتّى على صعيد المدارس والجامعات والمجتمع المدني.

ونحن فخورون جداً بعمليات التوعية التي أطلقناها بحيث إنّها ساهمت بإنشاء مؤسسات أخرى شبيهة بـ«بلاستي سايكل»، كما أننا ساهمنا بإلقاء الضّوء على مجال إعادة التّدوير لأنه كان غير معروف وأقلّ تطوّراً اقتصادياً». وتضيف «لاحظنا أن جزءاً كبيراً من الجزائريين لم يكن بمعرفتهم وجود شركات جزائريّة تقوم بإعادة التّدوير إلا أننا لمسنا لديهم الوعي والحماس ورغبتهم في خوض التّجربة عينها».

ظهرت العديد من الشركات المماثلة لـ «بلاستي سايكل» ما اعتبرته بلبجاوي نقطة إيجابية إلا أنها تضيف «للأسف فإنّ كلّ شركة تعمل بمفردها». شركات تشجعها وزارة البيئة والطاقات المتجددة على خوض التجربة لاسيما بفضل تحديث القوانين.

وهنا تشير بلبجاوي «منذ 2012، لمسنا تطوّراً بارزاً على الصّعيد القانوني وعلى صعيد السّلطات العامّة. فثمة قوانين جديدة تتعلّق بكيفيّة شحن النّفايات وبمشاركة المواطن في عمليّة الفرز من المنازل حاليّاً».

لابد من الإشارة إلى أن الإرادة السياسية ضرورية لجعل عملية إعادة التدوير واجباً على كل مواطن، حيث إن بلبجاوي أكدت أنه «حالياً لا تكون النفايات مفروزة عند وصولها إلى مراكز الردم ما يجعل عملية الفرز صعبة جداً». تؤكد بلبجاوي وجود نحو 198 مطمراً في الجزائر بدأت منذ أربع سنوات عملية الفرز إلا أن كون العديد منها غير متطور، فما زالت نسبة إعادة التدوير منخفضة جداً.

لا شك أن مجال إعادة تدوير البلاستيك يتطّور بخطى ثابتة وإنما بطيئة لاسيما بسبب العديد من العقبات التي تقف أمام المصانع التي تُعنى بها. وتفصح لنا بلبجاوي «غالبيّة المشكلات قائمة على صعوبة عمليّة تسويق المواد الأوليّة للنفايات المرسكلة رغم أنّ سعرها جيّد جدّاً مقارنة بأسعار المواد الأوّليّة الخام إلا أن شركات كثيرة لا تستخدم المواد المعاد تدويرها لاسيما بسبب غياب المحفزات الاقتصاديّة لشراء هذا المنتوج».

وتضيف «في الدّول المتقدّمة، تعطى هذه النّفايات بأسعارٍ رمزيّة في رغبة من الدول تطوير المجال. أما عندنا في الجزائر، فسعر البلاستيك غير مدروس ونواجه أيضاً مشكلة السوق سوداء»، حيث إن جامع النّفيات لا يملك بالضّرورة رخصة تجاريّة أو سجلّ تجاري.

وترى بلبجاوي أن الحل يكمن في أن تقوم الدولة الجزائرية «أولاً، بمراقبة السّوق وثانياً، برصد آراء كلّ العاملين في هذه الشّركات والمجتمع المدني والجامعيّين وأصحاب الأفكار الخلّاقة، وثالثاً، بالعمل على تطوير القوانين الحاليّة، فمنها ما يجب إلغاؤه أو تعديله».

وتبقى متفائلة قائلة «المستقبل سيكون واعداً لأنّ ثمّة وعياً لدى الدّولة والمجتمع المدني والمؤسسات الصّناعيّة على حدٍّ سواء نظراً لأهمية هذا المجال على الصّعيدين الاقتصادي والبيئي. وعليه، فالأكيد أنّ السّنوات المقبلة ستكون ممتازة لأن التغيير قد بدأ».

باميلا كسرواني -  باحثة اجتماعية

 

Email