المصممون المصريون يساعدون الحرفيات

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما عُرفت النساء بمهاراتهن اليدوية، من الخياطة إلى التطريز والكروشيه وصولاً إلى صناعة المجوهرات. قد تكون هذه المهارات قد تضاءلت في عصرنا الحديث اليوم حينما تبدّلت اهتمامات النساء العاملات وتحديداً في المدن حيث نجد بعضاً من مصممات الأزياء أو المجوهرات وحيث باتت المرأة العصرية غالباً ما تتبوأ مناصب مختلفة مهملةً الحرف اليدوية؛ حرفٌ ما زالت العديد من النساء المصريات في المناطق المهمشة تُتقنها ويتمتعن بقدرة إبداعية مميزة تجسّد التراث والثقافة المصرية.

وفي محاولة لاستغلال مهارات وإبداعات تلك السيدات ومساعدتهنّ على تحسين حياتهنّ، نجد أن العديد من العلامات التجارية المصرية قد لجأت إليهنّ من أجل تسليط الضوء على تاريخ مصر الغني بفضل ابتكاراتهنّ المميزة وفي الوقت ذاته تمكين الحرفيات مادياً من أجل إعالة عائلاتهنّ وتشجيعهن على تمرير مواهبهنّ للأجيال القادمة.

وتخبرنا منى السيد، المديرة الإدارية لمنظمة Fair Trade Egypt «لقد كانت منشأتنا الاجتماعية رائدة في اتخاذ نهج لدعم الحرفيات من النساء حيث كنّا أول من بدأ في البحث عن أصحاب الحرف منذ عام 1998 وتزويدهم بالتدريب اللازم بالإضافة إلى تطوير منتجاتهم من خلال متابعتهم والعمل على تزويدهم بتصميمات جديدة تتيح لمنتجاتهم فرصة المنافسة في الأسواق المحلية والدولية».

وترى منى السيّد أن التحاق العديد من المصممين المصريين بقافلة مساعدة النساء الحرفيات في المناطق المهمشة خبر سعيد. وتضيف «نحن سعداء بأن الجميع بدؤوا بالسير على نهجنا ونرى في ذلك خطوة إيجابية في الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد لأننا في أمسّ الحاجة لدعم منتجاتنا المحلية والنهوض بها كما أن ذلك يساهم في نشر الوعي في المجتمع بمدى جودة المنتجات المحلية التي يقوم الحرفيون بإنتاجها حيث يمكن لأي فرد اقتناؤها واستخدامها خلال حياته اليومية بالإضافة إلى تعزيز قيمة عمل المرأة من خلال تمكين الحرفيات من دخول سوق العمل.

وتطلعنا أسماء فتوح، مساعدة كبير المصممين أن الأغا هي علامة تجارية للأزياء المستوحاة من التراث، تأسست منذ ٦ أعوام كجزء من مبادرة مصرية ألمانية تهدف لتدريب المدربين وصغار المصممين خلال العمل على تصميمات ملابس حديثة مستوحاة من التراث يتم تنفيذها في ورش عمل مع سيدات معيلات من مناطق مهمشة ذات طابع وهوية تراثية متميزة بهدف لفت الانتباه لهذه المناطق ودعم حفظ التراث الخاص بها».

ولا بد من الإشارة إلى أن «الأغا» هي كلمة من الموروث الشعبي وأصلها هو اسم خامة نسيجها مقسم إلى خطوط من القطن والحرير كان يرتديها رجال الريف وصعيد مصر وتحوّلت رمزاً لارتداء الشخص ملابس فاخرة ذات جودة عالية.

وتشرح لنا فتوح طريقة سير العمل قائلة: «تتم مساعدة النساء الحرفيات بفضل توفير عمل بأجور عادلة حيث تقوم النساء بجزء التطريز والإضافات الفنية في المنتجات من بيوتهن ويقمن بتحديد الأجر المناسب للعمل الخاص بهنّ بحساب عدد ساعات العمل ومدى تعقيد التصميم وحجمه. وتعتمد الأغا بصفة خاصة على مجموعة من حرفيات التطريز في واحة سيوة الواقعة على حدود مصر مع ليبيا وتتميز هذه المجموعة من النساء بالدقة والحرفية إلى جانب كونهنّ رائدات أعمال بالفطرة. ويتراوح عدد النساء العاملات بهذه المجموعة بين 10 و15 سيدة كلهن من النساء المعيلات وتسعى الأغا في المرحلة المقبلة لتوسيع دائرة دعم سيدات الواحة وتوفير عمل لأعداد أكبر وبصورة أكثر استمرارية.

من جهتها، تسعى المصممة نيفين ألتمان ومؤسسة العلامة التجارية التي تحمل اسمها إلى المزج بين الأصالة المصرية والنزعات العصرية في تصاميمها من حقائب اليد والمحافظات والشالات. وتتعاون ألتمان مع مطرزات من سيوة وسيناء لتصميم منتجات حديثة تعكس أيضاً بعضاً من التراث المصري. كما تشتري العلامة التجارية أقمشتها من البدو في مساعٍ لدعمِ صناعة الغزل والنسيج في المناطق النائية.

ولا تتردد المصممة نورا مسلّم بدعم الحرفيين المصريين بكل الطرق المتاحة. فمن أجل ابتكار مجموعات متميزة من الأكسسورات وحقائب اليد والوسادات وغيرها من القطع، تشتري الأقمشة المصرية من صعيد مصر وتحديداً من قرى النسيج القديمة ومن الأسواق البدوية في العريش. كما أنها تنظم ورش عمل متخصصة لـ 15 امرأة في بلدة بولاق حيث تستخدم النساء مواهبهنّ ومهاراتهنّ لتصميم الحقائب والمفروشات الناعمة والأكسسوارات الشخصية.

قد تطول لائحة الجمعيات والمؤسسات والمصممون الذين يعملون، كل على طريقته، من أجل تمكين الحرفيين من النساء والرجال في المناطق المصرية المهمّشة، إلا أننا أردنا أن نقوم بجولة على هؤلاء لنعطي فكرة ولو بسيطة عن كل ما يتم بذله من جهود من أجل تغيير الوضع القائم حتى لو أن المطلوب هو المزيد من المساعي.

فتشدد منى السيد من جمعية Fair Trade Egypt على أنه لا زالت بعض السيدات يعانين من رفض المجتمع لفكرة عمل المرأة في بعض المناطق مثل العريش في سيناء كما أنه لا يزال ينقص مجموعة السيدات المزيد من التدريب لاستقدام فتيات أصغر سناً من أجل الحفاظ على الحرف من الاندثار. بالإضافة إلى أنه لا يزال يلزمنا فتح المزيد من الأسواق أمام سلعهنّ وذلك من أجل زيادة دخلهنّ ما يترتب عليه تحسين ظروفهنّ المعيشية وتزويدهنّ بالمزيد من المشاريع التنموية.

وتشير بن حليم، من جهتها، ليس هناك طريقة أنسب. ولكن كلما كثُرت شركات الأزياء المحلية، زادت فرص توظيف السيدات إضافة إلى أن منحهنّ وظائف تشجعهنّ على اتباع مسيرة مهنية خاصة بهنّ. وتشدد على أن مفتاح النجاح في أي منطقة مهمشة ومحرومة هو التعليم. وأعتقد أن تحسين التعليم من شأنه أن يؤدي إلى جيل أكثر كفاءة وقدرة، وهذا لن يفيد النساء فحسب بل كل البلاد.

يبقى الأهم ألا تكون هذه المساعي مجرد نزعة آيلة للزوال. أمر تنفيه ألتمان قائلة هذه ليست «نزعة» بالنسبة لنا. تعتمد علامتنا التجارية على العلاقات التي بنيناها مع النساء اللواتي نعمل معهنّ. نحن لا نحب أن يبدو الأمر وكأنه عمل خيري لأنه ليس كذلك. إننا نعمل مع النساء اللواتي يتقنّ التطريز التقليدي أو نعلمهنّ أنماطاً جديدة لأنهن يبحثن عن عمل. هذه خطة أعمالنا والجميع يستفيد.

وتقول بن حليم أنا شخصياً أعتقد أن هذه «النزعة» كانت دائماً موجودة وكانت النساء دائماً يستخدمن أيديهن في الحياكة والخياطة ونسج السجاد. لذلك، ليس من المستغرب أن الناس لجأن إليهنّ من أجل العمل المبدع. وكون أن المزيد من الناس يلجؤون إليهنّ هو أمر رائع لأنه يسمح لهنّ بجني الأموال ليصبحن أكثر استقلالاً وقدرة على مساعدة أسرهنّ. نزعة إذاً إيجابية علّها تطول!

*متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية

Email