الدكتور أحمد الفول خلال حواره مع «البيان الصحي»:

الأخطاء الغذائية الشائعة وراء إصابتنا بالأمراض المزمنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كشفت الدراسات الطبية الحديثة في السنوات الـ 10 الماضية أن هناك علاقة مباشرة بين الغذاء ونقص الهرمونات والالتهاب الصامت لأنسجة الجسم، وبين ظهور واستمرار الأمراض المزمنة المتعلقة بالتقدم في العمر كالسكري من النوع الثاني وكذلك أمراض شرايين القلب والمخ وحدوث البدانة والزهايمر والسرطان.

الدكتور أحمد الفول أخصائي طب وصحة المسنين ومكافحة الشيخوخة بمستشفى راشد في هيئة الصحة بدبي، فند خلال حوارنا معه، الكثير من الأشياء المتصلة بالغذاء وتحولاته داخل الجسم، والأمراض المرتبطة به، في وقت أكد وجود أخطاء شائعة في أنماط حياتنا الغذائية، وصورة ذهنية غير صحيحة، نتقبلها على أنها من المسلمات والبدهيات، رغم خطورتها على صحتنا العامة.

ومن الاكتشافات الحديثة، التي أشار إليها في بداية الحوار، سألنا الدكتور أحمد الفول، ما هو الأساس العلمي وراء حدوث الشيخوخة المرضية وكيف يمكن الاستفادة من الاكتشافات الحديثة للوصول إلى شيخوخة صحية وسعيدة ؟

ثبت أن مركز إنتاج الطاقة في كل خلية من خلايا الجسم الذي يسمى مايتة كوندريا يستطيع استخدام إما الجلوكوز أو الدهون لإنتاج الطاقة.

فإذا كان المصدر هو الجلوكوز كلما زاد إنتاج الأيونات المؤكسدة الحرة التي تؤثر بصورة سلبية على خلايا الجسم محدثة بذلك التهابا صامتا. وأما إن كان مصدر إنتاج الطاقة هو الدهون امتنع عن إنتاج الأيونات المؤكسدة الحرة وامتنع التأثير السلبي على الخلايا.

هل لدينا الخيار في أن توجيه مركز إنتاج الطاقة في الخلية لاستخدام الدهون بدلاً عن الجلوكوز؟

توجد 4 وسائل لتحريك ماكينة إنتاج الطاقة في الخلايا لاستخدام الدهون بدلاً من الجلوكوز. الأول هو الامتناع عن تناول المواد الكربوهيدراتية لما لها من آثار سلبية والثاني هو الصيام لمدة لا تقل عن 14 ساعة حيث يتم خلالها استهلاك مخزون الكربوهيدرات فلا تجد ماكينة الطاقة مجالاً إلا استخدام الدهون لإنتاج الطاقة ولتكن البداية من الامتناع عن الأكل 3 ساعات قبل النوم أي من التاسعة مساءً إلى 12 ظهراً تقريبا.

حيث إن مقولة أن وجبة الإفطار أهم وجبة في اليوم لا أساس علمي لها، ويكون نظام الصيام عادة وليس بالضرورة يومياً.

ولنبدأ بالتدريج، وأما الوسيلة الثالثة فهي ممارسة الرياضة حتى نسرع من عملية التخلص من مخزون الكربوهيدرات والوسيلة الرابعة والأهم هي أن ماكينة الطاقة لا تستطيع استخدام الدهون إلا إذا كان مستوى هرمون الغدة الدرقية في الأنسجة عند مستواه الطبيعي.

ما الفائدة المتوقعة من استخدام الدهون عوضاً عن الجلوكوز؟

فضلاً عن أن الإقلال من إنتاج الأيونات المؤكسدة الحرة التي تؤكسد خلايا الشرايين والمخ فإن خلايا السرطان لا تستطيع التغذي على الدهون، كما يمكننا الشفاء من السكري (النوع الثاني)، وأيضا منع الزهايمر والشفاء من أمراض شرايين القلب دون أدوية.

توصيات

ما علاقة تناول النشويات (السكريات) بظهور السكري (النوع الثاني) ؟

بينت الأبحاث الحديثة أن الجسم لا يستطيع استخدام سكر الفراكتوز في إنتاج الطاقة مثلما يستطيع إنتاجها من الجلوكوز. حيث تستطيع أي خلية حية على وجه الأرض استخدام الجلوكوز في إنتاج الطاقة. أي أن كل الكمية التي نتناولها من الفراكتوز سيحولها الكبد بصورة إجبارية إلى دهون تحت الظروف العادية وأن الخلايا لا تستطيع استخدام الفراكتوز في إنتاج الطاقة إلا في حالة واحدة وهي أثناء الصوم.

وهذا عكس القاعدة الخطأ التي تقول إن ما نأكله، للجسم الخيار أن يحرقه أو يخزنه وقد تبين عكس ذلك بالنسبة للفراكتوز الذي لا مجال للجسم أن يستخدمه أبداً في الظروف العادية لأنه سيتحول وبصورة إجبارية في الكبد إلى دهون. أي أن 55% من كوب عصير البرتقال الذي نتناوله والذي يتكون من فراكتوز 55% وجلوكوز 45% ما هو إلا نصف كوب من دهون على الأقل.

ومن المعروف أن السبب الأساسي في ظهور السكري النوع الثاني هو ما يسمى بمقاومة الأنسولين والتي تعني أن خلايا الجسم تفقد استجاباتها للأنسولين المتوفر بالفعل، فلا يستطيع الأنسولين إدخال سكر الجلوكوز إلى الخلايا فيترتب على ذلك ارتفاع نسبته في الدم. والجديد هو أنه تم معرفة سبب حدوث مقاومة الأنسولين.

ما هو سبب مقاومة الجسم للأنسولين؟

ثبت أن سكر الفراكتوز المتوفر في جل ما نتغذى عليه خلال الـ 100 عام المنصرمة يتحول في الكبد إلى نوع خطير من الأحماض الدهنية والتي تستطيع حجب الأنسولين عن خلايا الجسم وتفقده القدرة على القيام بوظيفته الأساسية، وهي إدخال الجلوكوز إلى الخلايا لإنتاج الطاقة.

وإذا فشل الأنسولين في وظيفته الأساسية فإنه يقوم بوظيفته الثانية وهي تحويل الجلوكوز المتجمع في الدم إلى دهون يتم تخزينها في منطقة البطن وتحت الجلد. أي أن كوب عصير البرتقال سيتحول بالكامل في الجسم إلى دهون هذا إذا كانت حساسية الجسم للأنسولين ضعيفة. وهذا ينطبق على عصير الفواكه بكل أنواعها وأيضاً السكر المستخلص من الذرة الذي يدخل في تكوين كل الأغذية المصنعة وبلا استثناء حتى الخبز.

وتعتبر دهون البطن بمثابة مصنع خطير لتصنيع الأيونات الحرة المؤكسدة وكذلك مصنع للمواد المثيرة للالتهابات الصامتة التي تؤثر على جميع أنسجة الجسم في سرية وببطء وبمرور الزمن محدثة المضاعفات المصاحبة للسكري، وذلك يحدث أيضا مع البدانة ولكن بوتيرة أقل خطورة.

معنى ذلك أن نمتنع عن أكل الفواكه؟

ليس هذا هو المقصود بل المقصود هو عصير الفواكه. لأن الفواكه الكاملة تحتوي على الألياف التي تحد من امتصاص الفراكتوز حيث يصل للكبد بصورة بطيئة تمكنه من التعامل مع الفراكتوز بصورة صحية. أما في حالة العصير فإن الكبد يصل إليه كمية هائلة من الفراكتوز لا يجد لها حلاً إلا تحويلها إلى دهون.

وقد تم إنتاج العصائر لأن الألياف تتعفن ويمكن الاحتفاظ بالعصائر لسنوات في المبردات لكن لا يمكن فعل ذلك مع الفواكه الكاملة. ولهذا بعد اقتصادي ولكنه ضار على الصحة. وتعتبر الألياف من مصادر الغذاء الأساسية للجسم لأن الجسم لا يستطيع إنتاج الألياف.

هل للفراكتوز مخاطر أخرى؟

نعم حيث يتفاعل الفركتوز مع بروتينات الجسم وبخاصة الموجودة في جدران الخلايا المبطنة للشرايين محدثا ما يسمى بالتفاعل البني، حيث يؤدي هذا التفاعل إلى تشابك البروتينات وتقليل مرونتها مؤدياً إلى انكماش جدران الخلايا فيترتب عليه خلق فجوات بين الخلايا بعضها البعض. وحدوث هذا الانكماش في الخلايا المبطنة للشرايين يسهل مرور الكولسترول المؤكسد خلالها من الدم إلى داخل جدران الشرايين محدثا تصلب الشرايين.

وأيضا يحدث هذا الانكماش في خلايا الذاكرة في المخ فيؤدي إلى صعوبة انتقال الإشارة العصبية بين الخلايا بعضها البعض مؤثراً على الذاكرة. وسر تسمية هذا التفاعل بالتفاعل البني يرجع إلى اللون البنى الفاتح الذي يتكون على سطح الخبز الفرنسي أثناء وجوده بالفرن نتيجة تفاعل الفراكتوز مع البروتين الموجود بالخبز تحت تأثير الحرارة. ونلاحظ في الخبز أن هذه الطبقة البنية تكون صلبة ومنحنية نتيجة لتصلبها وانكماشها.

وهذا هو ما يحدث بالتحديد في جدران الخلايا والتي منها أيضا خلايا الجلد محدثة علامات الشيخوخة في الجلد. ويتسبب هذا التفاعل البني في إفساد الأنسجة عند مرضى السكري وخاصة في الشرايين والكلى والعين والمخ مفسراً حدوث مضاعفات داء السكري.

هل يؤثر الفراكتوز على ضغط الدم ؟

يؤدي الفركتوز إلى ارتفاع ضغط الدم. فعندما يقوم الكبد بتحويل الفركتوز إلى دهون فإنه يستخدم كميات كبيرة من الطاقة والتي تسمى ثلاثي فوسفات الادينوزين التي هي مصدر الطاقة في أجسامنا محدثا هدراً كبيراً بها.

وبالطبع فإن الكبد يقوم بتعويض ما تم فقده من هذه المادة الهامة عن طريق عمليات كيميائية معقدة يكون نتيجتها إنتاج مادة حمض البوليك. وكنا نعتقد أن المصدر الوحيد لإنتاج حمض البوليك هو التمثيل الغذائي للبروتين ولكن تبين أن أحد نواتج التمثيل الغذائي للفراكتوز في الكبد هو إنتاج حمض البوليك.

وتظهر خطورة هذه المادة ليس فقط في إحداث داء الملوك ولكن وجد أنها أيضا تمنع إنتاج الموسع الطبيعي لشرايين الجسم والذي تفرزه الخلايا المبطنة للشرايين بصورة طبيعية والمسمى (بأكسيد النيتريك) والذي يلعب دوراً أساسياً في ارتخاء جدران الشرايين ويمنع ترسيب الكولسترول في جدرانها ويمنع حدوث تخثر الدم داخل الأوعية الدموية ويعمل أيضا كمضاد طبيعي للأكسدة.

وعدم إنتاج أوكسيد النيتريك بالقدر الطبيعي يساهم في ارتفاع ضغط الدم عند مرضى السكري، الذين مازالوا يتناولون النشويات بناءً على الروتين الغذائي لمرضى السكرى (النوع الثاني) فيجعلهم أكثر عرضة لحدوث الجلطات القلبية والدماغية وكذلك جلطات الساق التي قد تؤدي إلى البتر.

تأثير

هل الشخص الطبيعي يتضرر أيضاً من تأثير الفراكتوز؟

نعم تماما. فلما كانت إحدى أدوات تشخيص داء السكري هو قياس مستوى السكر التراكمي ( Hb A1c ) حيث إن المستوى الطبيعي يكون.5 أو أقل وإذا وصل إلى 6.5 أو أكثر فيعتبر الشخص مصاباً بالسكري.

والجديد هو أن مجموعة الأشخاص ممن يتواجدون في المنتصف في نسبة السكر التراكمي أي ما بين 4.5 و 6.5 لم يعودوا في أمان كما كان معتقداً حيث أثبتت الدراسات أن هذه المجموعة ما زالت عرضة لتصلب الشرايين، وليس هذا فحسب بل أنهم أيضا أكثر عرضة لظهور الزهايمر.

لأنه ليس بالضرورة أن كل من لديه جين الزهايمر انه حتماً سيصاب بالزهايمر. لذلك يجب أن يسعى الفرد لجعل درجة السكر التراكمي لديه حول 4.5 ومقياس السكر الصائم في الدم ( 85mg% ) ومستوى الأنسولين الصائم 4 أو أقل. لأن الزيادة عن ذلك تعني أن حساسية الجسم للأنسولين ضعيفة ويضطر الجسم لإنتاج كمية أكبر لمواجهة الجلوكوز في الدم.

هل كونك حاملاً لجين السكري أنه لابد وأن تصاب به؟

ليس بالضرورة. فهناك حقيقة علمية جديدة قد اكتشفها الطب تقول: إن كنت حاملاً لجين مرض ما مثل السكري (النوع الثاني) أو الزهايمر أو حتى جين الإصابة بنوع معين من السرطان فإن هذا الجين سيظل في حالة كمون وخمول إلى أن تتوفر له البيئة المساعدة في تنشيطه.

أي أن العوامل البيئية مثل طبيعة الطعام الذي يدخل الجسم وكذلك مستوى المجهود البدني المبذول واختلال مستوى الهرمونات هي التي تتحكم في تفعيل جينات الأمراض من عدمه.

Email