تنظيف السيارات في لبنان في لمحة عين

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما الأفكار التجارية الجيدة عادة تُعرف بتلك التي تقوم بإيجاد حل لإحدى المشكلات، يواجه رواد الأعمال تحدياً كبيراً، لا يتمثل في حل تلك المشكلات، ولكن تحديد تلك المشكلة في المقام الأول.

كانت المشكلة التي تواجه الصديقين من بيروت، رامي هلال ورالف شويري، الذين كانوا أصدقاء منذ الدارسة، هي كيفية مساعدة أولئك الأشخاص الذين يعيشون في المدن المكتظة بالسيارات، حيث تزداد ساعات العمل، في إيجاد بعض الوقت لغسيل سياراتهم.

شركة بلينك ماي كار، التي أنشأها هلال وشويري، بالتعاون مع الشريك المؤسس جوزيف خليل، واحدة من أفضل الشركات الناشئة في بيروت، تسمح للزبائن بالحصول على خدمات غسيل السيارة أمام منازلهم ببضعة نقرات على الهاتف الذكي، وسداد المقابل باستخدام التطبيق، أو نقداً، بمجرد الانتهاء من غسيل السيارة.

الفكرة بسيطة ولاقت إعجاباً كبيراً لدى صندوق «فينيشان فاندز»، الذي عرض تمويلاً مبدئياً قدره 1.2 مليون دولار أميركي في بداية العام الحالي.

البدايات المبكرة

شرح هلال، الرئيس التنفيذي لشركة «بلينك ماي كار»، كيف راودته الفكرة هو وشويري. كانت الفكرة في البداية تطوير خدمات الصيانة عبر الهاتف الجوال، ولكنهم أدركوا أنه لجعل الفكرة قابلة للتطبيق، سوف يحتاجون إلى تقديم خدمة ما بصورة منتظمة، لذلك جاءتهم فكرة غسيل السيارات.

يقول هلال «أدركنا أنه علينا الذهاب إلى مركز التسوق بالبلدة للحصول على خدمات غسيل السيارة، ولكن نظراً لازدحام حركة المرور، ربما تستغرق ساعة من الوقت يومياً للذهاب إلى هناك، ومن ثم، عليك الانتظار في مكان ما، ربما لم ترغب في الوجود به منذ البداية، فقط للحصول على خدمات غسيل السيارة».

الجزء التالي من الحل، هو توفير خدمات غسيل السيارة، ليس فقط في المنزل، ولكن عندما تكون السيارة بموقف السيارات في الشركات التي يعمل بها العملاء على مدار الأسبوع.

يقول هلال: «يقود الأفراد سياراتهم إلى العمل، ومن ثم يقومون بركن السيارة في موقف السيارات طوال اليوم، وهذا يعتبر نوعاً من الوقت الضائع. فكرنا، لم لا نستفيد من هذا الوقت؟».

لاحظوا كذلك أن سائقي الدراجات البخارية يعتمدون على حارس العقار أو البواب لغسيل السيارة، لذلك قرروا تقديم تلك الخدمات بصورة أكثر احترافية، وبجودة عالية، على يد مجموعة من الخبراء في غسيل السيارات، الذين يُشار إليهم بمسمى «الشركاء المتخصصين».

المشكلة التالية التي واجهتنا كانت العاملين، فكان الحل هو العمالة الدرّاجة، العمال الدرّاجون الذين يعرفون الشوارع جيداً بينما يجوبون الشوارع يومياً لتوصيل الوجبات الجاهزة، ولكنهم يحصلون على بعض أوقات الفراغ قبل وقت الغداء وأثناء الليل، ما يُمكنهم من العمل لدى «بلينك ماي كار».

بمجرد انطلاقة الشركة، تمكنت الشركة من توظيف الدرّاجين للعمل بدوام كامل، وسداد رواتبهم على هيئة راتب أساسي يتخطى الحد الأدنى للرواتب في لبنان (6,344 دولاراً أميركياً في الوقت الحالي)، مع حصول متخصص غسيل السيارة على 70 % من رسوم غسيل السيارة. يستطرد هلال قائلاً، «يمكن للشركاء غسيل أكبر عدد ممكن من السيارات حسب رغبتهم»، كما يوضح أنه في المتوسط، يقوم المتخصص بغسيل 7 إلى 10 سيارات يومياً. من غير المتوقع أن يعمل متخصصو غسيل السيارة أثناء العطلات الرسمية، ولكن البعض منهم يقررون القيام بذلك لزيادة رواتبهم.

التمويل النقدي

بدأت شركة «بلينك ماي كار» عملها في يناير 2016، مع استغراق الكثير من الوقت بالسنة الأولى في تأسيس الجانب التقني للشركة، الذي كان مسؤولية مختص التقنية خليل.

كان التمويل النقدي الذي حصلت عليه الشركة في مطلع هذا العام، هو التمويل اللازم للانتقال بالشركة إلى المستوى التالي، ما يعني زيادة عدد العملاء في بيروت، والانطلاقة للعمل في مناطق جديدة.

جاءت الجائزة عن طريق صندوق «فينيشان فاندز»، وهو صندوق استثماري قائم في بيروت، على زخم مبادرة مصرف لبنان، بإصدار التعميم الرقم 331، الذي يهدف إلى توفير التمويل والأدوات اللازمة لتطوير النظام البيئي للشركات الناشئة بالبلاد. تطبيق بلينك ماي كار هو مثال نمطي على تطبيقات التعميم الرقم 331، ما يسمح بانطلاقة مشروع في مراحله الأولية. تقدم الشركة الآن إمكانية الحجز عبر تطبيق فيسبوك ماسنجر، ويقول هلال إن هناك خططاً طموحة لتحقيق معدل نمو قدره 20 % شهرياً.

مع التمويل وتوافر العمالة اللازمة، كانت المرحلة التالية، إقناع الدرّاجين أنهم بحاجة إلى خدمات غسيل السيارات المناسبة والصديقة للبيئة. بالنسبة لهلال، كانت الإجابة هي التركيز على جودة الخدمة.

شركات غسيل السيارات التي عملت شركة «بلينك ماي كار» على دراستها، لم تأخذ بعين الاعتبار جودة الخدمات التي تقدمها، فهي تستخدم القطع نفسها من الميكروفيبر لتنظيف جسم السيارة بالكامل، ومن ثم تستخدمها لتنظيفها مرة ثانية، وهكذا، ما يجعل الجسيمات المتسخة والغبار ينتقل من جزء إلى آخر، ومن سيارة إلى أخرى، ما يزيد احتمالية حدوث تضرر أو خدوش بجسم السيارة.

يستخدم شركاء «بلينك ماي كار» مستلزمات نظيفة لكل جزء من السيارة، واحدة للزجاج، وواحدة لجسم السيارة، وواحدة لممتص الصدمات، لتجنب انتشار الأتربة والأوساخ، وغسيل السيارة بجودة عالية.

تحقيق الاستدامة في مدينة اعتادت على التبذير

كان مشهد سريان المياه المستخدمة لغسيل السيارات عبر الشارع من مواقف السيارات في مختلف العمارات السكنية، في بلدٍ يعاني فيه الكثيرون من ندرة المياه خلال فصل الصيف، كافياً لإقناعهم أن استخدام أقل قدر من المياه هو الحل الأمثل، ليس فقط من الناحية البيئية، ولكن من الناحية العملية كذلك، حيث لا يسمح الزبائن بسريان المياه المستخدمة في غسيل السيارة في مواقف السيارات بأماكن العمل.

يستخدم شركاء «بلينك ماي كار» فقط كوباً واحداً من الماء، على النقيض من المقدار المستخدم عادة لغسيل السيارة الذي قد يصل إلى 250 لتراً من المياه، إلى جانب الفرش المصنوعة من الألياف الدقيقة، واستخدام مواد التنظيف صديقة البيئة، تلك المركبات التي تعمل على نحو مماثل لمواد التشحيم، لإزالة الأتربة والغبار.

العمل بهذه الطريقة كان سبباً في إدراك هلال الحاجة إلى ترشيد استهلاك المياه.

يقول هلال «نعاني من ندرة المياه في لبنان، ومع ذلك، لا نعمل على ترشيد الاستهلاك. نقوم بالاستحمام في الصباح، ولا نفكر في الوقت الذي نستغرقه أثناء الاستحمام». يستطرد هلال قائلاً «يعتقد الكثيرون أن المياه متوافرة طوال الوقت، ولكن الأمر ليس كذلك. الطريقة الوحيدة للحفاظ على بقاء المياه، هي ترشيد الاستهلاك».

يقول هلال إن شركاء «بلينك ماي كار» في بيروت، قاموا بغسيل قرابة 4 آلاف سيارة، اعتباراً من أغسطس 2017، وقد تم إنجاز الجزء الأكبر من تلك الأعمال على مدار الأشهر الثلاثة إلى الأربعة الماضية. وكان التمويل الرئيس الذي حصلت عليه شركة «بلينك ماي كار» سبباً في بدء الأعمال في دبي، مع التخطيط لتوسعة نطاق الأعمال، ربما لتشمل المملكة العربية السعودية في المرحلة القادمة.

مجموعة كتاب * فريق تحرير حوار الشرق الأوسط

 

 

Email