أبعاد الكون

ت + ت - الحجم الطبيعي

«تساؤلات عن أبعاد الكون وتأثيرها على الواقع بين نظرية نسبية تؤكد أننا نعيش في كون رباعي الأبعاد، ونظرية الأوتار التي تشير إلى أنها عشرة أكوان»

تخبرنا أنظمتنا الهندسية والتعليمية والقواميس كافة أن الفضاء الكوني ثلاثي الأبعاد. ويعرفه قاموس أكسفورد بأنه «المكان أو المدى المتسلسل المطلق والفارغ والخاوي... وإن أبعاد الارتفاع والعمق والعرض، تشكل مجال تواجد الأشياء وتحركها». في القرن الثامن عشر جادل الفيلسوف إيمانويل كانط بأن الفضاء الإقليدي ثلاثي الأبعاد هو ضرورة بديهية، وكوننا اليوم نعيش في عصر الصور المتولدة حاسوبياً وألعاب الفيديو، فإننا إزاء تصورات أشبه بشبكة ديكارتيّة بديهية. ويبدو ذلك من منظور القرن الواحد والعشرين غنياً عن التعريف.

إلا أن مبدأ عيشنا في فضاء يتسم بأية هيكلية رياضية هو ابتكار جذري خاص بالثقافة الغربية، يُبرز الحاجة للتخلي عن معتقدات قديمة تتعلق بطبيعة الواقع. وعلى الرغم من أن ولادة العلم الحديث غالباً ما تناقَش على أنها تحوُّل نحو السرد الميكانيكي للطبيعة، لكن الأهم، والأكثر رسوخاً حتماً، هو التحول الذي نسج على طريقة فهمنا للفضاء ككيان هندسي.

شكل هاجس وصف هندسة الفضاء على امتداد القرن الماضي، المشروع الرئيس في الفيزياء النظرية، وحاول خبراء في مقدمتهم ألبرت أينشتاين شرح كل القوى الجوهرية للطبيعة على أنها نتاج عَرَضي لشكل الفضاء نفسه. واعتدنا نحن التفكير على أن للفضاء ثلاثة أبعاد، على الرغم من وصف نظرية النسبية العامة مكوناً من أربعة أبعاد، وتأكيد نظرية الأوتار بأنه مكون من 10 أبعاد أو 11 إذا أخذنا بالاعتبار النسخة المفصلة المعروفة بنظرية «إم». وتوجد نظريات تتحدث عن 26 بعداً، وأعجب علماء الرياضيات حديثاً بصيغة من نظرية تتحدث عن 24 بعداً. لكن ما هي تلك الأبعاد، وماذا يعني الحديث عن فضاء كوني مكون من 10 أبعاد؟

في عام 1905 نشر عالم الفيزياء المغمور حينها ألبرت أينشتاين بحثاً يصف العالم الحقيقي كمحيط رباعي الأبعاد، وأضاف في نظرية النسبية الخاصة مفهوم الزمان لأبعاد الفضاء التقليدية. واتحدت في الشكلية الحسابية للنسبية الأبعاد الأربعة فدخل قاموسنا تعبير «الزمكان». ولم يكن الربط اعتباطياً، إذ وجد أينشتاين بأن السير عبر هذا البعد، يبرز نظاماً حسابياً قوياً تفوق به على فيزياء نيوتن ومكّنه من توقع سلوك الجزيئات المشحونة كهربائياً. ولا يمكن تقديم وصف دقيق وشامل عن الكهرومغناطيسية إلا من خلال نموذج رباعي الأبعاد عن العالم.

وتتحرك المادة في تصوّر نيوتن للعالم في الفضاء عبر الزمن تحت تأثير قوى طبيعية، الجاذبية تحديداً. المكان، الزمان، المادة والقوة كلها عناصر متباينة للحقيقة. وقد أوضح أينشتاين في نظرية النسبية الخاصة، أن المكان والزمان متحدان فقلص بالتالي العناصر الفيزيائية الأساسية من أربعة إلى ثلاثة: الزمكان، والمادة والقوة. وذهبت النظرية العامة خطوة أبعد بضم قوة الجاذبية داخل إطار الزمكان نفسه، فبدت الجاذبية من منظور رباعي الأبعاد مجرد نتاج لشكل المكان.

وإن كان الاتجاه نحو الأبعاد الأربعة يساعد في فهم الجاذبية، فهل يعقل أن يعود التفكير بأبعاد خماسية بجدوى علمية ما؟ وهكذا أضاف عالم الرياضيات البولندي ثيودور كالوزا بعداً آخر على معادلات أينشتاين هو القوة الكهرومغناطيسية كنتاج هندسة الزمكان، ليجد أن القوى في الأبعاد الخمسة تتفاعل جيداً.

وفي الستينيات، اكتشف علماء الفيزياء قوتين إضافيّتين للطبيعة تعملان على المستوى دون الذري، هما القوة النووية الضعيفة والقوية. وتبين أنه من أجل ضم هاتين القوتين لابد من إضافة خمسة أبعاد أخرى، مما أدى إلى ولادة مفهوم الأبعاد العشرة في نظرية الأوتار. وفي التسعينيات، أظهر عالم الرياضيات إدوارد ويتن بأنه يمكن تبسيط المسألة إذا درست من منظور 11 بعداً، وأطلق على اكتشافه نظرية «إم».

وتطورت صيغ النظرية لتكشف أخيراً عن 24 بعداً للكون، حيث تحدث، من وجهة نظر حسابية، أمور سحرية تتضمن القدرة على رصف الكرات بأسلوب أنيق خاص بعيداً عن عالم الواقع.

الكون العلوي

طرأ على نظرية الأوتار تطور تمثل بكشف ليزا راندال ورامان ساندرام فرضية وجود بعد إضافي للكون على المقياس الكوزمولوجي، مذكور في نظرية النسبية العامة لأينشتاين. وتفترض نظرية «براين» أن الكون الذي نعرفه يسبح في فضاء أرحب، خماسي الأبعاد من طراز الكون العلوي.

1924

لم تتضمن فيزياء أرسطو، بالمعنى الضيق، نظرية عن الفضاء، بل مجرد مفهوم عن المكان. إذا وضعنا مثلاً كوباً على الطاولة، نجد أن الكوب محاط بالهواء وهو ذاته مادة. أما في عالم صور أرسطو، فإنه لا يوجد شيء يدعى الفضاء الخالي، بل مجرد حدود بين نوع من المادة، الكوب في هذه الحالة، وآخر هو الهواء، أو الطاولة. والفضاء بالنسبة لأرسطو هو ذاك الحدّ الرفيع الموجود متناهي الصغر بين الكوب وما يحيط به.

رفض أرسطو المذهب الذري زاعماً أن جوهر مفهوم الفراغ غير متسق منطقياً، وعرَّف ذلك بالقول، إنه لا يمكن لـ«اللاشيء»، أن يكون موجوداً. واستغرق تجاوز اعتراض أرسطو على الفضاء وبالتالي على مفهوم الفضاء الممتد قروناً، ولم تتجسّد تلك الرؤية المبتكرة إلى أن جعلها كل من غاليليو وديكارت أحد أسس الفيزياء الحديثة، في مطلع القرن السابع عشر. ولخص الفيلسوف الأميركي إدوين بورت عام 1924 نظرة المفكّرين بالقول: «أعتقد أن الفضاء الفيزيائي مطابق لعالم الهندسة»، أي النظرية الإقليدية الهندسية ثلاثية الأبعاد التي نتعلمها في المدارس.

أبعاد الكون من بوابة الفن

لابد من التفكير بالفضاء على أقل تقدير بأنه حيز ممتد. وعلى الرغم من وضوح الفكرة، لكنها شكلت لعنة لأرسطو الذي طغت أفكاره المتعلقة بالعالم المادي على التفكير الغربي منذ العصور القديمة وحتى العصور الوسطى.

وطرحت فكرة الكون ذي الأبعاد التي تفوق الثلاثة في الوعي الجماعي من بوابة الفنون، سيما التصور الأدبي، حيث اشتهر كتاب «الأرض المسطحة» لعالم الرياضيات إدوين أبوت. وفي أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بحثت فئة من المؤلفين من أمثال العالم الرياضي تشارلز هينتون والفنان سلفادور دالي والمتصوّف أوسبينسكي مفاهيم البعد الرابع وما قد يعنيه.

ديكارت نفسه قد يكون مذهولاً إزاء المدى الذي أخذتنا إليه رؤيته، ومدى التعقيد المحيّر الذي قد ينطوي عليه تعبير بسيط ككلمة «بُعد».

هوارد لوفكرافت - كاتب أميركي

ندعي أننا عبر حواس خمس ضعيفة قد بلغنا مدارك الكون المعقد اللامحدود.

ألبرت أينشتاين - عالم فيزياء ألماني

قوانين الكون الأساسية بسيطة، لكن محدودية إدراكنا تحول دون فهمها.

برايان غرين عالم فيزياء نظرية أميركي

تصور نظرية الأوتار عالماً متعدداً، حيث كوننا مجرد شريحة خبز مقتطعة من الرغيف الكوني. أما الشرائح الأخرى فمنسلخة عنا ومشردة في بعد إضافي ما من الفضاء.

نظريات عن الكون وأبعاده

String Theory

نظرية الأوتار مجموعة من الأفكار الحديثة حول تركيب الكون تستند إلى معادلات رياضية معقدة، تنص على أن المادة مكونة من أوتار حلقية مفتوحة وأخرى مغلقة متناهية في الصغر لا سمك لها، وأن الوحدة البنائية الأساسية للجسيمات دون الذرية عبارة عن أوتار حلقية من الطاقة تجعلها في حالة من عدم الاستقرار الدائم وفق ترددات مختلفة تتذبذب فتحدد طبيعة وخصائص الجسيمات المكونة. تضم النظرية في جانبها الأبرز كل قوى الطبيعة: الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوى النووية، ثم محاولة توحيدها في نظرية واحدة، تسمى النظرية الفائقة (M-Theory).

نظرية براين

عام 1999 وضعت كل من ليزا راندال، عالمة الفيزياء النظرية، ورامان ساندرام، عالم النظريات الخاصة بالجسيمات نظرية برين، اختصاراً لـ«ممبرين» أي غشاء، حيث أشارا إلى ما مفاده بأنه في إطار الفضاء العلوي، قد يكون فضاؤنا مجرد سلسلة متكاملة من الأكوان القائمة، يتمثل كل منها بفقاعة منفصلة رباعية الأبعاد تسبح في فضاء أوسع يضم أبعاداً خمسة.

M-Theory

ولدت نظرية-إم لتوحد الأنواع الخمسة من نظرية الأوتار الفائقة. في عام 1995 طرح إدوارد ويتين نظرية-إم، بعد أن لخص العلاقات ما بين النظريات الخمس فيما يعرف بالازدواجيات أو الثنائيات التي تزيل الفروق. وافترضت أن يكون عدد الأبعاد فيها 11 بُعداً. وظهرت نتيجة غريبة لهذا البعد الإضافي، إذ سمح للوتر بأن يهتز ويتمدد ليكوّن غشاءً.

لا يوجد معنى حقيقي لحرف إم، حتى إدوارد ويتن لم يعلم تماماً ما هو حرف إم في اقتراحه الاسم (M-theory) مع أنه صرح في إحدى المرات مازحاً أنه يدل على الغموض والسحر والتشويق (mystery).

 

Email