طيف التوحد.. اضطراب تعالجه الموسيقى

اطفال التوحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

اضطراب طيف التوحد نوع من أمراض النماء العصبي متفاوت الحدة ينطوي على مستويات متوسطة إلى حادة من الأداء الاجتماعي والتواصلي والفكري والسلوكي.

ويصيب اضطراب الأداء الاجتماعي واحداً من كل 68 طفلاً يولدون في أميركا، مع تسجيل تضاعف معدل الانتشار منذ العام 2000. ويرتبط طيف التوحد بمسؤوليات النصف الأيسر من الدماغ، والانتباه المشترك، وعدم القدرة على فهم الإشارات الاجتماعية، وعدم كفاية المعرفة اللغوية، وصعوبة تشكيل علاقات مفيدة.

ويواجه الأطفال الذين يعانونه عدداً من المشكلات أبرزها عدم وجود صداقات، محدودية النشاطات الاجتماعية، وعدم الانخراط في المسار الأكاديمي المعتاد غالباً. ولسوء الحظ، فإنهم غالباً ما يستثنون من التجارب الحياتية القيمة التعليمية والترفيهية على حد سواء.

وتترك أعراض طيف التوحد تأثيراتها ليس فقط على العلاقات العائلية، بل على الاستقرار المالي للأسر وغالباً ما يشعر الآباء الذين يعاني أولادهم من التوحد بأنهم في عزلةٍ عن المجتمع، كما يصيبهم الشعور بالإحباط والإرهاق العاطفي والجسدي، إزاء الحاجة الماسة لتقديم الرعاية ودعم أطفالهم.

وتبين في دراسةٍ أجرتها مؤسسة «ساوندرز» عام 2015 على 196159 أسرة بأن 52 في المئة من مقدمي الرعاية والآباء يعانون من صعوبات مالية، واضطر العديد منهم لترك الوظيفة من أجل الاعتناء بأطفالهم. غير أن تلك المشكلات يمكن التخفيف من حدتها عبر تأمين نظام علاجي لا يساعد الأطفال المتوحدين على عيش حياة طبيعية وحسب، بل يتيح لهم الاندماج بشكل أفضل كأعضاء فاعلين في المجتمع والاستفادة وتحقيق المنفعة لمن حولهم.

ويعزى معدل التحسن الأسرع وتيرةً، وازدياد عدد محاولات النطق الشفوي، والتقدم الهائل في عدد الكلمات المنطوقة داخل المنزل إلى ارتفاع تحفيز الطفل لإنجاز مهمة ما تترافق وتطبيق اللحن والإيقاع. ويعزز الجانب التشريحي لتقييم تأثير العلاج بالموسيقى بأنها طريقة فاعلة لمساعدة الأطفال على التواصل الصحيح والانخراط في المجتمع.

خلصت بعض الدراسات إلى أن الموسيقى قابلة للتنبؤ، مرنة وموجهة النجاح، بما يعني أنها تجلب شعوراً بالأمان، وتشجع الفرد على خوض المغامرة واعتماد المزيد من العفوية في تفاعلاته مع الآخرين. ويرادف هذا على أرض الواقع وجود أطفال أفضل تجهيزاً واستعداداً للتواصل مع الآخرين على مستوى جوهري أكثر ومساعدتهم لتكوين علاقات متينة.

على الرغم من وجود كمٍّ من الأدلة التي تثبت بأن المعالجة بالموسيقى الارتجالية قد تكون فاعلة على المديين القريب والبعيد وتطال الجوانب الاجتماعية والسلوكية والتواصلية، فلا يزال عدد من المشككين يعتقدون بضآلة الأبحاث الحالية والبيانات المتعلقة بفوائد وتبعات ذاك العلاج.

ويجد بعض الباحثين مشكلات تشوب الدراسات لناحية عدم كفاية حجم العينات، وركاكة التصميم الدراسي، ووصف تقنيات العلاج المؤدية إلى تعميمات غير تجريبية، وعجز عن إنتاج علاج يصلح في البيئة العادية.

منذ مطلع الأربعينيات، تطورت مهنة المعالجة بالموسيقى بشكل هائل وتزامنت مع وضع معايير وطنية، ونماذج ممارسة قائمة على الأدلة والإثباتات، وارتفاع عدد الزبائن الذين يحظون بالخدمة. ويزيد أيضاً مستوى فهم معنى التوحد، بما يتضمنه من تشخيصات موجزة، ووعي وطني، وإجراء الأبحاث على العلاجات الفاعلة. وتبرز المعالجة بالموسيقى حالياً كخيار علاجي يصلح للأطفال المصابين بالتوحد من خلال استخدام علاجات كالتواصل القائم على اللحن، ومقاربة «أورف سكولوورك».

بالرغم من ضرورة القيام بالمزيد من الأبحاث، يوضح عدد من الدراسات كيف يمكن للموسيقى الفاعلة والتحفيزية أن تساعد الأطفال للأداء في كثير من المجالات. ومع تواصل الأبحاث الكمية في حقل العلاج بالموسيقى للأطفال المصابين بالتوحد، سرعان ما تحتل هذه المعالجة مكانتها كطريقة مثبتة.

 

لا يهم طول الطريق، بل العثور على القوة والقناعة للغوص في الفكر والقلب وصولا إلى العالم السري لطفل تائه خلف ستار التوحد.

باري نيل كوفمان

طبيب نفسي أميركي

 

الموسيقى فن يتخطى حدود العلم. ويمكن إيجاد إثباتات هائلة في الدراسات التي أجريت حول العالم بناءً على العلاج بالموسيقى والنتائج الهامة التي تم التوصل إليها.

أندريا بوتشيللي

منتج وملحن ومغنٍ إيطالي

 

تتمتع الموسيقى بقدرة شفائية هائلة، وهي لا تزال في مراحلها المبكرة في الغرب. ولو عرفنا أكثر لاستطعنا إنجاز أمور مذهلة وإحداث تغييرات دائمة في وظائف الدماغ الغامضة.

غاري تالي

مؤلف وعازف أميركي

 

حياة المتوحد صعبة

تعيق الصعوبات اليومية المتوحدين عن عيش حياة طبيعية، وعادةً ما لا يتمكنون من اختيار ملابسهم، أو قيادة السيارة أو تعلم الاستقلالية. وتشهد بعض الحالات الحادة من المرض قيام البعض بارتكاب جرائم خلال فترة المراهقة بسبب الشعور بالإحباط وعدم القدرة على السيطرة على مشاعر الغضب أو فهم وجهات نظر الآخرين.

 

2006

قدمت علاجات التواصل والمهارات الاجتماعية التقليدية مثل «معالجة الاستجابة المحورية» و«تحليل السلوك التطبيقي» المساعدة لعدد من العائلات والأطفال المصابين بالتوحد. غير أنها تخفي فوائد استخدام أحد أشكال العلاج الأكثر ابتكاراً ومرونةً القائمة على العلاج بالموسيقى. وفي حين يعتبر علاجا أمراض النطق واللغة المذكوران أكثر تنظيماً وتركيزاً على أهداف محددة، فإن الموسيقى توفر وسيلةً للتعبير عن الذات والتواصل والتفاعل يمكن لأطفال التوحد استيعابها بشكل أسهل.

ويتضح من الدراسات السابقة بأن العلاج بالموسيقى يمنح جانباً إضافياً لكل من المريض وأخصائي العلاج. وفي عام 2006، أشارت دراسة أجراها البروفسور ويلغرام المختص بالعلاج بالموسيقى بجامعة أنالوغ إلى أنه «يوصى بالمعالجة بالموسيقى كوسيلة فعالة لتسهيل عملية التواصل، حيث تنطوي على مجموعة معقدة من الخصائص التعبيرية، والصيغ الديناميكية والحوار، وتقدم وسيلةً يمكن من خلالها التأسيس لصيغة من التواصل البديل الذي يساعد على تحقيق المشاركة والتفاعل والعلاقات الناجحة». والأهم، أنه يمكن للمعالجة بالموسيقى التفاعلية والارتجالية التحايل على الممارسات الرتيبة وغير الفاعلة الخاصة بتعلم التواصل الاجتماعي والمهارات السلوكية التي تتبعها طرق المعالجة التقليدية.

 

الموسيقى العلاجية

يصف هاريل وجونز الموسيقى العلاجية بأنها علاج «يخلق بيئة نشاط تبتعد كل البعد عن العلاج النفسي التقليدي وأطر اللعب الطبيعي»، لأن النطق الذي يشكل جزءاً محبذاً من العلاج «يعتبر شرطاً تنموياً أساسياً لإشباع التفاعل الاجتماعي».

وعند مقارنته بروتين «اللعب» المنظم للعلاجات التقليدية، يتبين أن «التفاعل مع الموسيقى الارتجالية، قد يعزز المرونة والإبداع ضمن إطار عمل منظم مخصص للأطفال غير القادرين على التكيف السريع مع أحداث الحياة اليومية غير المتوقعة». لذا فإن الموسيقى الارتجالية المتعلقة بتعبير الطفل الموسيقي وغير الموسيقي تشكل طريقة مثالية للعمل على مسائل التحفيز الذاتي والصلابة والتحكم.

 

 

صفحة متخصصة تصدر عن قسم الترجمة

Email