أفكار الطلاب الذكور لا تتقاطع مع أهداف مدارسهم وقيمها

النظم التعليمية وغياب الحوافز تحبط الطلبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتفوق الفتيات في الشرق الأوسط على الصبيان في المدارس بهامش أكبر من أي مكان في العالم تقريباً، في ظاهرة أخذت تنتشر في أنحاء العالم أخيراً. ويتبين أنه حيثما يفسح المجال للفتيات لدخول المدرسة، فإنهن يتفوقن على الصبيان في أدائهن.

في عام 2015، تفوقت الفتيات المراهقات على الفتيان في اختبار صعب في القراءة في 69 دولة، أي في كل مكان تم إجراء الاختبار فيه. وفي الولايات المتحدة، من المرجح أكثر أن تتخرج الفتيات من المدرسة الثانوية ويلتحقن بالجامعة ويواصلن تعليمهن لمدة سنة أكثر من الرجال، في تفاوت صارخ وسط عالم أصبح يقدر المهارات العليا أكثر من أي وقت مضى.

وتفيد الكاتبة أماندا ربلي في مقالة نشرتها "ذا أتلانتيك" أن الفتيات في الأردن يتفوقن على أقرانهن من الذكور في كل المواضيع وعند كل المستويات، وأن عددهن في الجامعة الأردنية، أكبر جامعة في البلاد، يفوق عدد الذكور بنسبة اثنين إلى واحد.

وعلى صعيد العالم العربي، تحصل الإناث على شهادات في مجال العلوم، أكثر من الإناث في الولايات المتحدة، بالنسبة المئوية، وأنه في المملكة العربية السعودية وحدها، تحصل الإناث على نصف شهادات العلوم، على الرغم من أن القسم الأكبر منهن لا يفكرن بأن يوظفن مقابل أجر.

وهذا يثير الحيرة وفقاً للكاتبة، إذ طالما اعتقد الباحثون بأن وجود آفاق مستقبلية يحفز الطلاب على الاستثمار في الدراسة، لكن العديد من النساء في الشرق الأوسط لا يتجهن للحصول على مهن طويلة الأمد بعد التخرج، بل يقضين معظم حياتهن يعملن في المنزل كزوجات وأمهات.

وتطرح الكاتبة عدداً من الأسباب وراء أداء الفتيات الأفضل بكثير في المدارس داخل المجتمعات الذكورية أساساً، وتحلل الدوافع والأسباب وراء أداء الصبيان السيء للغاية.

وتنقل الكاتبة عن المديرة التنفيذية لمؤسسة الشيخ سعود بن صقر القاسمي لبحوث السياسة العامة في الإمارات، ناتاشا ريدج، قولها: «إذا منحت الفتيات تعليماً ذا جودة، فإنهن في الغالب يمضين به ويحققن أشياء مذهلة، وهذا الأمر يشكل دافعاً لهن»، لكن بالنسبة للصبيان، وبوجه خاص الفتيان من ذوي الدخل المحدود، فإن الالتحاق بالمدرسة لم يكن بالتأثير نفسه، مضيفة: «يصارع أولئك الفتيان من أجل العثور على رابط بين المدرسة والحياة، وينظرون بشكل متزايد إلى المدرسة بأنها مضيعة للوقت».

فشل ذريع

وترى الكاتبة أن الحوافز هي المادة التي لا يركز عليها في التعليم، وهي تساعد في توضيح سبب حصول بعض البلدان على نتائج تعليم مثيرة للإعجاب على الرغم من فقر الأطفال والتعليم الخافت البريق، فيما غيرها يحصل على نتائج متواضعة على الرغم من الرعاية الصحية الشاملة وأجهزة الـ «ايباد» المجانية.

وعلى الرغم من تفوق الفتيات، تشير الكاتبة إلى واقع أن الفتيات والصبيان لا يحققون نتائج جيدة في المدارس في الشرق الأوسط عموماً، فالنجاح نسبي، ولا تزال الفتيات في الأردن يحققن نتائج أسوأ في الامتحانات الدولية من الفتيات الأميركيات. ومع ذلك، فإنه عند سن الـ 15، تتفوق الفتيات سنة على الفتيان في العلوم، وتقريبا سنتين في القراءة وفقاً لاختبار «بيسا» عام 2015.

وترى الكاتبة الفجوة التعليمية بين الصبيان والفتيات في جميع أنحاء المنطقة كبيرة متشابهة بشكل لافت للنظر، حتى بين الدول التي تتميز بفروقات صارخة، بين بلدان يحصل فيها الصبيان على ضمانات بنوع من وظيفة حكومية، وفي بلدان أخرى حيث لا وجود لمثل تلك الضمانات.

وتشير الكاتبة إلى الآراء المتعارف عليها بأن الفتيات يدرسن أكثر من الفتيان الذين يبددون وقتهم بألعاب الفيديو، كأسباب تفوق الفتيات في مدارس الأردن الحكومية غير المختلطة، حيث تقوم معلمات بتدريس البنات، فيما يقوم معلمون بتدريس الفتيان، في نموذج مشترك مع العديد من دول المنطقة.

وتفيد بأن هذا المنحى كانت تؤكده البيانات في أنحاء العالم المتطور، حيث تنجز الفتيات ساعة إضافية من الفروض المنزلية أكثر مما يفعل الصبيان في الأسبوع، فيما الصبيان يلعبون على الأرجح أربع مرات أكثر من الفتيات بألعاب الفيديو يومياً، كما يؤكده واقع أن الأهل في العديد من الثقافات الإسلامية يميلون إلى منح الفتيات حرية أقل بسبب القلق من أن يسببن المتاعب للعائلة، فيما يتجمع الصبيان المراهقون في الشوارع وفي المقاهي من دون إشراف.

وتؤكده أيضا الاختلافات في الحوافز بين الجنسين، حيث يمكن لصبي بمؤهلات متوسطة الحصول على وظيفة بعد المدرسة الثانوية في الأردن، فيما للنساء والفتيات خيارات أقل بكثير، إذ يتعين عليهن إما أن يحصلن على درجة عالية في امتحانات المدرسة الثانوية حتى يتمكن من الالتحاق بالجامعة، ويحصلن على وظيفة مرموقة مثل معلمة أو طبيب، أم أن يتزوجن على الفور، مشيرة إلى ديناميكية مماثلة تنطلق في البلدان الخليجية المجاورة، حيث تغيب الحوافز للصبيان في المدرسة لأن الحكومة توفر لمعظم الرجال الوظائف عندما يكبرون.

لكن الكاتبة تفيد أن هذه النظرية التي يجري تكرارها في أنحاء المنطقة من قبل المسؤولين والباحثين وأولياء الأمور والطلبة، بأن حرية الصبيان تعمل كنوع من عائق أكاديمي على المدى الطويل، فيما الرقابة المتشددة على الفتيات تعمل على تشكيل تحفيز لديهن، تترك انطباعاً بأنها جزء من القصة، وليست القصة الكاملة.

آراء مختلفة

وفيما هناك بعض الحقيقة فيما يقال، تقول الكاتبة إن الفتيات لا يوافقن على أنهن أكثر ذكاء، أو أنهن يدرسن ويجتهدن أكثر من إخوانهن، وتنقل عن إحدى الفتيات في ثانوية حكومية في الأردن قولها إنها تخرج من المنزل وإن بدرجة أقل من أخيها، وتمارس ألعاب الفيديو أيضا، وفيما تخطط للدراسة باجتهاد لامتحان نهاية المدرسة، حيث ترغب في الحصول على علامات تؤهلها لإقناع والدتها بدراسة الموسيقى في لندن، فإنها تجد الكثير من الإلهاء على «يوتيوب» و«فيسبوك»، سواء غادرت المنزل أم لا، وما يحدث لا علاقة له بنوع الجنس«حسب قولها، بل ترى أن للمدرسة أهمية أكثر بكثير مما لعادات الفتيان والفتيات اليومية، فمدارس الفتيات أفضل حالاً وأقل خطورة، حيث تنقل الكاتبة نتائج دراسة أجرتها وزارة التعليم في الأردن عام 2014، عن أن مدارس البنين أكثر عنفاً، وأن علاقة الفتيان بالمعلمين أسوأ بكثير من علاقة الفتيات بالمعلمات، حيث يقسون على الفتيان ويميلون إلى إذلالهم ومعاقبتهم، مشيرة إلى أن قلة من المعلمين يرغبون أصلا في امتهان التعليم لمجموعة من الأسباب التي تتعلق بالمنظومة الثقافية، ولتدني الدخل، مما يدفعهم إلى العمل في اكثر من وظيفة.

وفي سياق متصل، تشير الكاتبة إلى نتائج مشروع بحثي عن الفجوة بين الجنسين في مدارس سلطنة عمان، حيث حدد القائمون عليه قائمة طويلة من العوامل التي كانت تتفاعل لتكوين مزيج صحي سامٍ.

وتفيد الكاتبة أنه في كل بلد، هناك أدلة على إمكانية إيجاد مزيج أكثر صحة. ومن دون تدريب لمساعدة الأساتذة على إدارة غرفة مليئة بالصبيان (أو الفتيات)، فإن مشكلات بمستوى منخفض يمكن أن تتحول إلى عدوى شاملة.

وهذا بالضبط ما يبدو أنه يحدث في العديد من المدارس الحكومية في الشرق الأوسط، حسب قولها، حيث تجتمع عناصر عدة لإيجاد نظام تعليمي لا يعمل بشكل جيد، وخصوصا لصالح البنين. وكل هذا يعود إلى المادة التي لم يركز عليها برأيها، حيث تنقل عن وكيل وزارة التعليم والمناهج حمود خلفان الحارثي قوله:»القضية لا تتعلق بالذكاء، بل بالحوافز«.

تحد أصعب

لكن الكاتبة تشير إلى تحد آخر لتحفيز الطلاب، وفقاً لمعد البحث في سلطنة عمان، محمد الطاهر عثمان الذي يقول:»أفكار الفتيان عن مفهوم الذكورة لا تتقاطع مع أهداف مدارسهم وقيمها. بالتالي في ذلك الفراغ، يطور الصبيان طموحات أخرى، يعمل على تشكيلها أقرانهم في ملعب كرة القدم وفي الشوارع«، مضيفاً:»للفتيان مجتمعهم الخاص، تحكمه قواعدهم وقيمهم«.

وتؤكد الكاتبة أنه في جميع أنحاء العالم، لم تواكب الأفكار بشأن الذكورة المطالبات بعالم يكافئ الإبداع والتفكير النقدي ويغلبهما على القوة البدنية، وفيما يمكن إعادة تدريب الأساتذة وتحسين العلاقات بين الطلاب والأساتذة، يبقى إصلاح هذه المشكلة المتعلقة بالهوية الذكورية أصعب.

لكن الكاتبة ترى سبباً للاعتقاد بأن إيلاء المزيد من الاهتمام لقضية تعليم الأبناء يمكن أن يقدم يد العون كما ساعد الفتيات في الماضي، مشيرة إلى دراسة لعالم الاقتصاد في»أم أي تي«ديفيد اوتور تظهر أن الصبيان يتضررون تحديداً من مدارس متدنية المستوى، وأنهم يتجاوبون بوجه خاص مع مدارس قوية، وتعتقد بقدرة أساتذة مدربين جيدا وأولياء أمور مطلعين على التعامل مع تلك التحديات. فلا عيب في الأولاد، كما تقول الكاتبة، وترى أن الكثير من المعلمين يفضلون الامتثال بدل المنافسة، والاجتهاد بدل المخاطرة، وهذا يؤدي إلى مدارس أكثر راحة للفتيات مما للصبيان. لكن تماما كما يحتاج الفتيان للتعلم على التركيز، تحتاج الفتيات للتعلم على المخاطرة. وأياً من الجنسين لا يستطيع أن يزدهر في عالم حيث يضعف الآخر.

الدراسة والوظائف

تقول فتاة في إحدى المدارس الحكومية بالأردن:

«إذا درست خمس ساعات فهذا لا يكفي، لكن إذا درس أخي ساعة واحدة فهذه معجزة». ويقول فتى في إحدى المدارس الحكومية بالأردن: «أدرس أكثر من أخواتي.. وأريد أن أصبح محامياً دولياً للشركات، وأحب دراسة الرياضيات واللغة العربية».

Email