أمراض الضغط.. القاتل الصامت

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زالت الأوساط العلمية والطبية منشغلة بالتفكير في كيفية مواجهة أهم أمراض العصر الحديث والذي بات يعرف عالمياً بــ"القاتل الصامت" ونقصد هنا ارتفاع ضغط الدم الذي اتسع انتشاره وكثرت إشكالاته وتوسعت آفاق آثاره الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

ولم تخفف كثرة الحملات الإرشادية والأبحاث والدراسات وتنافس شركات الأدوية على تقديم العقاقير والبروتوكولات الدوائية من أصداء هذه المشكلة الصحية البارزة، ولم تستطع النظم والأجهزة الصحية المتعددة الإحاطة بجميع جوانب هذه الآفة المتفاقمة .

خصوصاً في الدول الصناعية وفكّ ارتباطاتها المتعددة بالآفات والأمراض الأخرى وبالأنماط الغذائية والظواهر الاجتماعية المستجدة كالضغط النفسي والقلق والخمول الجسدي وغيرها من إشكالات الحياة في عصرنا الجاري.

مخاطر

تكمن خطورة ارتفاع ضغط الدم في "صمته" الظاهري أي في عدم أو قلة أعراضه الظاهرة وفي كونه سبباً للكثير من الإشكالات والمضاعفات "القاتلة" كالجلطات الدموية وقصور القلب والسكتة الدماغية وحالات النزيف الدماغي والفشل الكلوي واعتلال الشبكية في العين وتلف الشرايين وغيرها.

كما تكمن خطورة هذا المرض أيضاً في عدم وجود سبب واضح ومحدد له إلا فيما يخص علاقته وارتباطاته المباشرة وغير المباشرة ببعض العوامل الوراثية وبعض الأنماط الغذائية والاجتماعية، وفي عدم توافر دواء شاف أو علاج نهائي يستطيع المريض بعده التخلي عن الأدوية والعقاقير.

لقد أجمعت الدراسات الحديثة على أن معظم الأشخاص في عصرنا الجاري وفي المستقبل سيتعرضون للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وأن غالبيتهم لم يعلموا بالإصابة إلا بعد الفحص الدوري أو الكشف الطبي الروتيني، وذلك لتحول أنماط الحياة الحديثة إلى أنماط استهلاكية يغلب عليها طابع التفريط والإفراط وتبنيها لأساليب غذائية واجتماعية مساعدة ومحفزة لظهور المرض.

ولقد ثبت علمياً أنه إذا لم تتم معالجة ارتفاع ضغط الدم فمن المؤكد أن تحدث بعد مدة تتفاوت بين حالة أخرى أو بين مريض وآخر، أضرار جسيمة في القلب والشرايين والأوعية الدموية بشكل عام والكلى والعيون، يمكن أن تؤدي إلى حالات معينة وبدرجات مختلفة من الخطورة تتراوح ما بين التلف والتمزق والتجلط والنزيف والاحتشاءات والذبحات في الأنسجة والأعضاء المحيطة.

نتائج

أما إذا اجتمعت آثار ونتائج ارتفاع ضغط الدم مع آثار ونتائج "شركائه" و"زملائه" من مجموعة "أمراض وآفات العصر الحديث" الأخرى كمرض السكري والسمنة وارتفاع نسب الدهون والكوليسترول في الدم والتدخين وأمراض القلب وغيرها، فإن الأضرار الجسيمة ستكون مضاعفة وشديدة التأثير وواسعة الانتشار، وستكون النتيجة الإجمالية قاتمة السواد!

لا يمكن مواجهة المشاكل الصحية والاجتماعية الناتجة عن انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم في المجتمعات الحديثة إلا بخطة شاملة تغطي كل المجالات التي يمكن لهذا المرض أن ينفذ منها أو يشترك معها في تهديده لصحة الأشخاص المصابين به أو المتعرضين للإصابة به، وتحتاج المواجهة الشاملة مع هذا القاتل الصامت إلى شروط وعوامل لا بد من تحقيقها قبل الوصول إلى الهدف المنشود وهي على الشكل التالي:

تكثيف حملات التوعية الصحية بطبيعة وخطورة المرض ونشر الوعي والثقافة الصحية حول العوامل المرتبطة به.

التشديد على أهمية الالتزام بالعلاج الدائم والمستمر (من دون انقطاع) للحالات المرضية الثابتة والمرتبطة خصوصاً بعوامل وراثية واضحة والتشديد على أن العلاج الجاري والمتوفر حتى هذه اللحظة لارتفاع ضغط الدم هو علاج دائم ولمدى الحياة ولا يمكن إيقافه لمجرد الشعور بالتحسن أو بعد الحصول على ضغط منخفض.

كما يجب التأكيد دوماً أن هذا العلاج - حتى الآن - ليس حاسماً أو شافياً أو نهائياً، بل مجرد علاج للسيطرة الآنية أو اليومية على المرض ووسيلة للوقاية من إشكالاته الخطيرة.

تحسين وتطوير البروتوكولات العلاجية بهدف جعلها أكثر فعالية وشمولاً وأكثر أمناً وسلامةً.

التشجيع المستمر على اتخاذ المجتمعات لأنماط غذائية واجتماعية صحية وسليمة (الإكثار من تناول الخضار والفواكه، والابتعاد عن الدهون والمنبهات، وتقوية النشاط البدني، ومعالجة القلق النفسي والأرق، والابتعاد - قدر الإمكان - عن ضغوط الحياة والعمل، والإقلاع عن التدخين، والحد من تناول الملح والأطعمة المملحة، وإنقاص الوزن الزائد، وممارسة الرياضة بانتظام وغيرها).

دعم الأبحاث المتعلقة باستكشاف الأسباب الجينية للمرض وكشف الجينات المرتبط به للتحضير لعلاجات جينية مستقبلية.

معالجة الأمراض والمشاكل المصاحبة لارتفاع ضغط الدم والمشاركة في "جريمته" كالسكري وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم والسمنة وأمراض القلب وغيرها.

تشجيع عائلات المرضى على الإحاطة بجميع جوانب المشكلة لتفادي - قدر الإمكان - العوامل النفسية المؤذية لمرضاهم وتحاشي الأنماط الغذائية السيئة.

تكثيف حملات الكشف المبكر ونشر سياسة الفحص الروتيني بين طبقات المجتمع المختلفة لتفادي انتشار المرض فيها من دون دراية ورعاية ومن دون حسيب ورقيب!

حسابات

لقد بات من المحتم على الإنسان المعاصر أن يبدأ بمراجعة حساباته ونظمه الاجتماعية والغذائية والصحية والاقتصادية الحالية، والتي قام ببنائها وإرسائها على هواه وبحسب رغباته وشهواته ونزواته، وصار عليه أن ينظم أموره وأمور حياته ومجتمعه ومحيطه على أسس العدل والتوازن ولحكمة واتقاء السوء وطلب الخير والصلاح وعدم الإفراط والتفريط والبعد عن الإسراف والإفساد وغيرها من المبادئ التي عرفها وعرف فائدتها وأهميتها على وجوده وكيانه وماضيه وحاضره ومستقبله، لكنه تناساها وتجاهلها متغافلاً ومستكبراً ومعانداً!

* استشاري أمراض الأنسجة والخلايا ورئيس شعبة أمراض الأنسجة بمستشفى دبي

Email