استعادة السلام إلى فردوس المحيط الهندي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جمهورية المالديف بلد جميل يقع في المحيط الهندي ويتألف من 1000 جزيرة مرجانية، وهو معروف في مختلف أنحاء العالَم كوجهة سفر هادئة وفخمة. لكن هذا البلد يعاني الآن من أزمة سياسية شديدة، حتى أن التقارير الدولية تحذر من السفر إلى هناك.

كانت سيادة القانون في المالديف في تدهور مضطرد منذ تولى الرئيس عبد الله يمين السلطة هناك في عام 2013. ثم تفاقم الوضع بشكل حاد في وقت سابق من هذا الشهر، عندما رفض يمين الامتثال لأمر المحكمة العليا الصادر بإجماع أعضائها الذي يقضي بإلغاء الإدانات التي دبرها لتسعة من الشخصيات المعارضة -ومنهم الرئيس السابق المنفي محمد نشيد- بتهمة الإرهاب. وبدلاً من الإفراج عن الذين ألغيت أحكامهم، أعلن يمين حالة الطوارئ وأصدر أوامره بسجن اثنين من قضاة المحكمة العليا الخمسة، وأحدهما رئيس المحكمة العليا.

تشرف المالديف على ممرات شحن حرجة في المحيط الهندي، ما يجعلها بالغة الأهمية لضمان الأمن في المنطقة. ونتيجة لهذا، تستحوذ الأوضاع السياسية المتدهورة هناك بشكل متزايد على اهتمام المجتمع الدولي. وتدعو القوى الديمقراطية، من الولايات المتحدة إلى الهند، الأمم المتحدة إلى التدخل في الأزمة، في حين تدافع الصين عن يمين الملوث بالكسب غير المشروع في سعيها إلى تعزيز مصالحها الخاصة في المحيط الهندي.

تمثل العلاقة الوثيقة بين الصين والمالديف تحولاً كبيراً عن الماضي، عندما كانت الهند الشريك الإقليمي الرئيسي للبلاد. ينحدر سكان المالديف في الأساس من أصول هندية وسريلانكية، وتربطها علاقات ثقافية واقتصادية قوية مع الهند وسريلانكا. وكانت المالديف تُعَد تقليدياً جزءاً من مجال نفوذ الهند، ولكن في السنوات الأخيرة، تآكل نفوذ الهند في المالديف بفِعل الجهود التي تبذلها الصين لبناء «سلسلة اللؤلؤ»: سلسلة من المنشآت العسكرية والمشروعات الاقتصادية التي تهدف إلى استعراض قوة الصين في المحيط الهندي. وكما نجحت الصين مؤخرًا في الفوز بميناء هامبانتوتا السريلانكي بموجب عقد إيجار مدته 99 عاما، فقد استحوذت في صمت، وفقاً لنشيد، على 17 جزيرة في المالديف المثقلة بالديون، لأغراض الاستثمار.

لكن في تحركات تنم عن أهدافها الاستراتيجية، أرسلت الصين أيضاً عدداً من السفن الحربية لزيارة المالديف. وإذا نجحت الصين، التي كثفت ضغوطها العسكرية على الهند على طول حدودها في منطقة الهيمالايا، في تحويل إحدى جزر المالديف إلى قاعدة بحرية، فإنها ستفتح فعلياً جبهة بحرية ضد الهند ــ وهي علامة بارزة في تطويق الصين الاستراتيجي لجارتها، وبالتالي فإن أزمة المالديف تمثل لحظة فارقة بالنسبة للهند. فهل تتدخل الهند عسكرياً، كما طلب نشيد وغيره من زعماء المعارضة في المالديف، أو هل تسمح ليمين بالاستمرار في تمكين الصين من ملاحقة أهدافها الاستراتيجية في المنطقة؟

هناك سابقة للتدخل العسكري الهندي في المالديف. ففي عام 1988، وأدت الهند محاولة انقلابية ضد الحاكم المستبد مأمون عبد القيوم التي دبرها رجل أعمال مالديفي بمساعدة مرتزقة مسلحين، وخاصة من الانفصاليين التاميل من سريلانكا. وبفضل التحرك العسكري السريع الذي قامت به الهند، تمكن عبد القيوم من البقاء في السلطة لعقدين آخرين من الزمن، ولكن عندما طلب أول رئيس منتخب ديمقراطياً في البلاد من الهند التدخل لإنقاذه من القوى الإسلامية التي حاصرت مكتبه في عام 2012، أشاحت الهند بنظرها في الاتجاه الآخر. فقد شعرت حكومة الهند بأن الرئيس السابق محمد نشيد خانها بإقامة علاقة متزايدة القوة مع الصين. الواقع أن نشيد لم يكتف بمنح الصين أول عقودها في مجال البنية الأساسية، فقبل ثلاثة أشهر فقط من الإطاحة به، قام بافتتاح السفارة الصينية الجديدة في العاصمة ماليه، في نفس يوم وصول رئيس وزراء الهند آنذاك مانموهان سينغ، لحضور قمة إقليمية.

اليوم، قد يكون التدخل الهندي محفوفاً بالمخاطر، خاصة وأنه لا توجد سلطة شرعية تدعو الهند إلى إرسال قواتها. وربما يتمكن مظليون هنود من فرض سيطرتهم على ماليه فعلياً في غضون ساعات قليلة. ولكن كيف قد تكون النهاية؟ ففي ظل الظروف والولاءات السياسية المتحولة بين حفنة من الأسر القوية التي تهيمن على اقتصاد المالديف وسياسته، فإن إيجاد حلفاء يمكن التعويل على التزامهم بحماية الحريات الديمقراطية -ناهيك عن قدرتهم على حمايتها- سوف يثبت كونه تحدياً بالغ الصعوبة.

وحتى لو أطيح بالرئيس عبد الله يمين وعقدت البلاد انتخابات ديمقراطية، فمن غير المرجح أن يتم احتواء نفوذ الصين. وكما توضح تجارب بنغلاديش، وميانمار، ونيبال، وسريلانكا، فقد تفوقت الصين على الهند دبلوماسياً، حتى في التعامل مع حكومات منتخبة ديمقراطياً. والواقع أنها فعلت ذلك حتى في المالديف ذاتها، مع نشيد. ولأن ديون البلاد ستستمر في الارتفاع، بصرف النظر عن هوية قادتها، فسوف تحتفظ الصين بمصدرها المفضل لفرض نفوذها.

قد يبدو الأمر وكأن الهند، التي تتمتع بقرب جغرافي وروابط تاريخية مع المالديف، تتمتع بنفوذ قوي هناك. ولكن الهند قد تخسر الكثير إذا ما زادت من حدة موقف سياسي مشتعل بالفعل في ساحتها الخلفية البحرية بالتدخل عسكرياً.

يتمثل أفضل خيار أمام الهند في إظهار قدر معقول من التهديد باستخدام القوة العسكرية، في حين تفرض بالتعاون مع قوى ديمقراطية أخرى عقوبات اقتصادية كفيلة بتقويض الدعم الذي يحصل عليه يمين من النخب في المالديف، التي يملك كثيرون من المنتمين إليها المنتجعات الفاخرة التي أصبح القسم الأعظم من غرفها شاغراً. ومع وجودهم في صف المجتمع الدولي، فربما يتمكن من ضمان نزاهة وشمولية الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في وقت لاحق من هذا العام - والإشراف عليها من قِبَل الأمم المتحدة. هذا هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، واستعادة السلام إلى فردوس المحيط الهندي.

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات بنيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين

Email