صــرح إمــاراتـي مهــيب ينبــــــــض بالحيـاة في أرض الخـير

«البيان» تـزور متحــــــــــــف الاتحـــــــــاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

هي دبي دائماً، محترف المفاجآت الجميلة، ومستودع القدرة المستمرة على الابتكار والتجاوز، ومن حيث لا تدري تجد نفسك أمام صرح غير مسبوق يتنادى إليه الناس من كل حدب وصوب ويجدون فيه ضالة ومتعة، حتى لكأن أهم مورد طبيعي في هذه الإمارة.. الأفكار، القادرة على خلق الحدث، ليكون مشروعاً منطقياً على أرض الواقع، ومفتقداً طيلة ما مضى من السنوات.

لعل هذا ما يمكن تسميته بفن صناعة الفرص، والاستثمار في الإبداع، شريطة أن يكون ذلك في مكانه وزمانه بالضبط، حتى يصبح ذا معنى وجدوى، وهذا ما حدث حيال مشروع «متحف الاتحاد» الرابض على مساحة كلية تبلغ 25 ألف متر مربع وقد بلغت تكلفته 600 مليون درهم، في ساحل جميرا.

وقد فتح أبوابه للجمهور منذ السبت الفائت، ليقدم أشياء بسيطة وعادية، ولكنها تكتسب أهميتها، من أهمية وقيمة الآباء المؤسسين الذين تنسب إليهم تلك الصور الفوتوغرافية المميزة والمتعلقات الشخصية بقدر ما تنسب اليهم المكارم والعزمات، وأيضاً من ظاهرة الاتحاد التي أضحت مثلاً ومعياراً يقاس عليه نجاح الشعوب في وحدة صفها حاضراً ومستقبلاً.

أما إذا أضفنا إلى ذلك طريقة العرض على النحو الباهر الذي نشهده في المتحف الجديد فإن القيمة تتضاعف، والغاية من الصرح الجديد تبدو أقرب إلى تحققها، حيث إن الهدف هو صون تراث الاتحاد ومتعلقاته، بوصفه من ملاحم التاريخ البطولية التي يحق لشعب الإمارات أن يفاخر بها بين الأمم وعبر الأزمان.

جولة مبهجة

ليس من سمع كمن رأى، مبنى فريد في معماره يقع في أحضان الخليج، على ساحل جميرا، وما أدراك ما جميرا، يشبه في هيئته ورقة مطوية تجسد وثيقة الاتحاد، وفي الردهة الرئيسة تستقبلك سبعة أعمدة ذهبية مائلة، تجسد أقلام الحكام الذين وقعوا على تلك الوثيقة التاريخية الغالية عام 1971م.

وأما المتحف فمكانه تحت الأرض، تماماً، كغرس إماراتي ينبض بالحياة والجمال، ولكنه يدور بزائره عبر أروقة منحدرة، بلا سلالم، ليطوف المرء في أقسامه وبين مقتنياته الثمينة متمماً دائرة مركزها فيشكل قاعدة عريضة تأسست عليها «دار الاتحاد» الموجودة على سطح الأرض بتصميمها المستدير، الذي احتضن حكام الإمارات وهم يكتبون ميلاد دولة الاتحاد ويوقعون وثيقتها الفريدة، لتبدأ بذلك حياة جديدة فوق هذه الأرض الطيبة. إنها أيقونة جديدة تعكس الإرادة المشتركة للآباء المؤسسين نحو مصلحة الوطن العليا.

صون الكينونة

ولقد صدق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حين اعتبر هذا الصرح مشروعاً حضارياً ثقافياً ووطنياً بامتياز ومشروعاً سياحياً كذلك.

بل قال سموه في مارس الماضي خلال زيارة تفقدية لسير العمل بالمشروع: التاريخ هو الفن الذي لا يمكن التلاعب بحقائقه وأحداثه، لأنه يشكل بالنسبة لنا ــ كما هو ديننا الإسلامي الحنيف وعروبتنا وثقافتنا ــ الكينونة التي نعتز ونتشبث بها جيلاً بعد جيل، فبدون كينونتنا نفقد هويتنا ووجودنا كشعب له جذور تاريخية راسخة في رحم أرضنا، كجذور نخلة لا تموت ولا تنتهي.

رحلة عبر الزمان

على الزائر أن يكون مستعداً من أجل الارتحال عبر الزمان عقوداً تناهز الخمسين، في رحلة تحت عنوان «غرس الاتحاد»، حيث ينخرط في إبحار سمعبصري مبهر تستخدم فيه أحدث وسائل العرض (شاشة 3D)، حتى ليشعر أنه جزء من تلك التجربة الفريدة حين يعايش تفاصيل اللقاء الذي جمع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخاه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في سيح السديرة، ويروي قصة هذا الحدث التاريخي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بصوته، حيث شهد بأنه كان حاضراً لحظة نطق المؤسسان كلمة " على بركة الله" إيذانا بالاتفاق على الاتحاد.

المؤسسون

يحدث ذلك كله، وأكثر منه، في متحف الاتحاد بدبي. ولعل مما يسترعي الانتباه فعلاً، ذلك الجناح الذي اطلق عليه «المؤسسون»، فهو يشكل بداية المعروضات التي يبدأ بها الزائر جولته داخل المتحف، وهو مكوّن من سبع وحدات، كل وحدة تتألف من ثلاثة معطيات، أولها صورة مكبرة لكل مؤسس، والثانية المقتنيات الخاصة به «بشت أو نظارة أو مصحف الخ»، والثالثة شاشة تفاعلية تقدم معلومات تاريخية عن سيرة الحاكم وعن شجرة عائلته، كما تحوي الشاشة صوراً فريدة ولقطات فيديو خاصة به.

شجرة الاتحاد

في مقابل جناح المؤسسين تقف شجرة في حيز خاص بها وهي تحمل اسم «الاتحاد»، كان قد زرعها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عام 2012 بمناسبة ذكرى اليوم الوطني على ارض دار الاتحاد، حيث أقيم المعرض، لترمز الى النماء والخير والجذور العميقة الراسخة لوحدة الإمارات في ظل تحدي الصعاب وتحقيق النماء.. شجرة الاتحاد هذه تم نقلها من ساحات ارض دار الاتحاد الى داخل المتحف تحت الأرض، ولكن مع توفير وصول ضوء الشمس إليها مباشرة رغم انها جزء من المبنى العميق في الأرض.

أشياء مدهشة

من بين جوانب المتحف منصة خلفيها جدار من الذهب الخالص يهطل منه شلال من الكلمات المختارة من محاور ومضامين دستور دولة الإمارات مثل: المسؤولية، الهوية، الدين، الانتماء.. إلى الآخر.

كما أن هناك منصة تفاعلية مخصصة للأطفال تتضمن مكعبات بقاعدة إلكترونية بها ترميز رقمي «بار كود» تعرف صغارنا بقيم الدستور والوطنية.

علم واحد في ساريتين

لا يزال العلم الذي رفعه زايد وإخوانه الحكام قبل 45 عاماً يرفرف فوق ساحة دار الاتحاد وعلى مسافة أمتار منه يشمخ علم كبير على سارية ثانية يتبلغ طولها 123 متراً، ليشهد على شموخ إنجازات اختصرت قروناً في سنوات، سطرها الآباء المؤسسون لينعم أبناء الوطن برغد العيش، مدعوماً بقيادة تضع المواطن ضمن أولوياتها، ولا يشغلها سوى مستقبل الوطن ومستقبل أولاده.

حضور محمد المر والأجانب

استطعنا أن نرصد من خلال زيارتنا للمتحف أمس، كيف أن معالي محمد المر، رئيس المجلس الاستشاري للمتحف يصطحب وفداً من الزوار ليشرح لهم جوانب المتحف ومكنوناته بنفسه، كما رصدنا أعداداً من الأجانب وهم يقبلون على الأجنحة للتعرف على ارث الإمارات وقصة هذا الاتحاد المعجزة، بما يشي بنجاح كبير لفكرته الساعية الى المحافظة على المكتسبات الوطنية في وجدان شعب الإمارات من جهة، والاعتزاز بذلك أمام شعوب العالم.

المعرض الموسمي

داخل الصالات الشاسعة للمتحف هنالك مساحة مخصصة للمعارض الموسمية، مدتها ستة أشهر، وتتبدل بعد ذلك متضمنة معرضاً لغرض آخر، وحالياً يضم الجناح معرضاً للطوابع، وهي من مقتنيات المواطن الإماراتي عبد الله خوري، ويضم المعرض طوابع عن الفترة الممتدة بين 1909م حتى 1971م.

أهداف المعرض

وعموماً، يهدف متحف الاتحاد إلى تأكيد القيمة التاريخية للموقع الذي تم فيه الإعلان عن تأسيس اتحاد دولة الإمارات وتسليط الضوء على الرحلة الفريدة والنوعية لقيام وحدتها، حيث يعد المتحف مركز إشعاع حضاري يقصده المواطنون والمقيمون والسياح للتعرف إلى مراحل وتحديات تأسيس الاتحاد، والإنجازات التي تحققت خلال مسيرته، مع التركيز على دور المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في وضع اللبنات الأولى لقيام الاتحاد.

كما يهدف المتحف إلى غرس وتأصيل مفهوم وقيمة الاتحاد في نفوس المواطنين والأجيال القادمة، وتعريف الزوار من مختلف الجنسيات بطبيعة حياة سكان الإمارات قبل قيام الاتحاد، وتسليط الضوء على التنمية الشاملة في الدولة.

ويعد متحف الاتحاد الذي تقدر مساحته بنحو 26 ألف متر مربع، معلماً بارزاً ومنارة تحكي القصة الكاملة لتشكيل الاتحاد عام 1971، حيث يسلط المتحف الضوء على الأحداث التي وقعت بين عامي 1968 -1974، مع طرح للسياق السياسي والاجتماعي الذي مرّ فيه الاتحاد من مرحلة الإمارات المنفردة، حتى مرحلة الاتحاد وازدهار الدولة.

وتضم معروضات المتحف مواد ووثائــــق مرئية ومسموعة تتعلق بأحداث تأسيس الدولــة، فيما استوحي تصميم متحف الاتحاد من صور المغفور لهم بإذن الله الشيوخ وهم يوقعون على دستور الدولة في الثاني من ديسمبر عام 1971.

رمزية القلم

صمم مدخل الجناح الجديد للمتحف على شكل مخطوطة مع سبعة أعمدة مائلة تمثل القلم الذي استخدم لتوقيع وثيقة الدستور، ويحتوي المتحف على صالات عرض دائمة ومؤقتة، ومسرح ومناطق مخصصة للتثقيف، واستراحات والإدارة، إضافة إلى العديد من مرافق الأنشطة الداعمة، وساحة واسعة ومواقف سفلية وسطحية للسيارات.

ويضم المكان كذلك مبنى قصر الضيافة والذي أُعيد ترميمه، وتمت إعادة المناظر الطبيعية المحيطة بالموقع التاريخي لحالتها الأصلية، كما كانت عليها في عام 1971، كما قد تم ترميم مبنى دار الاتحاد التي شهدت توقيع وثيقة قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971 لشكله الأصلي مع إدخال تحسينات هيكليّة، فمن يلج هذه الدار اليوم يستشعر القيمة التاريخية للموقع والمبنى وفي اللحظة ذاتها تأخذه عظمة ذلك الموقف الخالد والقرار الحازم للآباء المؤسسين بإصرارهم وعزيمتهم وصدق وحـدتهم.

مقتنيات

نظارتا زايد وراشد

من مقتنيات متحف الاتحاد المعروضة للزوار نظارتان تستلفتان الأنظار، إحداهما من المقتنيات الشخصية للشيخ زايد والثانية من مقتنيات الشيخ راشد، طيب الله ثراه، وأما أهمية هذين الأثرين فتتمثل في أنهما أداتان كان القائدان يريان بهما الوطن وما تقوله العيون المرتقبة للخير والازدهار. نظارتان لطالما ترامت أمامهما الآفاق والأشواق ومشاهد المستقبل ومحبة الناس.

إشراف

«دبي للثقافة» تدير المتحف

تتولى هيئة دبي للثقافة والفنون «دبي للثقافة» مهام الإشراف والإدارة لمتحف الاتحاد، بما في ذلك تطوير البرامج التثقيفية، وتنظيم البرامج المدرسية والمحاضرات، وورش العمل التي يستضيفها المتحف خاصةً مع توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، بتنظيم زيارات مدرسية للطلبة إلى المتحف.

توظيف «الأفلاج» لرواية الاتحاد

في قسم الأفلاج تـُعْرض خطوات الوصول إلى مرحلة الاتحاد، من خلال صور ومعروضات تمّ تنسيقها على شكل «فلج»، حيث يتناول المعرض الخط الزمني التفاعلي لقصة الاتحاد ضمن سياق الأحداث الوطنية والدولية المتزامنة آنذاك مع إعطاء الزوّار صورة متكاملة عن الحدث من البداية وحتى النهاية.

عدد الأفلاج المعروضة في هذا القسم ثلاثة أفلاج، منسقة تكنولوجياً بشاشة عرض تفاعلية تضم أيضاً سمّاعات صوتية، كل فلج يعطي معلومات عامة أو ومضات تاريخية عن الإمارات مقسمة زمنياً كالآتي:

ـــ الفلج الأول: من الإمارات المتصالحة وحتى عام 1970م.

ـــ الفلج الثاني: من عام 1971م وحتى وقت انضمام إمارة رأس الخيمة للاتحاد.

ـــ الفلج الثالث: من وقت انضمام رأس الخيمة وحتى تقريباً عام 1981م.

قصر الضيافة والعلم الكبير

يعتبر قصر الضيافة من مجموعة المباني التاريخية المهمة في إمارة دبي بشكل خاص وفي دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، وبما أنّ متحف الاتحاد مشيّد تحت سطح الأرض فهو مرتبط بجناح لدخول قصر الضيافة الكائن أعلى وخارج المتحف، وقد تمّ ترميمه وإعادة تجهيزاته ومفروشاته بما يطابق الحالة الأصلية، كما أعيدت المناظر الطبيعية المحيطة بالموقع التاريخي إلى حالتها السابقة وفق ما كانت عليه في العام 1971.

وفي هذا المكان يكتشف الزائر أنه قد أضيف مسطح مائي جديد وبهيج يحـاكي شكل الخط الساحلي في تلك المرحلة، تحديداً مرحلة التوقيع على وثيقة قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، على مسافة قريبة من العلم الخالد، وتمّ بناء سارية علم جديدة بارتفاع 123 متراً لتحل مكان سابقتِها التي بُنيت في العام 2001م.

قراءة الكتب والدستور

يحظى الكتاب بقسم خاص به في المكان حيث تضم مكتبة متحف الاتحاد 3000 عنوان، متنوعة ما بين الكتب الوطنية والاجتماعية والتاريخية لدولة الإمارات العربية المتحدة، كما تضم المكتبة المجلات والكتيبات والأقراص السمعية وغيرها من الأصناف التي تصب في حقل التعريف والتثقيف بجوانب الدولة.

وبالقدر ذاته تحظى وثيقة نص الدستور بقسم خاص بها وأول ما يشدّ نظر الزوّار تلك الجدارية المذهبة التي تسبح عليها كلمات مختارة من دستور الإمارات كأنها شلاّل كلمات فضية، أمامها على بعد متر ونصف تقريباً تقبع فاترينة زجاجية تضم عرضاً لنسخة من الدستور موقّعة من الحكّام المؤسسين وكذلك تضم وثيقة الصداقة التاريخية التي ما بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة وقد وقّع عليها الشيخ زايد بنفس اليوم الذي أعلن فيه عن اتحاد دولة الإمارات.

هدايا أولياء العهود

استجابة لطلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حول رفد المتحف بالمقتنيات المرتبطة بفترة الاتحاد وما قبلها، قام أولياء العهود بتقديم صور ومتعلقات مهمة يعرضها المتحف الآن، منها 14 صورة فوتوغرافية نادرة قدمها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي. وهي صور توثق ليوم توقيع وثيقة الاتحاد، ومصدرها مجلة العربي. فضلا عن هدايا مماثلة من ولي عهد عجمان وولي عهد أم القيوين.

إضاء ة

انطباعات زائر

إرث الماضي التليد، في قالب الثقافة المعاصرة في أقصى تجلياتها، هذا هو الانطباع المبسط الذي يخرج به الزائر بعد الطواف في متحف الاتحاد الساحر، حيث يحمل هذا الصرح المميز طابعاً حيوياً بسمات الحداثة ووسائلها وقوالبها المعمارية.

وفوق ذلك ينطوي على إلهام ينتظر مواطني الإمارات وزوّارها بما تقدمه جنبات المتحف من سرد شائق لقصة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، سرد بتكنيكات مختلفة خلاصتها «المعايشة»، تلك المعايشة التي تستعرض ما أبداه مؤسسو الدولة من تفانٍ والتزامٍ وروحٍ وطنية، لتشجيع الأفراد، من جميع المشارب، على اقتفاء خطاهم في بناء الأمة.

ويقدم المتحف معارض وبرامج تفاعلية ومبادرات تعليمية تستكشف التسلسل الزمني للأحداث وصولاً إلى إعلان دولة الإمارات في العام 1971، مع التركيز بشكل رئيسي على الفترة ما بين 1968 و1974.

Email