تمثال تشرشل ومسألة العقلانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المؤكد أن الادارة الاميركية التي ترسم السياسات الاستراتيجية الكبرى تترك تأثيراتها وتحولاتها على مستوى العالم المترامي الاطراف، لكن القضايا التي تتمحور بشأنها هذه التحولات يمكن أن تبدو سخيفة بشكل كبير مثل مسألة التمثال النصفي لونستون تشرشل.

إن هذا التمثال البرونزي لرئيس الوزراء البريطاني تشرشل موجود في البيت الأبيض منذ الستينيات. قام باراك أوباما باستبداله بتمثال نصفي لأبراهام لنكولن، لقد تعهد ميت رومني منافسه الجمهوري بإعادته في حالة فوزه، ولاحقاً قال متحدث باسم البيت الأبيض إن التمثال النصفي مازال في نفس المكان ولكن في غرفة مختلفة، ولكن القصة اختلفت مرة أخرى .

حيث يبدو أنه كان هناك تمثالان نصفيان لتشرشل، أحداها مازال في البيت الأبيض والآخر أعاده أوباما للسفارة البريطانية، علماً أن توني بلير هو الذي قدم التمثال الثاني لتشرشل إلى جورج بوش الابن.

لقد كان عند تشرشل وروزفلت خلال الحرب العالمية فكرة مشتركة، وهي أنه عندما تتم هزيمة ألمانيا واليابان، فإن القوات البريطانية والأميركية يجب أن تتصرف كشرطي عالمي. لقد كانوا يؤمنون بأن العالم سوف يكون آمناً من الهتلريين المستقبليين أو على الأقل لبعض الوقت، وذلك تحت ظل القيادة المستنيرة للشعوب الديمقراطية الناطقة باللغة الإنجليزية.

لقد أصبح تشرشل بعبارة أخرى رمزاً للكبرياء والغطرسة الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية وحتى لو كانت «العلاقة الخاصة» ترمز إلى الانحدار البريطاني.

الناس عادة ما ينسون أن قصيدة روديارد كبلينغ الشهيرة عن «عبء الرجل الأبيض» لم تكن تتغنى بالإمبرطورية البريطانية بل بالمشروع الاستعماري الأميركي في الفلبين، وعليه عندما قرر أوباما إزالة تمثال تشرشل النصفي من مكتبه سنة 2008 شعرت بأن هذه البادرة تنم عن العقلانية والمنطقية، فالتخفيف من الغطرسة سوف يفيد الولايات المتحدة الأميركية والعالم.

* أستاذ في الديمقراطية وحقوق الإنسان في كلية بارد

أيان بوروما*

Email