المسؤول بين التواضع والنرجسية

new Nar main

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين نختار أشخاصاً غير مدّعين يتحلون بالتواضع كقادة لنا، فإن العالم من حولنا يصبح مكاناً أفضل.

القادة المتواضعون يحسنون أداء الشركات في المدى الطويل، ويخلقون بيئات أكثر تعاوناً. ويتمتع هؤلاء بنظرة متوازنة حيال أنفسهم فيدركون قوتهم ومكامن ضعفهم، ويكنون تقديراً هائلاً لنقاط قوة الآخرين وإسهاماتهم، مع المحافظة على الانفتاح على الأفكار الجديدة والملاحظات. ويساعد هؤلاء «الأبطال المغمورون» المؤمنين بقدراتهم على بناء الثقة بالنفس، وتخطي التوقعات وإيجاد مجتمع يوجه جهود الفرد ويقودها في مجموعة منظمة تعمل لصالح الكل.

لكننا بدلاً من اتباع قيادة هؤلاء الأبطال المغمورين، نتشبث بمبدأ البحث عن الأبطال الخارقين، القادة المتبجحين الذين ينضحون بالـ «كاريزما».

أما تعبير Kharisma، الإغريقي الأصل، فيعني الـ«الهبة الإلهية»، وهي صفة ترادف السحر والجاذبية الاستثنائيتين، والحضور القوي الذي يمكّن صاحبه من حض الآخرين وملئهم بالحماسة والتفاني. وقد عرّف عالم الاجتماع الألماني ماكس ويبر الكاريزما بأنها «ذات منبع قدسي أو مثال يقتدى به ويتيح للشخص المعني أن يعامل كقائد». وتشير الأدلة البحثية المرتبطة بالقيادة الكاريزماتية إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بالجاذبية الجماهيرية تزيد أرجحية مبايعتهم كقادة نظراً لطاقاتهم العالية، وسلوكهم غير التقليدي وأعمالهم البطولية.

لكن ما الذي يضاعف من فرص هؤلاء بالوصول إلى القمة؟ أشارت إحدى الدراسات، إلى أنه على الرغم من اعتبارهم مغرورين، فإن الأشخاص النرجسيين «يعكسون صورة القائد النموذجي الفعّال». ويعرف القادة النرجسيون كيف يجتذبون الانتباه، فهم يستسيغون الأضواء. ويستغرق الناس وقتاً لاكتشاف عدم تحقق مؤشرات الكفاءة المبكرة لديهم، حيث إن نرجسية القائد تقلص من تبادل المعلومات، وغالباً ما تترك تأثيراً سلبياً على أداء المجموعة.

ولا يعني ذلك أن الأشخاص النرجسيين أو أصحاب الكاريزما لا يستطيعون أن يشكلوا قادة جيدين. ففي بعض الحالات، ينجحون. وقد كشفت إحدى الدراسات أن المديرين التنفيذيين «يحبذون اتخاذ إجراءات جريئة تلفت الانتباه، وتسفر إما عن أرباح ضخمة أو خسائر هائلة». ويمكن للقائد النرجسي بالتالي أن يمثل اقتراحاً عالي الخطورة هائل المردود. كما لا يعني ذلك بالمقابل، أنه لا يمكن للقادة المتواضعين أن يتحلوا بالكاريزما كلياً.

غالباً ما ننزع لاختيار القادة ذوي الكاريزما السلبية، لأن جاذبيتهم لا تقاوم على الرغم من جنون عظمتهم وقلة تعاطفهم وشعورهم الطاغي بالجدارة. وعادة ما يفتتن أتباع الأبطال الخارقين بقدرة هؤلاء على استعراض مقدراتهم، حيث يسعون من خلال جاذبيتهم الطاغية لتحويل البيئات لمباريات تنافس أنانية، بما يمهد طريق النرجسية التنظيمية.

فإذا كان المتواضعون من القادة أكثر فعالية من النرجسيين، لماذا غالباً ما ننصّب الأخيرين لقيادتنا؟

تشير فرضية «رومانسية القيادة» إلى انحياز عام لفهم الأحداث الاجتماعية في إطار القيادة والميل لإضفاء الطابع الرومانسي على شخصية القائد. وتدل أبحاثي الخاصة على أن الحالات النفسية التي نمر بها قد تشكل تصوراتنا المنحازة حيال القادة الكاريزميين. وتساهم معدلات القلق المرتفعة في تعطشنا للكاريزما، وتزيد الأزمات بالتالي معدل بحثنا عن الكاريزميين فقط، وميلنا لتوسّم الكاريزما في القادة الذين نتبعهم.

وتشكل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية أرض اختبار استثنائية للقادة الكاريزميين. فهم يهيئون ظروفاً من اليأس والشك تبدو مثالية لبروزهم. لكن ذلك يعرضنا بشكل متزايد لاختيار القائد الخطأ. فالأزمات والأحداث المفعمة بالعواطف تضاعف الاستعداد لمغازلة النظرة التعظيمية للقادة النرجسيين. وتكمن المفارقة في أننا قد نختار دعم القادة الأقل احتمالاً لتحقيق الإنجازات. فزمن الأزمات يزيد إغراء الأبطال الخارقين «المنقذين»، الذين قد يغرقوننا في مخاطر أكبر.

وفي حين يبدو الأمر ميؤوساً منه، يمكن النظر إليه من زاوية مختلفة، لأننا نحظى أساساً بالقادة الذين نستحق. وبما أننا نختار بشكل جماعي قادتنا ونكوّن مفهوماً يلبي احتياجاتنا ورغباتنا، فيسعنا انتقاء التواضع والكاريزما الاجتماعية وتقديمها على النرجسية.

تداخل

أوضحت دراسة سريرية أجريت حديثاً أنه حين تتداخل الكاريزما والنرجسية، ينزع القادة لإساءة استخدام السلطة واستغلال الآخرين. وأكدت دراسة ثانية أن القادة النرجسيين يميلون إلى تقديم رؤية مستقبلية جريئة مما يضفي عليهم الجاذبية، ويصورهم على أنهم أصحاب كاريزما في عيون الآخرين.

161

أخضعت إحدى الدراسات، أخيراً، 105 شركات صغيرة إلى متوسطة في مجال تصنيع أجهزة وبرمجيات الكمبيوتر في الولايات المتحدة، فبيّنت النتائج أنه حين يكون الرئيس التنفيذي على رأس الشركة، فإن فريق الإدارة العليا يكون أكثر قابلية للتعاون وتبادل المعلومات والاستفادة إلى الحدّ الأقصى من الكفاءات الموجودة.

وأظهرت دراسة أخرى أن تواضع القائد قد يكون معدياً، بمعنى أنه إذا ابتعدت تصرّفات القادة عن الادعاء، فإن الأتباع سيقتدون بسلوكهم ومواقفهم. وبيّنت دراسة أجريت على 161 فريقاً أن موظفي القادة المتواضعين أكثر قبولاً للاعتراف بالأخطاء ومكامن القصة، كما الاعتراف بنجاحات الآخرين، والانفتاح على الأفكار الجديدة، وتقبّل النصيحة والنقد.

وفي حين تشكل الكاريزما إحدى ناقلات إحداث التحولات واسعة النطاق، فقد تتسم بـ«جانب مظلم». ويصف كل من المؤلفين جاي كونغر ورابيندرا كانونغو المشهد في كتابهما المبدع «كاريزما القيادة داخل المؤسسات»، بالقول: «يمكن للقادة الكاريزميين أن يكونوا أكثر عرضة للنرجسية القصوى التي تؤدي بهم لتعزيز غايات في خدمة الذات تنضح بهوس العظمة».

كاريزما إيجابية وسلبية

يوافق الباحثون على تصنيف القادة الكاريزميين ما بين «إيجابيين» و«سلبيين» عن طريق توجههم نحو تحقيق أهداف المصلحة الذاتية مقابل مصلحة المجموعة. ويطلق أيضاً على جانبي القيادة الكاريزمية تلك اسم «الكاريزمية الشخصية والاجتماعية».

وعلى الرغم من تحلّي النوع الثاني بهالة البطولة، فإن ضعف الهيبة السلطوية، وغياب الاهتمام الحقيقي بالصالح العام يتصديان له. بالمقابل، فإن النفحة البطولية المتخيلة للقائد ذي الكاريزما الشخصية تترافق مع نزعة سلطوية ونرجسية فائقتين.

وحين يشعر الناس بالحيرة والتشوش فإنهم يتجهون لتكوين علاقات شخصية مع القائد الكاريزمي. أما العلاقات الاجتماعية فتقوم على أساس مجموعة واضحة من القيم لأشخاص ينظرون للقائد الكاريزمي كسبيل لتحقيق الصالح العام.

لا يمكن لأحد أن يكون ألطف من النرجسي حين تسير حياتك على هواه.

إليزابيث بوين - روائية إيرلندية

قادة التغيير يلهمون الناس العاديين لتحقيق أمور استثنائية أما القادة النرجسيون فيحبطون أفضلهم.

نيك فيوينغز - كاتب ومتحدث

أعتقد أن هناك طرقاً خفية للقيادة، التي لا تحتاج لأن تكون دراماتيكية.

سكوت بيركون - كاتب ومتحدث أميركي

 

 

Email