نحو عالمٍ خالٍ من حواجز التواصل بين البشر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هدفنا هو التغلب على حواجز التواصل التي تمنع شخصًا أصمّ يستخدم لغة الإشارة من أن يكون قائدًا لشركة. لن يكون هناك مبرر لعدم الاندماج الكامل لهؤلاء الأشخاص مع زملائهم ومع العملاء أيضًا.

مع ظهور تطبيقات الترجمة الفورية وغيرها من الأدوات الجديدة الموجّهة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، يمكن القول إن التواصل بين البشر أصبح عالميًا وشاملًا. فالتكنولوجيا تتطور يومًا بعد يوم وتشهد ظهور المزيد من التقنيات الذكية.

بعد هبوط الطائرة في طوكيو، يمكنك سماع سائق سيارة الأجرة وهو يسألك: «إلى أين تذهب؟»، بلغة إنجليزية واضحة عبر سماعة أذن ذات تقنية عالية.

وفي الطريق إلى الفندق، يمكنك أن تمرّر هاتفك الذكي فوق إحدى الصحف اليابانية، فتحصل على ترجمة فورية لعناوين الأخبار الرئيسية على شاشتك. وأثناء انتظار سيارة الأجرة لعبور تقاطع مروري، يمكنك قراءة لافتات الطريق بالاستعانة بنفس التطبيق الذكي، وحينها تدرك أنك أصبحت قريبًا من الفندق الذي تقصده.

تخطّي الحواجز

قديمًا كان السفر في رحلة إلى خارج البلاد – أو حتى إجراء مكالمة جماعية مع أشخاص في الخارج – ينطوي على الكثير من الصعاب بسبب حواجز اللغة.

لكن كما توضّح هذه الرحلة الخيالية إلى طوكيو، ليس علينا الآن سوى أن نرحّب بعصر جديد من التواصل خالٍ من جميع الحواجز التي تحول دون التواصل السهل والفعال.

ففي هذا العصر الجديد، سوف يستطيع الأفراد التواصل مع غيرهم في الحال، دون اعتبار للغة التي يتحدثون بها، بل وسيتجاوزون ذلك إلى التواصل مع أشخاص مصابين بالصمم أو الشلل التام.

فتطبيق «غوغل ترانسليت» للهواتف الذكية على سبيل المثال، يوفر أدوات للترجمة الفورية الفعالة التي تساعد في تقليل حواجز اللغة بين الأفراد.

تحدَّث بأي عبارة إلى هاتفك، وسيقوم التطبيق على الفور بقراءتها بعشرات اللغات الأخرى، وكأنه في هذه الحالة أصبح وسيطًا بين شخصين.

وهناك أمثلة أخرى على التطور الذي يشهده قطاع التكنولوجيا. ففي أواخر 2014، أعلنت «سكايب»، خدمة المحادثات الصوتية والمرئية والتابعة لشركة مايكروسوفت، عن إطلاق خدمة جديدة للترجمة الفورية للمتحدثين باللغتين الإنجليزية والإسبانية.

وهناك تقنيات تواصل حديثة أخرى تهدف إلى القضاء على الحواجز عند التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة. على سبيل المثال، تم تطوير تقنية «eye gaze» للأشخاص الذين يعانون من «متلازمة المنحبس»، وهي حالة مرضية يكون فيها المريض في حالة استيقاظ ووعي تام لكنه غير قادر على التواصل الشفهي مع الآخرين بسبب الشلل التام في جميع عضلاته عدا العينين. وتتيح هذه التقنية للمرضى إمكانية التحكم بمؤشر كمبيوتر من خلال استخدام نظرة العين فقط، ومن ثمّ يمكنهم التواصل مع العالم الخارجي.

علاوةً على ذلك، تساهم إحدى الشركات الناشئة في منطقة الشرق في التغلب على ما كان يُعتبر في الماضي حاجزًا منيعًا من حواجز التواصل.

فهذه الشركة التي يُطلق عليها «كين ترانس» قد نجحت في تطوير برنامج يترجم لغة الإشارة الجسدية إلى نصّ مكتوب ومسموع، مما يتيح إمكانية التواصل بين شخصين أحدهما سليم والآخر أصم.

أسّس الشركة محمد الوزير وهو مصري الجنسية قام بتطوير هذه التقنية في بداية الأمر في القاهرة، ثم واصل أبحاثه وعمله على التقنية في مسرّعة الأعمال «Turn8» في دبي، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة.

أفادت كاثرين بنتلي، المؤسس المشارك ومسؤول تطوير الأعمال التجارية في «كين ترانس»، أن التقنية الجديدة تقوم على مفهوم استشعار الحركة.

حيث تستخدم هذه التقنية كاميرا ثلاثية الأبعاد بنظام «كينكت» من مايكروسوفت لاستشعار الحركة في لغة الإشارة، وبعدها تتم معالجة البيانات داخل السحابة بواسطة خوارزميات «كين ترانس».

وأشارت بنتلي في مقابلة أُجريت معها: «قمنا بتطوير وتسجيل براءة اختراع لخوارزميات تترجم حركات الجسد إلى محتوى معرفي».

وأضافت: «من الأمور التي نسمعها كثيرًا أن الصمّ لا يشاركون في الكثير من اجتماعات الشركات، بل يكتفون بالحصول على مذكرات بالمواضيع التي تمت مناقشتها».

«هدفنا الذي نسعى إلى تحقيقه هو التغلب على حواجز التواصل التي تمنع شخصًا أصمّ يستخدم لغة الإشارة من أن يكون قائدًا لشركة أو فريق عمل. ففي ظل تقنية كهذه، لن يكون هناك مبرر لعدم الاندماج الكامل لهؤلاء الأشخاص مع زملائهم ومديريهم ومع العملاء أيضًا».

وحسبما ذكرت بنتلي، فإن «كين ترانس» تسعى في الوقت الحالي لجذب استثمار بقيمة تقل عن 1 مليون دولار أميركي، وذلك لمساعدتها في طرح التقنية تجاريًا في الربع الأول من عام 2017.

وربما تفكر الشركة في المستقبل في تطوير «إضافات» لتطبيقات مثل سكايب، وهو ما سيعود بالنفع الكبير على بعض المستخدمين حسبما ذكرت بنتلي التي ترى أن التقنيات الحالية في هذا المجال لا يزال ينقصها الكثير.

وتابعت السيدة بنتلي قولها: «نعمل مع محامية صمّاء فقدت حاسة السمع عندما كان عمرها 10 أعوام، وهو ما يعني أنها تستطيع الكلام، لكنها لا تسمع شيئًا. عندما نتواصل معها عبر الهاتف، فإنها تستعين بإحدى تقنيات تحويل الكلام إلى نصّ، ومن ثمّ يصلها صوتنا في صورة نص مكتوب، مما يمكّنها من الرد علينا. وفي كل مرة نُجري مكالمة هاتفية معها، نضطر إلى الانتظار ما بين خمس إلى عشر مرات أثناء المكالمة، حتى تعمل خدمة الترجمة لديها. تلك عقبة رئيسية في عملية التواصل».

لكنّ البعض أشار إلى المشكلات المحيطة بتزايد التوجه نحو أتمتة عملية التواصل اللفظي، ومن ثم تكون معرضة للبحث فيها من قبل الآخرين.

فقد كشف تقرير نشره مركز أبحاث «هايبرفويس كونسورتيوم» بالولايات المتحدة عام 2015، عن أن المخاوف الجديدة بشأن مسألة الخصوصية تزداد انتشارًا مع الاستخدام المتزايد للتقنيات الصوتية.

وقال مارتن جيديس، المؤسس المشارك لـ «هايبرفويس كونسورتيوم» في تصريح أدلى به آنذاك: «يظن الأشخاص أن محادثاتهم مع تطبيق «سيري» وغيره من تطبيقات المساعدة الشخصية الأخرى تتمتع بالخصوصية وأنها مجرد محادثات عابرة، لكن الحقيقة أنه يتم تسجيل هذه المحادثات، وليس لدى المستخدمين أي علم بما يمكن أن تستخدم فيه تلك المحادثات بعد تسجيلها. كل ما نعرفه هو أننا فقدنا السيادة على الكلام الذي نتفوّه به».

أما كاثلين بنتلي فتشير إلى أن الأشخاص هم من يتخذون قرارهم بشأن استخدام تلك الخدمات الصوتية، وهو أمر لا بد أن يصاحبه قدر من التخلي عن الخصوصية.

وقالت: «لو أنك اتخذت قرارًا واعيًا باستخدام التكنولوجيا وإجراء المحادثات الإلكترونية، فأنت تتخلى عن قدر من الخصوصية. القرار إذاً يرجع إليك... وكثير من الأشخاص لا يملكون حسابات على فيسبوك أو لينكدإن لهذا السبب».

وأضافت: «لكن غالبية دول العالم تمضي قدمًا في هذا الاتجاه، لذا يمكنك أن تختار عدم إجراء المكالمات الشخصية التي لا تريد لها أن تكون قابلة للبحث فيما بعد عبر الإنترنت».

وترى بنتلي أن الإمكانات المتاحة للوصول إلى عصر خالٍ من حواجز التواصل أمر يمثل أهمية بالغة للصالح العام، حيث قالت: «أعتقد أن تخطّي الحواجز أمر بالغ الأهمية».

* متخصص في شؤون التجارة والابتكار في الشرق الأوسط

 

Email