الأبراج علم أم بدعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما يطلق عليه علم الأبراج أو التنجيم هو صرعة تنتشر وتزدهر على غرار الصرعات كافة. ويجمع المنجمون برغم مقولة «كذب المنجمون ولو صدقوا» عشرات أو مئات آلاف المتابعين، عبر منصات التواصل الاجتماعي. وليست هذه المرة الأولى التي يحقق فيها التنجيم مجداً، ولن تكون الأخيرة، إذ إن الممارسة موجودة بمختلف الأشكال منذ آلاف السنين. وحديثاً، طالعتنا حركة العصر الجديد في الستينيات والسبعينيات بالأبراج والفلك. وتقول تشاني نيكولاس، عالمة الفلك المقيمة في لوس أنجليس، وفقاً ل«ذا أتلانتك»: «برز علم الفلك بشكل أكبر، وحدث شيء ما في السنوات الخمس الأخيرة أكسبه انفعالية أكبر، وعلاقة بالزمان والمكان لم تكن قبل 35 عاماً، أخذه جيل الألفية وحلق به».

ويتواءم التنجيم تماماً مع عصر الإنترنت، حيث حواجز الوصول مفتوحة، والتبحر متاح للراغبين. وقد منحت إمكانية الوصول إلى معلومات معمّقة عبر الإنترنت، الموجة الثقافية للتنجيم جانباً محدداً من المعرفة.

لكن لا بد من الإشارة إلى أن التنجيم ليس علماً وما من دليل يثبت أن العلامة الفلكية لشخص ما ترتبط فعلياً بشخصيته، إلا أن النظام يسير وفق منطق خاص. ويعزى التنجيم إلى معنى تموضع الشمس والقمر والكواكب في البروج الاثني عشر من السماء. وقد يعرف المرء برجه حتى لو لم يكن ملماً بعلم الفلك، وهو قائم على موضع الشمس يوم الولادة. وتضيف مواقع القمر وكل من الكواكب الأخرى في وقت ومكان الولادة أبعاداً أخرى للصورة المرسومة حول «توقعات الأبراج».

يكشف علم التنجيم، كما يعتقد مروجوه، عن أفكار معقدة حول الشخصية ودورات الحياة وأنماط العلاقات على طريقة رموز دائرة الأبراج والكواكب واختزالاتها. وينجح الأسلوب الاختزالي تماماً على الإنترنت، حيث الرموز والاختصارات تصوغ عالم الاتصالات.

ويقول برترام مالي، عالم الإدراك الاجتماعي: «دعوني أؤكد أولاً أني أعتبر التنجيم ظاهرة ثقافية أو نفسية» لا علمية، ويوضح أن التنجيم الفعلي الذي يتجاوز صفحات الجرائد وأبراج العلامات الشمسية، «يزودنا بمفردات لا تطال ناحيتي الشخصية والحالة المزاجية، بل صعوبات الحياة وفرصها. وإلى أن يتعلم المهتم بتلك الموجة معاني تلك المفردات، تظل الأبراج جاذبة له بوصفها طريقة غنية لتقديم الخبرات البشرية وأحداث الحياة، من دون تفسيرها أو التنبؤ بها، وتحديد بعض مسارات التأقلم المتاحة».

ويمنح التنجيم الأشخاص الواقعين في أزمات نافذة لتخيّل مستقبل أفضل، وتذكيراً محسوساً بحقيقة بديهية يصعب التنبه لها عند الغرق في مشكلة ما، وهو ما يعكسه مفهوم التفاؤل لدينا.

وتقول عالمة الفلك في مجلة «برودلي»، أنابيل غات: «إننا نأخذ علم التنجيم كثيراً على محمل الجد، لكننا لا نؤمن به بالضرورة، لأنه أداة للتأمل الذاتي، وليس ديناً أو علماً. إنه مجرد وسيلة لرؤية العالم، والتفكير بالأمور».

من المرجح أن يكون أبناء جيل الألفية أكثر ارتياحاً للعيش على الحدود بين الشك والإيمان، وأن يتشبثوا بزمام ما يسمى بعلم الفلك والأبراج هرباً من الضغوط النفسية، لأنهم أمضوا وقتاً طويلاً من حياتهم على الإنترنت، في فضاء افتراضي آخر، حقيقي وغير حقيقي في الوقت ذاته.

تحمل عبارة «التنجيم أمر زائف ومحتمل في آن» وبمستوى من التناقض، بحيث تكون جاذبة للمرء، وقد طرح البعض فرضيات متعددة بشأن انبعاث التنجيم، فرأى البعض أن شعور الناس بضعفهم على الأرض جعلهم يحولون نظرهم إلى النجوم. ووجد آخرون في التنجيم مفراً من التفكير المنطقي «للنصف الأيسر» من الدماغ، ليشتهي بعضهم الارتقاء لحياة أكثر تنظيماً، وهو ما يروجه ذلك النظام المعقد مقارنة بحياتهم الفوضوية.

يقتضي استيعاب إغراء التنجيم تقبّل التناقضات، لأنه يبدو كونياً وشخصياً في آن، حسياً يفوق الوصف، حقيقياً وغير حقيقي. قد يكون مجدياً أن ترسم خطوطاً في الفضاء بين لحظات الزمن، أو في الفضاء بين ومضات الضوء في السماء المظلمة، حتى لو كنا نعرف في أعماق ذواتنا بأنها على مسافة سنوات ضوئية من الواقع، ولا رابط يجمعها على الإطلاق.

بلسم

البشر كائنات سردية، تدأب على تفسير حياتها وذواتها عبر حبك أحداث الماضي والحاضر والمستقبل. ويوفر علم التنجيم، للمهتمين بتلك الأبراج، بلسماً لتلطيف مزيج الإجهاد، والخوف من المستقبل لديهم.

1982

يميل الناس للإقبال على عالم التنجيم في أزمنة التعرض للضغوط النفسية. وتشير دراسة أجراها العالم النفسي غراهام تايسون عام 1982 إلى أن «الأشخاص الذين يستشيرون المنجمين» إنما يقومون بذلك استجابة لحجم عوامل الإجهاد في حياتهم، لا سيما الضغوط «المرتبطة بالدور الاجتماعي للفرد، وعلاقاته. ويكون المرء أكثر استعداداً، تحت وطأة الظروف الضاغطة، للاستعانة بالتنجيم كونه أداة تأقلم، حتى لو لم يكن يؤمن بها في ظل الظروف الأقل ضغطاً».

وكشفت بيانات استطلاعية لجمعية علم النفس الأميركية أن جيل الألفية، يعتبر منذ العام 2014 الأكثر عرضة للضغوطات، والمرجح الأكبر للإقرار بأن مستوى الضغوطات لديه قد ارتفع في العام الماضي إلى المستوى الأعلى منذ عام 2010. ويعاني جيل الألفية وأبناء الجيل العاشر من ضغوطات نفسية تفوق تلك التي للأجيال الأكبر سناً منذ العام 2012، لا سيما بسبب أخبار التشاحن السياسي، وتغير المناخ، والأزمات العالمية، وتهديدات الحرب النووية. وإن كان الضغط النفسي يمنح علم التنجيم إشراقاً أكثر، فليس مفاجئاً انجذاب الناس إليه بأعداد أكبر اليوم.

القوة الموازنة

بدأ الناس يشعرون بالسأم من حياة منغمسة في العالم الافتراضي، ويرغبون بمزيد من السرية عبر الإنترنت، ويعانون من إرهاق الكتب الإلكترونية، وتطبيقات المواعدة ومواقع التواصل الاجتماعي. ويتوقون لشيء مختلف في عصر الذوات المحددة كمياً، ومواقع التعقب، والإجابات المفهرسة لكل سؤال يطرح، عدا طبعاً تلك المتعلقة بحقيقة من نكون، وما الذي تخبئه لنا الحياة.

وتقول الكاتبة روبي وارينغتون «أعتقد أنه من باب القوة الموازنة لحقيقة عيشنا في عالم شديد التنظيم والتحديد الكمي، تنبع رغبة الاكتشاف والاتصال بذلك الجانب الخارق للطبيعة من ذواتنا. يمكن وصف التنجيم كونه لغة رموز لوصف جوانب من التجربة البشرية، التي لا تحتاج بالضرورة لمعادلات وأرقام وتفسيرات».

جيه. بي مورغان - رجل أعمال أميركي

أصحاب الملايين ليس لديهم منجمون.

إليانور كاتون - كاتبة نيوزيلندية حائزة على بوكر

أرى علم التنجيم مستودعاً للفكر والنفس، ونظاماً «اخترعناه» وطريقة لمنح معنى للأشياء.

كارل يونغ - عالم نفس سويسري

نولد في لحظة ومكان محددين فنحمل صفات العام والموسم وعلم التنجيم لا يدعي قول أكثر من ذلك.

الفرق الشاسع بين علم الفلك والتنجيم

تكرس الفصل بين علم الفلك والتنجيم في القرون الوسطى انسجاماً مع الفصل بين العلوم الميتافيزيائية والعلوم الموضوعية.

علم الفلك (Astronomy)

• يعني علم الفلك دراسة كل شيء يقع خارج الغلاف الجوي الخاص بالكرة الأرضية بدءاً من أقمار المشتري ومذنبات حزام كويبر إلى المجرات الأبعد، والثقوب السوداء، ونظرية الانفجار الكبير وإشعاع خلفية الكون.

• يعتبر علم الفلك من أهم العلوم القديمة فقد ظهرت أجهزة الرصد الفلكي ووسائله في البرديات المصرية القديمة، واهتم علماء الحضارة البابلية والصينية القديمة به منذ آلاف السنين، وتطور على ايدي اليونانيين، وجاء بعدهم العرب المسلمون، وأنشأوا المراصد الكبرى وأشهرها مرصد بغداد وبلاد فارس.

• يهتم علم الفلك بدراسة الكواكب والنجوم ورصدها، ومعرفة أحوالها وأبعادها وطبيعتها، والأجرام السماوية ومقارنتها بكوكب الأرض. عالم الفلك مختص بتدريس الرياضيات وحساب المثلثات والهندسة والميكانيكا والديناميكا والتفاضل والتكامل، وفيزياء الفلك والفضاء وجيولوجيا الصخور والأرض والكواكب ومواد الكيمياء والبيولوجيا.

التنجيم (Astrology)

• عرفه الأقدمون بعلم أحكام النجوم. لا يوجد تاريخ محدد لظهوره بالرغم من أن السجلات الأولى تعود إلى الفترة ما بين 4000 و5000 سنة ق.م.

• التنجيم في لغة العرب مشتق من النجوم والنظر إليها.

• تطور التنجيم على أساس بعض القوانين الحسابية لكن علماء التنجيم لم يتمكنوا حتى يومنا هذا من تبنيه بصورة رسمية.

• بنى علماء التنجيم معتقدات حول الحركة النسبية للأجرام السماوية وبنوا عليها آراءهم وتوجهاتهم.

• يهتم علم التنجيم بدراسة طبيعة مواليد الأبراج، ودراسة تأثير الأجرام السماوية والكواكب على الإنسان.

 

Email