دبي شهدت عرضه الأول وأحداثه تدور في الأربعينيات

«دونكيرك».. بطولة مطلقة للصورة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ثلاث سنوات مرت على صدور فيلم «انترستيلر» (Interstellar) للمخرج كريستوفر نولان، الذي اعتبر آنذاك رحلة ملحمية في الفضاء، وها هو نولان يعود إلى الواجهة بفيلمه الجديد «دونكيرك» (Dunkirk)، مغرداً فيه خارج سرب أفلام الحروب، وتلك التي تناولت الحرب العالمية الثانية، فلا أسماء يمكن أن تتذكرها في هذا الفيلم، ولا حوارات طويلة تستهلك الذاكرة وتسبب الملل، لتكون البطولة المطلقة فقط للصورة، الذي ضمن نولان من خلالها إبقاء المشاهد «على أحر من الجمر» لمعرفة تفاصيل وطريقة معالجته لواقعة أو حصار الألمان لـ «دونكيرك» الفرنسية، خلال الحرب العالمية الثانية، لا سيما أن أحداثها لا تزال تعيش في ذاكرة البريطانيين والفرنسيين حتى اليوم.

الفيلم الذي شهدت دبي، أول من أمس، عرضه الأول، حيث أقيم في صالات نوفو سينماز بدبي فستيفال سيتي، يتناول بشكل عام عملية إجلاء جنود الحلفاء من بلجيكا وبريطانيا وفرنسا، بعد أن تقطعت بهم السبل، وحوصروا بواسطة الجيش الألماني في شواطئ ومرافئ «دونكيرك» الفرنسية، عام 1940.

معلومات تاريخية

لعل اللافت في الفيلم، الذي تولى نولان تأليف نصه وحظي بتقييمات نقدية عالية، ترفع من سقف التوقعات بترشيحه للأوسكار، هو ابتعاد نولان عن النص التاريخي، توضح ما حدث في الأربعينيات، على شاكلة الأفلام التي تناولت الحرب العالمية الثانية، ما ساعده في عدم تحويل الفيلم إلى وثائقي، خاصة أنه لم يتكئ فيه على أسماء النجوم الذين شاركوا في الفيلم مثل توم هاردي وكيليان مورفي، ومارك رايلانس، وكينيث براناه.

في هذا العمل سار المخرج على سكة أفلامه السابقة، ونجح في شد المشاهد إلى «دونكيرك» منذ اللحظة الأولى لبدايته وحتى النهاية، رغم أن تصوير المشاهد لم تتخذ طابع «الأكشن» بصورة رئيسة، وذلك لكون نولان قدمها للجمهور من ثلاث وجهات نظر مختلفة، من الأرض والبحر والجو، فهناك الجندي «تومي» الموجود على أرض المعركة ويحاول جاهداً الهروب من الموت، وهناك «داوسن» الرجل المسن المدني الذي يمضي كل مشاهده وسط البحر، بعد أن يقرر في لحظة قيادة مركبته ناحية ميناء «دونكيرك» للمساهمة في عملية إجلاء الجنود، أما الثالث فهو الكابتن طيار «فاريير» الذي يقضي الفيلم وهو يحلق في السماء، يحاول حماية الجنود على الأرض، وهو ما مكن نولان من تقديم المعركة من جوانبها الثلاث، مع مراعاة عدم تضمين المشاهد لأي عنف أو دماء، على خلاف ما تفيض به أفلام الحرب عادة، ما ساعد في تقديم فيلم مريح للعين، كما ساعد في منحه تصنيفاً عادياً، يمكن من هم في سن 13 من متابعته، وهذه كانت واحدة من التحديات التي واجهت نولان نفسه، بأن يقدم فيلماً مشدوداً في حبكته وقصته، مبهراً في صورته وكوادره السينمائية، ومليئاً بالعاطفة، خاصة أن نهاية معركة «دونكيرك» معروفة للجميع ونتائجها بائنة في الوثائق التاريخية، وبالتالي لا يوجد فيها أي مفاجآت يمكن الاعتماد عليها.

وتر العاطفة

في هذا الفيلم، لعب نولان على وتر «العاطفة»، بهدف خلق جسر بين شخصيات الفيلم والجمهور، رغم تركيزه على شخصيات محدودة، لا تبدو ملامحها واضحة تماماً للعيان لخدمة الصورة، فضلاً عن ابتعاده عن إثارة مشاعر الكراهية والحقد ضد الجنود الألمان الذين لم يسع إلى إظهارهم في الفيلم، مكتفياً بذكر كلمة (العدو) في مرات قليلة بالفيلم، ليبدو أن نولان قصد توجيه مشاعر الكراهية للموت والهزيمة فقط.

بشكل عام، يعكس الفيلم مدى التطور في أدوات نولان، فضلاً عن أنه يعكس طبيعة مدرسته الإخراجية، حيث اعتمد فيه على الرؤية البصرية من دون إحداث فوضى عارمة على الشاشة، كون أحداث الفيلم تدور في أرض الحرب، وهذه تعد ميزة إضافية منحت الفيلم بعداً إيجابياً وأسهمت في رفع مستوى التقييمات النقدية.

معزوفة

إبهار الفيلم لم يتوقف عند حدود الصورة البصرية، وإنما تجاوزه ناحية الموسيقى التصويرية التي أبدعها الموسيقار هانز زيمر، التي أسهمت في تحويل الفيلم إلى ملحمة، خاصة وأن الموسيقى طغت في بعض المشاهد على الرؤية الإخراجية، ومنحتها صفة «الروعة»، رغم بساطة الحدث، ما جعل من الفيلم معزوفة كلاسيكية، ودعا الجميع إلى التوقع بأن يتم ترشيح مقطوعة زيمر لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل موسيقى تصويرية.

Email