لا بد من الضوء في إسبانيا المشمسة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما يعلن في غضون بضعة أيام، برلمان كتالونيا الإقليمي استقلال كتالونيا، بعد 500 عام من التاريخ المشترك مع إسبانيا. وبعد ساعات قليلة، ربما ترد الحكومة الإسبانية بإرسال الآلاف من قوات الشرطة لاحتجاز كبار المسؤولين في كتالونيا، وإنهاء أربعين عاماً من الحكم الذاتي المزدهر. وفي المقابل، ربما ينزل أهل كتالونيا إلى الشوارع، فتشتعل شرارة ثورة مخيفة العواقب.

للوهلة الأولى، ربما تبدو فكرة انزلاق إسبانيا إلى الفوضى محيرة. إذ إن البلاد تحتل مرتبة متقدمة بين أفضل الديمقراطيات أداءً في العالَم، قبل فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة وفقاً لبعض المؤشرات. وهي واحد من المقاصد المفضلة للمستثمرين والسياح في مختلف أنحاء العالَم. بعد نزهة في شوارع برشلونة الرائعة الساحرة، يبدو احتمال وقوع اشتباكات عنيفة هناك بعيداً للغاية، كاحتمال مصادفة غوريلا في غابات كولومبيا البريطانية.

بيد أن وقوع مواجهة بدنية بين السلطات الإسبانية وقوات التمرد الكتالونية نتيجة محتملة، ما لم تغير قوى فاعلة رئيسية مسار عملها. ولكن ليس لدى أي من هذه القوى الحافز الكافي للقيام بهذا. وكمثل جيمس دين وباز في فيلم «متمرد بلا قضية»، تقود كل من الحكومتين الإسبانية والكتالونية سيارتها بسرعة شديدة إلى الهاوية، وكل منهما تتوقع أن تقفز الأخرى أولاً.

تفترض الحكومة الإسبانية أن البرلمان الكتالوني لن يجرؤ على إعلان الاستقلال من جانب واحد، لأن هذه الخطوة لن تحظى بأي اعتراف دولي. والحكومة الكتالونية على ثقة من أن أي رد قمعي من قِبَل السلطات الإسبانية يحيي الصور التي شاهدها العالَم خلال الاستفتاء في الأول من أكتوبر لقوات الشرطة وهي تضرب النسوة العجائز والمراهقين غير المسلحين من شأنه أن يمهد الطريق أمام حركة التمرد السلمية داخل كتالونيا والقبول الدولي واسع النطاق للحركة.

بالإضافة إلى هذا، تتمتع كل من الحكومتين بدعم شعبي قوي. فبوسع حزب الشعب المحافظ الحاكم في مدريد أن يفوز بسهولة في أي انتخابات وطنية من دون التودد للناخبين في كتالونيا، حيث حصل على 11% فقط من الأصوات في عام 2015. وعلى نحو مماثل، بوسع الأحزاب الانفصالية أن تتمكن بسهولة من تأمين الأغلبية في البرلمان الكتالوني. وبفضل السيطرة الحكومية على هيئات البث العامة وإعانات الدعم العامة السخية التي تقدمها للمنافذ الإعلامية الخاصة، يستطيع كل من الطرفين أن ينشر جيشاً جديراً بالثقة من الصحافيين والمفكرين الملهمين الذين تساهم تعليقاتهم المهيجة التحريضية في تصعيد النزاع.

الواقع أن الممثلين في هذه الدراما الإسبانية يواجهون ما يسميه علماء السياسة معضلة اجتماعية: فكل من الجانبين قادر على تحقيق مكاسب من سلوكه الأناني ما لم يتصرف الجانب الآخر أيضاً بأنانية، وفي هذه الحالة يخسر الجانبان.

وكل من الجانبين الاتحادي والانفصالي قد يُصبِح في حال أفضل في ظل ثاني أفضل حل. على سبيل المثال، بوسع الانفصاليين أن يعلنوا التخلي عن إعلان الاستقلال من جانب واحد في مقابل إجراء محادثات حول الإصلاحات الدستورية الكفيلة بدفع إسبانيا في اتجاه فيدرالي. فالتعديل الدستوري الذي يسمح بتغيير رمزي مثل إعلان كتالونيا رسمياً «أمة»، أو الدفع بمبادرات ملموسة مثل عقد ميثاق مالي، من شأنه أن يرضي أغلب أهل كتالونيا في حين يحافظ على سلامة أراضي إسبانيا.

المشكلة هي أن كلاً من الجانبين يعتقد أن إظهار الرغبة في التوصل إلى تسوية من شأنه أن يضعف موقفه التفاوضي في المستقبل. غير أن البحوث في العلوم السياسية تشير إلى أن العكس ربما يكون هو الصحيح. فمن خلال رؤى إلينور أوستروم الحائزة جائزة نوبل، صرنا نعلم أن المعضلات الاجتماعية يمكن حلها باستخدام استراتيجية معكوسة: العطاء بدلاً من المطالبة. فإذا أبدى أحد الأطراف سلوكاً تعاونياً، فسوف يشعر منافسه بأنه ملزم بالرد بالمثل، فيقودنا هذا إلى سلسلة من التعاون وليس الانتقام، والثقة في محل الشك.

هذا هو المطلوب الآن في كتالونيا. ويتعين على القائمين على الحكومة الإسبانية والانفصاليين في كتالونيا أن يعترفوا بأنهم إذا تصرفوا بقدر معقول من السخاء، فربما يستجيب الجانب الآخر بالمزيد من التنازلات.

لن يكون الأمر سهلاً، نظراً للانقطاع الفكري الحالي بين النخب في مدريد وبرشلونة. ولكن يتعين عليهم رغم ذلك أن ينتبهوا إلى الكيفية التي يهدد بها سلوكهم الرفاهة التي اكتسبها بشق الأنفس الملايين من الإسبان، بعد أربعة عقود من الديمقراطية الناجحة. وفي إسبانيا المشمسة، لا بد أن يكون الضوء دوماً عند نهاية النفق.

* أستاذ مشارك في جامعة غوتنبرغ

Email