الذكاء والتعامل مع البيئات الاجتماعية المعقدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثبت علماء النفس التطوري أن المهارات الإدراكية والمعرفية التي يمتلكها صغار الأطفال من البشر تماثل تلك التي تتمتع بها حيوانات الشمبانزي والأورانجوتان البالغة، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع العالَم المادي (على سبيل المثال الذاكرة المكانية واستخدام الأدوات).

أما إذا تحدثنا عن الإدراك الاجتماعي (مثل تقليد الآخرين أو فهم النوايا والمقاصد)، فإن عقول صِغار الأطفال متطورة بشكل أكبر كثيراً.

ونلاحظ نفس الفجوة في كل من مهارات الاتصال والتعاون. فلم تصمد تحت الفحص والتدقيق الادعاءات المبالغ فيها حول إنتاج القِرَدة العليا للغة: صحيح أن الحيوانات قادرة على تعلم معاني الإشارات والربط بين تركيبات بسيطة من الكلمات، ولكنها لا تستطيع إتقان بناء الجملة. وتُظهِر التجارب أن القِرَدة العليا تتعاون بقدر أقل كثيراً من السهولة مقارنة بالبشر.

مؤخراً، نجحت جهود مضنية في تخصصات متعددة في التوصل إلى حل لهذا اللغز التطوري القديم قِدَم الأزل. فقد تبين أن الخصائص الأكثر استثنائية التي يتسم بها نوعنا - الذكاء، واللغة، والتعاون، والتكنولوجيا - لم تتطور بوصفها استجابات تكيفية لظروف خارجية. بل إن البشر مخلوقات من صُنع ذواتها، فهي تتمتع بعقول لم تُبنّ للثقافة فحسب، بل وأيضا بالثقافة. بعبارة أخرى، عملت الثقافة على تحويل هيئة العملية التطورية.

و تكشف الأبحاث عن روابط قوية بين التعقيد السلوكي وحجم الدماغ ، ويكاد يكون من المؤكد أن عملية انتقاء الذكاء المرتفع تستمد من مصادر متعددة، ولكن دراسات حديثة تشير ضمناً إلى أن انتقاء الذكاء للتعامل مع البيئات الاجتماعية المعقدة أعقبه انتقاء أكثر تقييداً للذكاء الثقافي .

* أستاذ علم الأحياء السلوكي والتطوري في جامعة سانت أندروز

Email