تدابير دعم النظام المالي العالمي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أَكَّد صناع السياسات في الأسابيع الأخيرة، على ضفتي الأطلسي أن النظام المالي سليم ومستقر. ففي يونيو، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن كل البنوك الأميركية اجتازت أحدث اختبارات الإجهاد السنوية.

والآن، تقترح رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جانيت يلين أننا قد لا نشهد أزمة مالية أخرى «خلال سنوات حياتنا». وفي الوقت نفسه، أعلن مجلس الاستقرار المالي ــ الذي يتولى مراقبة الممارسات التنظيمية في مختلف أنحاء العالَم لضمان تلبية المعايير المتفق عليها عالمياً ــ في رسالة إلى قادة مجموعة العشرين، أن «الأشكال السامة من الظِل المصرفي» يجري الآن القضاء عليها.

باختصار، لا شك في أن التدابير الجارية لدعم النظام المالي العالمي أتت ثمارها، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتعزيز الاحتياطيات الرأسمالية وتنظيف دفاتر الميزانيات العمومية في أجزاء مهمة من النظام المصرفي. الواقع أن أحدث التأكيدات من قِبَل صناع السياسات كانت مطمئنة لأولئك منا الذين يشعرون بالقلق لأنهم يرون أن الجهود المبذولة لا تكفي للحد من المخاطر المالية الجهازية وضمان خدمة البنوك للاقتصاد الحقيقي، بدلاً من تهديد رفاهته.

من السابق للأوان مع ذلك أن نعطي النظام المالي ككل شهادة صحية نظيفة. فلا تزال الجهود الرامية إلى دعم القطاع المصرفي في بعض أنحاء أوروبا متخلفة عن الركب. والأمر الأكثر أهمية هو أن المخاطر المالية استمرت في الهجرة إلى الأنشطة غير المصرفية.

بعد أن كاد خوض المجازفات غير المسؤولة يدفع الاقتصاد العالمي إلى سنوات عديدة من الكساد في الفترة 2007-2008، أطلقت الهيئات التنظيمية والبنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة جهوداً كبرى لتعزيز أنظمتها المالية. ولتحقيق هذه الغاية، ركزت هذه الهيئات في مستهل الأمر على البنوك، التي عملت منذ ذلك الحين على تعزيز وسائد رأس المال القادرة على استيعاب المخاطر، وتنظيف دفاتر الميزانيات العمومية الغامضة، وزيادة السيولة، وتعزيز الشفافية، وتضييق نطاق الأنشطة الشديدة الخطورة، وإعادة تنظيم الحوافز الداخلية جزئياً لتثبيط السلوك المتهور. وعلاوة على ذلك، تحسنت عملية حل البنوك المتعثرة والفاشلة.

وبالإضافة إلى تعزيز القطاع المصرفي، أحرز صناع السياسات أيضاً تقدماً نحو توحيد أسواق المشتقات المالية وجعلها أكثر قوة وشفافية، مما يقلل أيضاً من مخاطر إنقاذ المؤسسات غير المسؤولة بالاستعانة بأموال دافعي الضرائب في المستقبل. وعلاوة على ذلك، أصبح نظام المدفوعات والتسوية أكثر أماناً، الأمر الذي ساعد بالتالي في الحد من خطر «التوقف المفاجئ» للنشاط الاقتصادي، كما حدث في الربع الرابع من عام 2008.

وكان من المشجع أن تقوم السلطات الوطنية بتنسيق جهودها تحت رعاية مجلس الاستقرار المالي. وأسفر التنسيق الأفضل عن الحد من مخاطر المراجحة التنظيمية، ومعالجة التهديد المتمثل في تحول البنوك إلى كيانات «دولية في حياتها ووطنية في مماتها»، على حد تعبير محافظ بنك إنجلترا السابق ميرفين كينغ.

حملت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لواء الريادة في مجال الإصلاح، وكانت أوروبا حريصة على اللحاق بالركب. وإذا افترضنا أنها فعلت، كما يعتزم صناع السياسات هناك، فإن تعهد يلين بإقامة نظام مصرفي «أقوى كثيرا» في الولايات المتحدة ينطبق على كل الولايات المصرفية المهمة نظامياً في العالَم المتقدم أيضاً. وسوف يحظى تأكيد مجلس الاستقرار المالي الواثق بأن «الإصلاحات نجحت في علاج خطوط الصدع التي أحدثت الأزمة المالية العالمية» بقدر أكبر من الدعم. ومع ذلك، من المبكر للغاية إعلان الانتصار الآن. فبرغم أن مجلس الاستقرار المالية يصف النظام المالي بأنه «أكثر أماناً وبساطة وعدالة»، فإنه يعترف أيضاً «بالمخاطر الناشئة التي قد تقوض هدف مجموعة العشرين المتمثل في تحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن، إذا تركت دون أن يتصدى لها أحد». وبوصفي مراقباً ومشاركاً في أسواق رأس المال العالمية، أستطيع أن أتبين ثلاثة من هذه المخاطر.

فأولاً، مع توقف بعض البنوك الخاضعة لتنظيم دقيق عن ممارسة بعض الأنشطة، سواء طواعية أو غير ذلك، استعيض عنها بمؤسسات غير مصرفية غير خاضعة لنفس المعايير الإشرافية والتنظيمية.

وثانياً، باتت بعض أقسام النظام غير المصرفي الآن واقعة تحت سيطرة «وهم السيولة»، حيث تنطوي بعض المنتجات على خطر الإفراط في وعد السيولة التي يمكنها تقديمها للعملاء المتعاملين في بعض المجالات ــ مثل سندات الشركات العالية العائد في الأسواق الناشئة ــ المعرضة بشكل خاص لخطر تقلبات السوق. وفي الوقت نفسه، تكاثرت الصناديق المتداولة في البورصة، في حين تقلصت الوساطات المالية نسبة إلى المستخدمين النهائيين الأكثر حجماً وتعقيداً.

وثالثاً، لم يستشعر النظام المالي بعد التأثير الكامل للتغيرات التكنولوجية المربكة التي تتغذى على البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وحرية التنقل، ويعمل هذا بالفعل على قلب عدد متزايد من القطاعات الراسخة رأساً على عقب. وتفتقر أنشطة التكنولوجيا المالية التي توسعت أخيراً إلى القدر الكافي من التنظيم، ولم تُختَبَر بعد في إطار دورة سوقية كاملة.

من المؤكد أن أزمة مالية جهازية أخرى تهدد النمو والازدهار الاقتصادي في مختلف أنحاء العالَم من غير المرجح أن تنشأ في النظام المصرفي. ولكن من السابق للأوان التأكيد على أننا تجاوزنا كل المخاطر التي تواجه النظام المالي.

ولأن المخاطر تحولت ــ وهاجرت إلى خارج النظام المصرفي ــ فسوف يضطر القائمون على التنظيم والإشراف إلى تكثيف جهودهم وتوسيع نطاق تركيزهم بحيث يتجاوز البنوك. فكما أشار جريغ إب من صحيفة وال ستريت جورنال في عام 2015، «ربما يكون إخراج المخاطر من الاقتصاد قسراً أشبه بالضغط على فِراش من ماء، حيث تعود المخاطر إلى الظهور في مكان آخر. وعلى هذا فإن الأمر يسير جنباً إلى جنب مع الجهود الرامية إلى جعل النظام المالي أكثر أماناً منذ اندلاع الأزمة المالية».

* كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز

Email