أهداف التنمية المستدامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقرّت الأمم المتحدة في قمّة الألفيّة عام 2000 «الأهداف الإنمائيّة للألفيّة Millenium Development Goals» بغية الوصول بعد 15 عاماً إلى القضاء على الفقر المدقع والجوع وتعميم التعليم وتعزيز المساواة بين الجنسين وتقليل وفيّات الأطفال والاستدامة البيئيّة وغير ذلك من الأمور الأساسيّة. إلاّ أنّ هذه الأهداف الموثّقة بغايات ومؤشّرات كميّة لم تتحقّق بالرغم من كلّ الزخم والاهتمام الذي أخذه هذا الموضوع.

وفي 2012 جاء مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة في ريو دي جانيرو (التي سميت ريو 20) كي يطرح صعوبات التوفيق بين النموّ الاقتصادي والتنمية المستدامة. فانطلق عام 2013 العمل على «أهداف التنميّة المستدامة Sustainable Development Goals»، التي اعتمدت الجمعيّة العامّة في سبتمبر 2014 أسسها كأجندة عالميّة تؤطّر جهود التنمية للسنين الخمس عشرة التالية.

هنا أيضاً تمّ وضع غايات ومؤشّرات لما يجب الوصول إليه، ولكن بشكلٍ يشمل مواضيع أكثر تتضمّن الأمن الغذائيّ والزراعة المستدامة والولوج إلى التعليم لكلّ الأعمار وتمكين النساء والإدارة المستدامة للمياه وتأمين الوصول إلى الطاقة والنموّ الاقتصادي والتشغيل المُنتِج واللائق والبنى التحتيّة والتصنيع وتقليص عدم المساواة بين البلدان وجعل المدن أماكن عيش لائقة ومكافحة التغيير المناخي وحماية البحار وتطوير المجتمعات والمؤسسّات العامّة والتعاون الدولي للتنمية وغير ذلك. هكذا أضحت الأهداف 17 بدل 8، و«الغايات» 169 بدل 21، مع عددٍ كبير من المؤشرات الكميّة.

انبثقت هذه الصياغة الجديدة عن الأعمال النظريّة لأمارتيا سن ومارتا نوسباوم حول التنمية البشريّة، حيث الحريّة البشريّة هي هدف التنمية ووسيلتها. فالبشر الأحرار هم الذين يصنعون مصيرهم، عبر الحريات السياسية والاقتصادية والفرص الاجتماعيّة من خلال ضمانات الشفافيّة والحماية الاجتماعيّة. وحيث تتركّز آليّات التنمية على بناء القدرات البشريّة في الصحّة والطموح والترابط مع الآخرين وفي ضبط المحيط السياسي والبيئيّ.

إلاّ أنّ هذا المسار الأمميّ نحو التنمية، وإن حفل بالمؤشرات الموضوعيّة التي يُمكن أن تستقي منها الدول سياساتها، سيواجه صعوبات جمّة ليس فقط من جرّاء تعدّد هذه المؤشّرات بحدّ ذاته وإنّما أيضاً من واقع أنّ مواضيع التنمية تبقى محصورة في «صوامع silos» لا رابط وثيق بينها وبين مؤسساتها. هكذا يعمل برنامج الأغذية العالميّ في سياقٍ منفصل عن منظّمة الصحّة العالميّة وعن برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ. وتهتمّ سياسات تحرير تجارة السلع والشراكات بين الدول بشؤون لا تبحث عن الآثار المحتملة على العمل والبطالة أو على الزراعة وسبل إنتاجها.

بالتالي تمّ لدى كثيرين تبنّي «نهج الوشائج » للربط بين القطاعات والمؤسسات، انطلاقاً من أنّ عالمنا اليوم يتأسّس على مجموعة من القيم المشتركة، وأنّه منظومة واحدة معقّدة، تتفاعل ضمنه المنظومات والقضايا الفرعيّة بشكلٍ كبير، وأنّ هذا النهج هو السبيل الحقيقيّ للوصول إلى «الاقتصاد الأخضر»، ذلك الاقتصاد الذي يقلّص المخاطر البيئيّة ويحترم ندرة الموارد بشكلٍ مستدام على البشر والكون.

وهكذا توطّدت أوّل «وشيجة» تربط المياه والطاقة والأمن الغذائي، انخرطت فيها مراكز البحوث والدول والمؤسسات الدوليّة. الماء العذب يلعب الدور المركزيّ في هذه الوشيجة، فهو الحياة. وهو قابل للتجدّد إلاّ أنّ كثيراً من المناطق تعاني من شحّه وسوء استخدامه. أمّا الطاقة الأحفوريّة فهي غير متجدّدة، في حين تشكّل معظم الإنتاج.

أمّا الغذاء فهو ما يؤمّن خروج البشر من الفقر المدقع، وهذا هو الهدف الرئيس. يُستخدم الماء لإنتاج الطاقة. مثلاً لإنتاج الوقود الحيويّ، في حين يستهلك إنتاج الذرة التي يصنّع منها الإيثانول سعرات حراريّة تزيد عمّا سيتمّ إنتاجه. ويتوزّع استهلاك الطاقة بشكلٍ غير متوازن بين الدول، فالفرد في الدول الثريّة يستهلك منها عشر مرّات ما يستهلكه الفرد في الدول الفقيرة؛ ما يُمكِن أن يفتح مجالاً كبيراً للإنتاج والتشغيل إذا ما تمّت زيادة إنتاج الطاقة المستدامة في الدول النامية.

مع استمرار الجهد البحثيّ والمؤسساتي الدوليّ الحثيث للتقدّم في سبيل تعريف السياسات المثلى من أجل «أهداف التنمية المستدامة»، يبقى الجهد شديد التواضع على المستوى العربيّ. إذ ما زال حاضراً في الأذهان تقرير التنمية البشريّة العربيّ الأوّل، الذي نبّه إلى أوجه القصور الرئيسة فيما يخصّ الحريّات وتمكين المرأة والمعرفة والبنى المؤسساتيّة، ولكن دون أن يكون له أثرٌ يُذكر. وكان هذا التقرير الذي أحدث ضجّة إعلاميّة كبيرة قد صدر في 2002 أي قبل تسعة أعوام ممّا سمّي «الربيع العربيّ»، الذي يُرجع صدى ما تمّ لفت الانتباه إليه.

وفي ظلّ غياب دور للجامعة العربيّة أو للمؤسسات الإقليميّة الأخرى، تحاول اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا، التي تشمل بلدان المغرب العربي مع أنّها في إفريقيا!) لفت الأنظار إلى هذا الجهد الأمميّ وإلى ضرورة العمل على خصوصيّات وشيجة «المياه والطاقة والأمن الغذائي» في المنطقة العربيّة أو بذل الجهود على وشائج أخرى تطرح ترابط قضايا تنمويّة عربيّة.

 استضافت البحرين في مايو الماضي لقاء حول هذا الموضوع وكذلك بيروت. وجرى طرح أفكار وآراء. مثلاً أن يتمّ العمل على وشيجة تربط التشغيل بالحوكمة الإقليميّة وبالتنظيم العمراني والإقليميّ. كي تتمّ محاولة الإجابات ووضع السياسات التي تعالج مسألة أنّ أغلب سكّان المنطقة العربيّة أضحوا شباباً وأنّ لا فرص عمل حقيقيّة أمامهم، ما يجعل الاضطراب الاجتماعي حتميّاً، وأنّ أغلبهم يتكاثرون في مدن وضواح نمت سريعاً بشكلٍ غير منظّم، وأنّه لا يُمكن الاستفادة من قوّة عملهم فقط من خلال سياسات مركزيّة تضعها عواصم بعيدة تلتفت هي ذاتها إلى عولمة عابرة للقارات أكثر من أطراف البلاد الفقيرة.

لكن، كما هو الأمر دوماً، سيتمّ اعتماد «أهداف التنميّة المستدامة» أمميّاً. ولن تكون هناك نتيجة لجهد عربيّ يوضّح وشائج تنميته. وسيكتفي الجهد مستقبلاً بإصدار تقارير دوريّة تبيّن أين وصلت المؤشّرات... لكن فقط لقياس تنمية لا تتمّ حقّاً إدارتها المنظّمة... بانتظار ربيع أو خريف آخر.

 

* رئيس منتدى الاقتصاديين العرب

Email