وسائل مواجهة انتشار الاتجار بالبشر عالمياً

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

للاتجار بالبشر أثر عالمي، يُنذر بعواقب وخيمة، وغالباً ما يتم طرحه في البداية على هيئة فرص "عمل"، أو مجرد وسيلة للاجئين للحصول على اللجوء في وجهات أجنبية. وتكمن جذور هذه التجارة العالمية في الفقر والصراعات، حيث تتحمل العصابات المسؤولية عن إعاقة فرص حصول ضحاياها على حياة أفضل، والذين غالباً ما يكونون فريسة اليأس.

إن الواقع بعيد كل البُعد عن الوعود الكاذبة من المتاجرين بالبشر. ويتم بيع الناس للعبودية في سيناريوهات، على غرار معسكرات العمل النائية، وبيئات المصانع، وحتى على متن السفن، للقيام بأدوار الصيد ونقل البضائع. وهناك أكثر من عشرين شكلاً مختلفاً من أشكال الاتجار بالبشر، بدءاً من الزيجات القسرية إلى تجنيد الأطفال، وما هو أسوأ من ذلك.

يهدد زعماء وأقطاب العصابات داخل أوساط الاتجار بالبشر، بإيذاء أسرة الضحية، أو يقومون بترويع الضحية نفسها بأشكال أخرى من الأذى، بما في ذلك العنف الجسدي، إذا حاولت الهرب. ويعاني ما يُقدَّر بنحو 25 إلى 40 مليون شخص حول العالم بسبب الاتجار بالبشر.

وربما يكون من المستغرب في عالمنا المتصل اليوم، أن تستمر هذه الجرائم على هذا النطاق!، فأنّى للتكنولوجيا أن تمنحنا الأمل في مكافحة هذه التجارة الخسيسة؟

تعمل «شبكة التحرر العالمية»، على تطوير تقنيات جديدة لمكافحة الاتجار بالبشر، استناداً إلى ما يُطلق عليه "بيانات الآلات"، باستخدام منصة برمجية تُعرف باسم «سبلَنك Splunk». واسم المنصة «سبلَنك» مشتق من المصطلح الأميركي spelunking، ويعني استكشاف الكهوف. توفر المنصة محركات لتحليل البيانات وأدوات برمجية لتمحيص الكميات الضخمة من البيانات التي تم إنشاؤها عبر استخدامنا اليومي للأجهزة، وتطبيقات البرمجيات وخدمات التجارة الإلكترونية والإنترنت بشكل عام.

فك تشفير العادم الرقمي: مع اتصال الكثير من أعمالنا وتفاعلاتنا البشرية الآن مع شكل من أشكال الإجراءات القائمة على التكنولوجيا، فهناك مصدر جديد ينتج "العادم الرقمي"، المتخلف عن كل جهاز متصل نستخدمه. تستطيع منصة «سبلَنك» إنشاء بصمة يمكن التعرف إليها من هذا العادم، عن طريق البحث عن أنماط البيانات المتصلة، وحالات الخلل في سلوك المستخدمين، حيث ستساعد المنصة في فك تشفير معلومات الآلات، وتقديم العون في تغذية «شبكة التحرر العالمية» بأفكار حيوية وهامة.

شيري كالتاجيرون هي مؤسس شبكة التحرر العالمية ومديرها التنفيذي. وتعمل المنظمة غير الحكومية، الكائن مقرها في ولاية واشنطن بالولايات المتحدة الأميركية، في 22 بلداً، مع تركيز اهتمامها في الشرق الأوسط على مصر ولبنان وسوريا على وجه الخصوص. وتعمل المنظمة حالياً بست لغات، هي: الإنجليزية والعربية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية والألمانية.

وتشرح شيري كالتاجيرون، أن معظم بلدان الشرق الأوسط تتأثر بقضية الاتجار بالبشر.وتضيف شيري قائلة: «اليوم تمثل مكافحة الاتجار بالبشر تحدياً لجميع أنحاء الشرق الأوسط. ولدى إدارات الهجرة قواعد بيانات لمسح شبكية العين، ونحن حريصون على تحليل مخازن البيانات أينما وُجدت. ومن هذا المنطلق، فإن الشرق الأوسط عادة ما يكون وجهة انتقالية (بدلاً من أن يكون المقصد النهائي أو المنشأ)، حيث إن الضحايا غالباً ما يوجدون به لفترة قصيرة فقط، بينما هم في طريقهم إلى وجهتهم المستهدفة. لكن يجب أن أقول أيضاً أن الاتجار بالبشر يمثل تحدياً عالمياً، تواجهه كل دولة، سواء أكانت نقطة انتقالية أم مقصداً أم منشأ».

وتقدم المبادرة العربية لمكافحة الاتجار بالبشر المساعدة لـ«شبكة التحرر العالمية»، في إثراء تقرير الاتجار بالبشر (TIP). وقد عملت شيري كالتاجيرون نفسها على المستوى الدولي، وساعدت في صياغة تشريع أقرته جامعة الدول العربية بشأن الاتجار بالبشر، والذي أسفر عن المبادرة العربية لمكافحة الاتجار بالبشر.

وصرحت شيري قائلة: «إحدى المزايا التي نتمتع بها كمنظمة تعمل في هذا المجال، هو أننا قادرون على قلب الطاولة على رؤوس المتاجرين بالبشر، فهم يستخدمون شبكة الإنترنت بنفس الطريقة التي تستخدمها الشركات التجارية. وهذه هي الطريقة التي يحرّكون بها منتجاتهم: والتي في هذه الحالة، وللأسف الشديد، هي البشر!، فهم يعلنون عن الأشخاص على الإنترنت، ويستقطبون الأشخاص من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والإعلانات المزيفة عن الوظائف. يمكننا استخدام منصة «سبلَنك» لتحليل البيانات والبحث عن الأنماط والنشاط على مواقع الإنترنت، والاتصالات الناجمة عن تلك المواقع من أجل البحث عن الارتباطات، واكتشاف الأخطاء التي يرتكبها المتاجرون بالبشر».

تعمل شيري وفريقها على تقويض المتاجرين بالبشر، باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات. وستكون بعض التكتيكات «واضحة»، كالبحث عن المواضع التي استخدم فيها المتاجرون ملفاتهم الشخصية على الإنترنت للتسجيل أيضاً في مواقع الاتجار بالبشر. وهناك مناورات أخرى يقوم فيها الفريق بمعالجة البيانات من ثلاثة أنواع في الأساس (النصوص والصور والملاحظات المادية التي يتم إنشاؤها عند إجراء المقابلات مع الضحايا)، ومزجها مع بيانات القياس عن بعد، من أجل اكتشاف هويات المتحدثين عن مواضيع معينة مع أشخاص بعينهم وتوقيت حديثهم عنها.

من الناحية التقنية البحتة، تتعاون أيضاً «شبكة التحرر العالمية» مع الشركاء في مجال التكنولوجيا، من أجل إجراء الإسناد الترافقي للبيانات الملحقة بقواعد بيانات «البلوك تشين»، التي تُعتبر سجلاً للمعاملات العالمية. إن القدرة على التعرف إلى هويات أصحاب السجلات، بربطها بسجلات الإنفاق التي تظهر على مواقع الاتجار بالبشر المعروفة، هي مجرد واحدة من التقنيات المستخدمة في هذا الصدد.

ومن خلال الاستفادة من التبرعات كجزء من مبادرة «سبلَنك 4 غود Splunk4Good»، تعهدت «سبلَنك» بالتبرع بـ 100 مليون دولار على هيئة منتجات برمجية وتدريب للموظفين، وتقديم الدعم للمؤسسات التعليمية والمنظمات غير الربحية، بما في ذلك «شبكة التحرر العالمية».

وتقول شيري إنه بالإضافة إلى التخلص من دوائر الاتجار بالبشر، فإن من أفضل الأشياء في وظيفتها، هو مشاهدة المهندسين الفنيين وهم يتوصلون إلى أفكار مبتكرة، عندما يدركون أن التكنولوجيا التي يمتلكونها، يمكن أن تحقق الخير للبشرية في القطاع غير الربحي.

في عالمنا الذي يزداد اتصاله رقمياً يوماً بعد يوم، من المنطقي تماماً، أن نلجأ إلى ذكاء الآلة للمساعدة في تقديم حلول للمشاكل الإنسانية. ومن المعقول تماماً أن نفكر في أن كل عمل وتفاعل نقوم به على شبكة الإنترنت، ينشئ ملف سجل يمكن البحث عنه في نهاية المطاف للمساعدة في تحديد موقعنا على هذا الكوكب. ولكن إذا كنا عازمين على توجيه هذا النوع من الذكاء التكنولوجي من أجل الخير، فستكون فكرة مشجِّعة في نهاية المطاف أيضاً.

* باحث اجتماعي

Email