التغيّر المناخي وخطره على كوكبنا

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

وفقاً لدراسة أجريت مؤخراً من قبل تاما أ. كارلتون من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، فإن حالات الانتحار بين المزارعين الهنود ازدادت مع ارتفاع درجات الحرارة، أي أن الزيادة بمقدار درجة مئوية واحدة فوق متوسط درجة الحرارة في يوم معين ترتبط بحوالي 70 حالة انتحار إضافية في المتوسط.

وفضلاً عن فضح السياسات الزراعية الفاشلة فإن الاضطراب الذي يسببه الجفاف لهذا العام يؤكد أيضاً أن التهديد الذي يشكله تغير المناخ لا يقتصر على الهند بل على جميع البلدان ومع ارتفاع درجات الحرارة العالمية وحالات الجفاف تصبح أكثر شيوعاً .

فإن من المرجح أن يتبع ذلك التحريض السياسي والاضطرابات الاجتماعية وحتى العنف، وفي عام 2008، عندما قللت الأنواء المناخية من إمدادات الحبوب في العالم وأدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية شهدت بلدان تمتد من المغرب إلى إندونيسيا اضطرابات اجتماعية وسياسية ومؤخراً تم استخدام انعدام الأمن الغذائي كسلاح في الحروب في اليمن وسوريا.

ووفقاً لمركز المناخ والأمن، فإن الفشل في معالجة مثل هذه «المخاطر الناجمة عن المناخ» يمكنه أن يؤدي إلى زيادة القتال على المياه والغذاء والطاقة والأراضي ولا سيما في المناطق غير المستقرة بالفعل. يحدد «مركز المناخ والأمن» اثنتي عشرة من المناطق الساخنة حيث يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى إشعال أو تفاقم الصراعات التي يمكن أن تجتاح أعداداً كبيرة من السكان وتمتد عبر الحدود الوطنية.

وليس بمحض الصدفة أن الصراعات تنتشر جنباً إلى جنب مع ارتفاع درجات الحرارة حيث قدرت دراسة أجريت عام 2013 أن العنف بين الأفراد يرتفع بنسبة 4 في المئة والصراعات بين المجموعات ترتفع بنسبة 14 في المئة «لكل تغير واحد من الانحراف المعياري في المناخ نحو درجات حرارة أكثر دفئاً أو هطول أمطار أكثر غزارة».

وعلاوة على ذلك فقد أظهرت الدراسات النفسية أنه عندما يتعرض الناس بشكل غير مريح إلى درجات الحرارة الساخنة فإنهم يظهرون مستويات متزايدة من العدوانية، حيث وجدت الأبحاث الحديثة أن ما هو صحيح بالنسبة للفرد ينطبق أيضاً على السكان.

لقد وجد الباحثون في أفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى ارتباطاً قوياً بين ثلاثة عقود من ارتفاع درجات الحرارة وتفشي الحرب الأهلية وإذا استمرت اتجاهات الاحترار، فإن الحروب الأهلية وغيرها من الصراعات ستصبح أكثر شيوعاً في أفريقيا وبحر الصين الجنوبي والقطب الشمالي وأميركا الوسطى وغيرها وسيتطلب لتجنب هذه النتائج تجديد الدعم للمعاهدات متعددة الأطراف مثل اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 التي أصابها الضعف بسبب انسحاب الولايات المتحدة منها ولكن سيتطلب ذلك أيضاً زيادة مشاركة البلدان والمدن والصناعات في ثلاثة مجالات رئيسية وهي: إدارة الموارد والتخفيف من حدة الكوارث والهجرة.

تؤثر الإنتاجية الزراعية في المجتمعات الزراعية إلى حد كبير على الاقتصاد بأكمله، وكما رأينا في القرن الأفريقي والهند هذا العام فإن التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار يمكن أن تقلل من غلة المحاصيل، وبالتالي الدخل الريفي، وقد تلجأ المجتمعات المحلية في ظل هذه الظروف وفي غياب فرص اقتصادية أخرى إلى العنف عندما تتنافس على الغذاء والموارد الشحيحة.

وينبغي أن تتجاوز منظمات المعونة الدولية التي تعمل مع حكومات الولايات والحكومات الفيدرالية معالجة الأسباب المباشرة للفقر وأن تضع أيضاً استراتيجيات طويلة الأجل لمساعدة المجتمعات الزراعية على البقاء والاستمرار على الرغم من المحاصيل السيئة، وينبغي أن تركز هذه الاستراتيجيات على إدارة الأراضي الصالحة للزراعة وحفظ المياه وغيرها من المجالات.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى استراتيجيات جديدة لتنسيق جهود الإغاثة في حالات الكوارث، حيث تزداد الكوارث المناخية المرتبطة بتغير المناخ مثل الفيضانات والأعاصير والانهيارات الأرضية من حيث الحدة وعدد مرات حصولها ومدتها، ما يقوض سبل العيش للأفراد والاقتصاد بشكل عام. ويجب على الحكومات العمل معاً للتخفيف من هذه المخاطر والاستجابة بقوة للكوارث عندما تحدث وإلا ستضر هذه التداعيات بالمجتمعات الفقيرة والضعيفة بشكل غير متناسب مما يديم دائرة الفقر والعنف.

وأخيراً، نحتاج إلى سياسات أفضل لإدارة الهجرة البشرية ويرتبط معظمها بالطقس القاسي والجفاف حيث بلغ عدد المهاجرين الدوليين في عام 2015 رقماً قياسياً بلغ 244 مليوناً ومع تغير المناخ، يمكن أن تصبح مناطق بأكملها غير صالحة للسكن وسيجري اقتلاع عدد أكبر من الناس من مناطقهم فعلى سبيل المثال، يمكن أن تصبح أجزاء من الشرق الأوسط حارة جداً للبشر بحلول نهاية هذا القرن.

وقد تشهد المدن كثيفة السكان مثل نيودلهي درجات حرارة تزيد على 95 درجة فهرنهايت (35 درجة مئوية) لفترة تصل إلى 200 يوم في السنة وتخشى المنظمة الدولية للهجرة من أنه كلما هرب المزيد من الناس من الحرارة، فإن تركيز البشرية في مساحات أصغر سيكون له تأثير غير مسبوق على «القدرة على الاستيعاب» محلياً.

تظاهر المزارعون في الهند بعد تعرض محاصيلهم لأسوأ جفاف خلال 140 عاماً، وفي مظاهرة احتجاجية في ماديا براديش هذا الصيف، فتحت الشرطة النار على المزارعين المطالبين بتخفيف الديون وتحسين أسعار المحاصيل ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. أما في تاميل نادو فقد قام المزارعون الغاضبون باحتجاجات مماثلة وأضاؤوا الشموع في ذكرى القتلى وحملوا جماجم بشرية في إحدى تظاهرات نيودلهي .

حيث ذكروا أن تلك الجماجم تعود للمزارعين الذين انتحروا بعد الخسائر المدمرة في المحاصيل خلال الأشهر الستة الماضية.

يتفق العلماء على أن تغير المناخ يشكل خطراً جسيماً على كوكبنا ولكن لسبب ما، لم يربط السياسيون والمسؤولون الحكوميون بين تغير المناخ والصراعات بين البشر، علماً أن من بين التهديدات الكثيرة المرتبطة بتغير المناخ، قد يكون التدهور في الأمن العالمي هو الأكثر إثارة للخوف. إن من السيئ أن نرى المزارعين يحملون الجماجم في شوارع الهند، ولكن إذا لم نصبح أكثر جدية بشأن المخاطر الأمنية التي يتسبب بها المناخ فقد نرى ما هو أسوأ من ذلك بكثير.

* زميل مؤسسة اسبن نيو فويسز وهو مساعد باحث للسياسات في مؤسسة راند ومرشح للدكتوراه في مدرسة باردي راند العليا.

 

Email