رحلة تغيير مع الإماراتية هالة كاظم

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«اهتمي وأحبّي نَفسك، هذا ما سأقوله دائماً لكل امرأة في العالم. فإذا أنا أحببت نفسي، سأهتم بنفسي وأكلي وروحي وفكري، وسينعكس الأمر إيجاباً على علاقتي مع أولادي وزوجي ومحيطي. يجب أن تتعلّمي كيف تحبين نفسك، لأن ذلك هو مفتاح السلام»، نصيحة ثمينة أرادت أن تمنحها الإماراتية هالة كاظم لكل امرأة، مهما كانت هويتها أو مكانتها أو دينها.

ولم تتردد في أن تضيف أن الواقعية من سمات السعادة والنجاح في حياة كل امرأة، قائلة: «كوني واقعية في حزنك وفي سعادتك، وحتى في تناول الطعام. أنت تعرفين ما هو الأفضل لك. فإذا كنت واقعية، ستكونين أسعد ومُتصالحة مع نفسك».

نصائح لم تبخل هالة كاظم في مشاركتها معنا خلال لقاء جمعنا بها في مكتبها، الذي هو أشبه بواحة خضراء دافئة، تُطلّ من قلب المنطقة الصناعية في دبي، وتعجّ بالقطع المميزة التي حملتها من أسفارها، لتُضفي طابعاً حميمياً على المكان. نصائح تحمل كل قيمتها متى تعرف قصة هالة كاظم المليئة بالمغامرات والتجارب الأليمة والسعيدة، والنجاح والفشل، هي التي تحوّلت من امرأة محبطة وكئيبة، إلى امرأة ناجحة متعددة المهارات.

كيف تعرّف هالة كاظم عن نفسها؟ «أنا إنسانة، وأحب أن أكون امرأة من دون ألقاب، ومن دون أن أحدّد نفسي بأي لون أو حالة اجتماعية. أنا إنسانة، ثم أنا أمّ لخمسة أبناء. وأنا إماراتية، ومسلمة، كذلك أنا رائدة أعمال اجتماعية. أستطيع أن أكمل اللائحة، فأنا فنانة وكاتبة ومدربة ومستشارة…»، وتضيف: «كل شخص منا هو مجموعة إنسان... أنا احتويت الاختلاف في داخلي، وأصبحت مجموعة من كل هذه التعريفات والأدوار والشخصيات».

قد تكون هالة كاظم مجموعة شخصيات اختلفت وتطوّرت مع مرور السنوات، لتجِد نفسها أخيراً عام 2010 مع إطلاق برنامجها «رحلة التغيير». وهنا تخبرنا: «رحلات حياتي كانت كثيرة ومتنوعة. قبل 22 عاماً تقريباً، كنت أبحث عن شغفي، لا سيما أن الفن لم يشفِ غليلي، ولم أكن أشعر بتحقيق الذات إلا بفضل أولادي. لكنني كنت أظن أن هناك المزيد. انطلقت في رحلة البحث، حتى اكتشفت ذاتي بفضل برنامجي».

حياة كاظم لم تكن دائماً سهلة، بل مرت بالكثير من الآلام والتجارب الصعبة التي لا تتردد في التحدث عنها، لأنها شكلت الدافع لتحقيق ما هي عليه اليوم. وتقول: «عانيت من الإحباط الشديد لأكثر من 20 عاماً، وفقدت الأمل بالحياة. أنا لا أملك شهادات كثيرة، لكن خبراتي كثيرة. هذا ما يدفع الناس إلى التواصل معي، لأنني أعطيهم من تجربتي الحقيقية».

لم تكن هالة كاظم تلميذة مجتهدة، وتعترف أنها كانت تكره المدرسة، قائلة: «عندما تكون المعلمة جيدة في الشرح، كنت أحقق النجاح، وإذا لم تكن جيدة، كنت أحصل على علامات متدنية»، وعندما بلغت الثلاثينيات من عمرها، اكتشفت السبب الحقيقي وراء هذا الكره، ألا وهو معاناتها من عسر في القراءة والكتابة. كما أنها لم تتابع دراسات جامعية، لا، بل دروساً محددة ومتنوعة، مثل الاستشارات والتدريب والبرمجة العصبية.

وبفضل التجربة والخبرة، استطاعت أن تستمر وتتطور وتجد في «رحلة التغيير» متنفساً لها، ولكل السيدات اللاتي يرافقْنها. وتعرّف كاظم عن البرنامج قائلة «إنه برنامج متكامل، يحثّ المرأة على الاهتمام بذاتها، نفسياً وعقلياً وروحانياً، لكي تستطيع أن تهتم بالآخرين».

وتضيف: «إنّ الإنسان الذي يهتم بإسعاد نفسه، يستطيع أن يهتم وأن يسعد الآخرين، وذلك ليس عن طريق شراء حقيبة أو سيارة، بل الاهتمام بالروح وبطريقة التعامل مع الآخرين..».

ولكن، ما هي رحلة التغيير على أرض الواقع؟، تشرح لنا كاظم: «كان التحدي الأول الذي واجهته، أن هذا البرنامج جديد، ولم يقم به أحد من قبل. لم يكن لدي خطة أعمال حتى أن زوجي كان يقول لي إنني بدأت كل شيء من لا شيء». وتوضح أنها أرادت أن تجمع بين رياضة المشي (هايكينغ)، والجلسات الاستشارية، لا سيما أن قضاء الوقت في الطبيعة مع مجموعة من النساء، يحثّ على التحدث و«الفضفضة». وبدأت الرحلة مع مشروع تجريبي، برفقة ثلاث سيدات إماراتيات، لتجد كاظم أن الفكرة قد تنجح، وتبدأ بتنظيم الرحلات إلى أماكن مختلفة كانت تزورها مسبقاً لتفقّد السلامة وتنظيم كل الأمور اللوجستية.

وتشرح كاظم: «بداية، كانت كل النساء إماراتيات، إلا أن اليوم تنضمّ إلينا سيدات خليجيات ومن جنسيات عربية مختلفة. ويتضمّن البرنامج، المشي، وجلسات استشارية في الطبيعة، ودروس في الطبخ، وجلسات تأمل، ومحاضرات ونشاطات متنوعة مختلفة، مثل ركوب الخيل أو الدراجات الهوائية، زيارة مزارع النحل أو التفاح…».

وبعدما كانت تقوم بثلاث رحلات سنوية إلى مواقع مختلفة، مثل النمسا، بالي، إيطاليا، إسبانيا، فرنسا، اليابان، نظّمت هذا العام خمس رحلات.

وجدت كاظم نفسها في رحلة التغيير، التي تريدها أن تكون برنامجاً يساعد النساء على اكتشاف أنفسهنّ. لكن أين الرجال في كل هذه القصة؟، تضحك كاظم وتجيب: «أريد أن أساعد الرجال على التغيير، لكني لن أصحبهم في رحلاتي. هم لا يهتمون بالفضفضة أو المشاركة في مجموعات لممارسة رياضة المشي، بل يفضّلون رفقة أصدقائهم». وتتابع: «لاحظت أن الكثير من المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بي، هم من الرجال. الرجال العرب والخليجيون يتغيرون، ويتبعون أعمالي ويتواصلون معي. أظن أنه، في بداية مشواري، ظنّوا أنني سأحثّ المرأة على خلع الحجاب وعلى طلب الطلاق، فيما أنني كنت واضحة بأنني لست هنا لأقول لك ما تلبس، بل لمساعدتك على التفكير بشكل مختلف».

رجال ونساء يتابعون رحلة هالة كاظم، ربما من باب الفضول، أو بحثاً عن نصيحة أو وسيلة لإحداث التغيير. فكاظم لا تكتفي ببرنامج «رحلة التغيير»، بل تنشط على شبكات التواصل الاجتماعي، كما أطلقت قناتها الخاصة على «يوتيوب»، ونشرت، حتى الآن، كتابَين هما: «هالة والتغيير» و«هالة والحياة».

ونتساءل، كيف تجد كاظم الوقت لكل نشاطاتها، هي التي تفخر أيضاً بمهارتها وحبها للطبخ، وبعائلتها التي تمنحها الكثير من حبها وعطفها، فتقول: «أنا قاسية جداً مع نفسي ومنتظمة. أنام باكراً وأستيقظ باكراً، لا أدخن، بالكاد أشاهد التلفزيون، وأحاول الاستفادة من أوقات فراغي للقراءة والمشي ورؤية الأصدقاء. هناك الكثير من الأمور في الحياة، وأحاول التعويض عما فاتني خلال سنوات الإحباط. فأنا بدأت كل شيء متأخرة!».

لا يسعك إلا أن تُقدّر هذه السيدة الإماراتية: فهي سيدة إماراتية متزوجة من إسكتلندي مصري، لم تتردد أن ترعى طفلاً يتيماً يدعى طارق، وهي أمّ لثلاثة أبناء، وذلك لتحقيق حلمها بتغيير حياة شخص ما، وتقول: «طارق علمني كيف أحب، وأن لا حدود للحب، أتفاجأ أنا أيضاً أحياناً من نفسي ومما حققته. وأظن أنني لم أكن أصل إلى ما أنا عليه اليوم، من دون دعم زوجي وأبنائي، الذين ينصحونني ويساعدونني وينتقدونني، وهم دائماً إلى جانبي. أستطيع أن أقول إنني أم رائعة، وزوجة صالحة وجدّة جيدة. لقد ربيت أبنائي جيداً، لأنني ربيتهم ليعلموني».

وتتابع: «أنا أفتخر أنني اليوم في عمر 54 سنة، ومُرتاحة مع نفسي، ولدي الكثير من المشاريع. عملت بجهد على نفسي، وفشلت وأحبطت إحباطاً لا أتمناه حتى لأعدائي، إلا أنني طرقت كل الأبواب لمساعدة نفسي».

مساعدة نفسها أولاً، لتُساعد الآخرين، حتى لو أنها تُدرك تماماً أن المهمة ليست سهلة، وحتى لو أنها تعترف أن كثيرين قد ينتقدون هذه البرامج، والرسائل الملهمة حول الإيجابية والتغيير، التي تحوّلت اليوم إلى موضة عالمية مُكلفة بعض الشيء، لا سيما أن هذه البرامج غالباً ما تكون باهظة الثمن. إلا أن كاظم لا تُنكر ذلك، هي التي قد تكون الجوائز الكثيرة التي نالتها أفضل إثبات على نجاحها، وهي التي تعترف أن اسمها تحوّل إلى علامة تجارية تدور حولها. إلا أنها تشدد: «أنا لست عظيمة، ولست أفضل من أحد، إلا أن تجاربي وأفكاري وبرنامجي تحولت إلى علامة تجارية». وتتابع «أنا لا أنظر إلى الناس، وأقول لهم إن كل شيء جميل وسعيد وإيجابي، لا، بل أنا واقعية، وأؤمن أنني لو لم أصبح سلبية، لما تحوّلت إلى شخص إيجابي. أهلاً بالحزن وأهلاً بالسلبية. حزني لن يذهب إلى أي مكان، ولكني تعلمت طريقة التعامل معه، وهذا ما أريد نقله، ولهذا السبب الناس يلجؤون إلي، لأنني أفهم ما يمرّون به».

وتطمح كاظم إلى المزيد، إلا أنها تعرف أنها ستتوقف يوماً عن العطاء، وتقول: «إذا كان لي أن أختار مرحلة معينة من حياتي، فسأختار الآن، لأنني أشعر بالاكتفاء، وأنا في سلام مع نفسي. أشعر أنني ما زلت أستطيع أن أعطي. وأدرك أن اليوم الذي أتوقف فيه عن العطاء سيأتي، ولكن بما أنني بدأت كل شيء متأخرة، قد لا يأتي هذا اليوم قريباً!».

* متخصصة في المجالات الاجتماعية

Email