تعزيز النمو الاقتصادي في أميركا اللاتينية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من المتوقع أن تخرج أميركا اللاتينية من الركود هذا العام. ولكن لا ينبغي للمنطقة أن تُفرِط في التفاؤل. فعلى الرغم من انتعاش النمو الاقتصادي، يظل أقل من 2% في المتوسط. وفي بيئة عالمية مبتلاة بعدم اليقين، لا يميل ميزان المخاطر لصالح أميركا اللاتينية.

الواقع أن اقتصاد المنطقة شديد الحساسية للتطورات العالمية. ففي العقود المنصرمة، عملت الرياح المواتية التي هبت من الخارج على تعزيز معدلات النمو المرتفعة؛ والآن تعرقل الرياح غير المواتية الخارجية النمو للعام الثاني على التوالي، حتى أصبح أداء أميركا اللاتينية أضعف من أداء أي منطقة ناشئة أخرى.

غير أن عام 2017 سيكون أفضل من عام 2016 عندما عانى الأداء الاقتصادي نتيجة للتباطؤ في الصين والتعافي الهزيل في أغلب الاقتصادات المتقدمة. وقد تسببت المخاوف من استمرار تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين في خلق موجات صدمة في الأسواق المالية العالمية دفعت أسعار السلع الأساسية وأسعار الأصول إلى الانخفاض في الأسواق الناشئة. وفي حين تبددت مخاوف المستثمرين بعض الشيء مع استقرار اقتصاد الصين على مدار العام، فقد استمر رأس المال في الهروب من الأسواق الناشئة إلى ملاذات أكثر أماناً.

ثم تسبب الاستفتاء لصالح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في يونيو، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر، في خلق المزيد من عدم اليقين وتقلبات السوق. وزادت الديناميكيات المتغيرة في الاقتصاد العالمي من تكلفة التمويل الخارجي. ومع تراجع قيمة عملات دول أميركا اللاتينية، لم تعد حساباتها الخارجية والمالية قادرة على التحمل، وضاق الحيز المتاح لاتخاذ تدابير التحفيز في مواجهة التقلبات الدورية.

ولكن المنطقة غير متجانسة إلى حد كبير، فكانت شِدة الصدمات الخارجية في عام 2016 متفاوتة، اعتماداً على مدى تعرض الدول واستجاباتها السياسية. فقد شهدت بعض الدول صدمات اقتصادية شديدة بشكل غير متوقع. فانزلقت الأرجنتين والإكوادور إلى الركود، في حين ازدادت حدة الركود في البرازيل وفنزويلا. ولكن دولاً أخرى في أميركا اللاتينية استمرت في النمو، وإن كان ذلك بوتيرة مخيبة للآمال.

وفي غضون كل هذا، عانت أسواق العمل: فارتفعت معدلات البطالة وتدهورت نوعية العمل. واضطر عدد أكبر من العمال إلى اللجوء إلى العمل في وظائف غير رسمية أو العمل الحر، وانخفضت الأجور الحقيقة، نظرا لارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملات، وبعض الصدمات الغريبة على جانب العرض. وفي الأرجح، تزايدت أعداد أولئك الذين يعيشون في فقر مع انحدار القوة الشرائية للأسر.

ولكن عام 2016 لم يكن كله سيئاً. فمع تقدم العام، بدأت اختلالات توازن الاقتصاد الكلي تنحسر. وبحلول الربع الثالث، انخفض معدل التضخم في العديد من الدول، وخاصة تلك التي حددت أهداف تضخم، وأوشك الركود في البرازيل والإكوادور على بلوغ منتهاه. وعلاوة على ذلك، استمر عجز الحساب الجاري في العديد من الدول في التراجع، وإن كان هذا يعكس انكماش الواردات، وليس نمو الصادرات، في الأغلب.

وللحفاظ على المكاسب الاجتماعية الملحوظة التي تحققت في العقد الأول من هذا القرن والبناء عليها، تحتاج أميركا اللاتينية إلى نمو أقوى وأكثر استدامة. ولهذا السبب ينبغي لقادة المنطقة أن ينظروا إلى ما هو أبعد من العوامل الدورية والخارجية، ومعالجة المشكلات البنيوية التي تحد من نمو الإنتاجية في الأمد البعيد.

لا يزال نصف سكان أميركا اللاتينية يزاولون أعمالاً غير رسمية ويؤدون مهاماً منخفضة الإنتاجية. وقد جعل هذا المنطقة محاصرة في حلقة مفرغة: فالشركات المنتجة عاجزة عن التوسع بسبب الافتقار إلى الموارد البشرية والمالية. وعندما لا تنمو الشركات المنتجة، يعجز المعروض من الوظائف المجزية عن ملاحقة الطلب عليها، وهو ما من شأنه أن يرغم العاملين على اللجوء إلى الاقتصاد غير الرسمي، وتستمر الدورة.

تشير دراسة حديثة أجراها بنك أميركا اللاتينية للتنمية (CAF) إلى أن أعداداً قليلة للغاية من السكان في سن العمل في أميركا اللاتينية (وهي الشريحة التي تشمل 67% من إجمالي السكان) يمتلكون المهارات التي تحتاج إليها سوق العمل؛ وأن جزءاً صغيراً فقط من العاملين لحسابهم الخاص يملكون المهارات المطلوبة لكي يتحولوا إلى أصحاب أعمال ناجحين. ومثلهم كمثل أغلب العاملين، يميل أولئك الذين يديرون أعمالهم الخاصة إلى البقاء في الاقتصاد غير الرسمي، حيث يحظون بفرصة ضئيلة لإنشاء شركات عالية الإنتاجية وقادرة على النمو بسرعة.

تفرض الموارد غير الموظفة بشكل جيد عبئاً ثقيلاً على كاهل النمو في أميركا اللاتينية. فلا يزال قدر كبير من رؤوس الأموال والعمالة عالقاً في قطاعات منخفضة الإنتاجية، ولا يتبقى القدر الكافي للشركات والأنشطة الأكثر إنتاجية. ولنتخيل فقط إلى أي مدى قد تعاني الإنتاجية عندما يؤدي نصف السكان أعمالاً روتينية بعيدة عن حدود التكنولوجيا، ثم لنتخيل إلى أي مدى قد تعاني أيضاً عندما يكون مستوى الإبداع والتكيف التكنولوجي والانتشار أدنى كثيراً من أن يحرك هذه الحدود.

ولكسر هذه الحلقة المفرغة، تحتاج بلدان أميركا اللاتينية إلى إغلاق ثغرات البنية الأساسية، وتحسين القدرة على الوصول إلى الائتمان، وتعزيز قدرات الدولة، وخفض الحواجز المؤسسية التي تعوق عملية تخصيص الموارد والإبداع. ولكن لعل الأمر الأكثر أهمية هو أنها تحتاج إلى تحسين مؤهلات ومهارات عمالها.

الآن يبدو أن العولمة توشك على التوقف التام، وتكاد التجارة الدولية تفقد زخمها، ولا يجوز لأميركا اللاتينية أن تعتمد على النمو العالمي لتعزيز أدائها الاقتصادي. بل يتعين عليها بدلاً من ذلك أن تنظر إلى الداخل، من خلال اغتنام فرص التجارة الإقليمية وتعزيز رأسمالها البشري.

* مديرة دراسات الاقتصاد الكلي لدى بنك أميركا اللاتينية للتنمية (CAF).

Ⅶأدريانا أريازا *

Email