مواقف صعبة أبكتهُنَّ فتغلبنَّ عليها بالحب

أمهات قرية العائلة شهادات نجاح ملهمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أن تجد الموظفة نفسها أماً لعددٍ من الأطفال الأيتام في لحظةٍ ما، لتفتح عينيها على واقعٍ صعب شهدته عيونهم الصغيرة، فأثَّرَت في دواخلهم، وحفرت في ذواتهم عميقاً، ليكون النتاج تصرفات غير لائقة.

وردود أفعال مفاجئة، ويكون دورها أن تُسخِّر أمومتها في خدمة هؤلاء الصغار، لتعيد تدوير ما اكتسبوه خلال طفولتهم الصعبة، فتضخ جرعات من الحب والحنان، لتكمل دورها في الحياة، فهذا ما يمكن اعتباره مُهمةً مستحيلة.

ولكن، في قرية العائلة في دبي، لم تعد هذه المهمة مستحيلة، فرغم الصعوبات والتحديات التي تواجهها الأمهات هناك، والمواقف التي أبكت أعينهن، والتصرفات التي أدمت قلوبهن، إلا أن وعيهن بأدوار الأم الحقيقية زادهن إصراراً على النجاح، فتغلبن على كل الصعوبات بقلب أم، ليوقعن شهادات نجاح ملهمة.

»البيان« زارت قرية العائلة، والتقت بمجموعة من الأمهات، واستمعت لقصص وحكايات مؤثرة، تغلبت فيها عاطفة الأمومة على كل الصعوبات، فكان النجاح حليفهن في النهاية.

صعوبات تعلم

لم تكن مهمة منى عيد، التي تقوم بوظيفة الأم في القرية، سهلة، فالصعوبة التي واجهتها تتمثل في طفل يبلغ عمره (8 سنوات) يعاني من صعوبة التعلم، لتتساوى قدراته بقدرات طفل عمره 3 سنوات فقط، وعنه قالت: لم يكن قادراً على الاستيعاب أو الفهم أو الحديث كغيره، لدرجة اعتقدنا معها أنه أبكم.

كما كان يعاني صعوبة في القيام بواجباته البسيطة من تناول الطعام لوحده، وتنظيف يديه، ما جعلنا نبدأ معه مشواراً سخَّرنا من خلاله كل طاقاتنا في سبيل تعليمه، وواجهنا معه تحديات كثيرة، حتى الألوان لم يكن قادراً على التفريق بينها، وهو ما استدعى منا المتابعة المستمرة مع مدرسته، ومضاعفة الجهود، والسهر والتعب، لنصل به اليوم إلى مرحلة نجح فيها في الحديث والتعبير عن نفسه ومتطلباته وحاجاته.

ولفتت منى إلى أن طموحها هو الوصول بهذا الطفل إلى مرحلة تتساوى فيها قدراته وإمكاناته مع نظرائه، مشيرة إلى أنه في تحسُّنٍ مستمر، وأصبح يمتلك القدرة على التعبير عن مشاعره وانفعالاته.

أزمة ثقة

حكاية لمى سالم، »خالة في القرية«، كانت من أصعب الحكايات، فالمواقف الصعبة التي تعرضت لها مع الطفلة ذات العشرة أعوام، جعلتها أكثر إصراراً على النجاح، فما الذي يجبر غير الأم أن تستيقظ كل نصف ليلة لتعالج مشكلة التبول اللاإرادي لدى طفلتها؟ مشكلة تلك الطفلة تمثلت أيضاً في عدم الحديث لعدم إتقان النطق بطريقة صحيحة، وشعورها بالخجل في حال الخطأ.

وعن ذلك قالت لمى: كانت لغتها ركيكة، وتخجل من نطق بعض المفردات بطريقة خاطئة، فبدأت معها مشوارنا في التحدي، واستعنتُ بمختصين في النطق، وبالأخصائي النفسي في القرية، كما كنتُ أتابعها في كل حديثها، وأردد الجمل التي تخطئ فيها لتعيد تصحيحها، وتحدثتُ مع إخوتها في القرية عن ضرورة مساندتها وعدم الاستهزاء بطريقة نطقها للكلمات.

وعززتُ ثقتها بنفسها، ونجحنا بحمد الله في أن نساعدها على التعبير عنها، بعد أن تحسنت مهاراتها اللغوية بشكل كبير، وانتصرنا على مشكلة التبول اللاإرادي من خلال الاستيقاظ كل نصف ساعة طوال الليل، حتى أصبحت تعتمد على نفسها، وها هي اليوم نموذج رائع لطفلة جميلة واثقة من نفسها.

نقص وتعويض

حكاية جميلة الحمادي، »أم في القرية« لا تشبه حكاية غيرها، فالنقص الذي عانت منه في حياتها، دفعها لأن تلتحق للعمل في قرية العائلة، وعن ذلك قالت: أنا يتيمة منذ طفولتي، عانيتُ كثيراً من فقدان الأم والأب، كما لم يرزقني الله بأطفال طوال 15 عاماً، ما جعلني أتجه إلى قرية العائلة، لأجد فيها الحضن الذي افتقدته في حياتي، فأنا فيها بين أم وأخوات وأبناء.

وفي بيئة أسرية وعائلية عوضتني عن النقص الذي عانيتُ منه طويلاً. وذكرت جميلة أن القرية بيتها الأول، مشيرة إلى أن أطفال القرية ينادونها بـ»ماما« وهو ما يمنحها شعوراً رائعاً ليس له مثيل، وقالت: أبناء القرية أبنائي، عوضني الله بهم، ولو طلبوا مني عيناي، سأقدمها لهم على طبق من ذهب. جميلة التي تتحمل مسؤولية ولدين في مرحلة المراهقة (13 و 14 سنة)، واجهت مواقف صعبة تمثلت في اعتياد أحدهما على الكذب المستمر.

وقالت: كان يؤلف قصصاً وحكايات، ويكذب دائماً، ولكني تعاملت مع الموضوع بشكل جدي دون أن أعاقبه، فقد احتضنت الولدين واحتويتهما، وكنت لهما أماً بكل معنى الكلمة، حتى باتا لا يتقبلان فكرة أن »أزعل« منهما، وكان ذلك كفيلاً بأن يجعلهما يحسنا أي سلوكيات لا ترضيني، فمجرد تجاهلي لهما كان أمراً مزعجاً لهما، حتى تغلبنا اليوم على مشكلة الكذب، وقطعنا مشواراً كبيراً في هذا الجانب.

وأكملت جميلة: علَّمتهما المواظبة على الصلاة، وأعتبرهما أمانة، واقتربت منهما كثيراً حتى أصبحا يتعاملان معي كأم لهما، ويرسلان الرسائل لي خلال إجازتي الأسبوعية، ويبدآن حديثهما بـ»أمي الغالية«، كما سخَّرتُ نفسي لإسعادهما، ولا يزعجني أن يوقظاني فجراً للجلوس معهما أو تلبية متطلباتهما.

مشاكل المراهقة

بكت سميرة جاسم، »أم في القرية« كما لم تبكِ من قبل، فالصعوبات التي واجهتها في القرية كانت جديدة عليها، حكايتها بدأت مع إحدى الفتيات في مرحلة المراهقة (17 سنة)، التحقت بالقرية بعد أن كانت تعيش مع إحدى الأسر، ولم تكن تتقبل هذا الواقع، فانعزلت عن الجميع، وكانت سلبية جداً.

أكملت فاطمة الحكاية، فقالت: كانت تجلس لوحدها على مدى شهرين، حتى استوعبت وجودها في القرية، وبدأت بعدها تعي وجود قوانين عليها الالتزام بها، ولم تكن تتقبل الأمر في البداية، إلا أن إصراري على تعليمها خبرات الحياة جعلني أتقرب منها، لا سيما أن لدي ابنة في نفس العمر، وأعرف تحديات هذه المرحلة العمرية.

وكانت تصرفات هذه الفتاة مستفزة في البداية، وكنتُ أتجاهل ما لا يعجبني منها، وأتعامل معها بهدوء، واستعنتُ بالأخصائية النفسية في القرية، حتى نجحتُ أخيراً في أن أكسبها كصديقة.

وكنتُ أحرص على مشاركتها كل اللحظات، نخرج معاً للتسوق، وأسألها عن رأيها في أمور كثيرة، وأشتري لها ثياب العيد، حتى فوجئت بها تناديني »ماما«، وأصبحت لا تنام إلا بعد أن تحتضنني كأي أم وابنة، كما تغيرت شخصيتها تماماً، وأصبحت ناضجة في تفكيرها، وتتحمل مسؤولية أخواتها في القرية، وتحاول القيام بدوري في إجازتي الأسبوعية، وهو ما جعلني فخورة اليوم بها.

احتواء

»قنبلة غضب متنقلة« هذا ما يمكن وصف الطفل ابن السبع سنوات، الذي كان في حالة هياج ، ولم يكن سهلاً على عفراء الشامسي، »أم في القرية« أن تتعامل معه بسهولة، فقالت: حين أتى للقرية، كان يصرخ دائماً ويهدد بالانتحار، وقد عشت معه مواقف صعبة ، إلا أنني احتويته بكل حنان، ما جعله اليوم شخصاً آخر .

مواجهة العناد بالحكمة

وجدت فاطمة صالح، التي تقوم بدور »خالة الاطفال« نفسها في مأزق صعب، مع طفل عمره (9 سنوات)، تمثلت مشكلته في العناد المبالغ فيه، لدرجة أنه كان يكسر كل ما يجده حوله، ويعبر عن غضبه بعصبية شديدة، لدرجة بكت فيها مراراً، وعنه قالت: فوجئت به في البداية، إلا أني طوَّعت نفسي على تحمل تصرفاته، والتحقت بدورات تعلمت فيها كيف أتعامل معه، .

واستمر الحال طويلاً حتى وصلت به اليوم إلى بر الأمان، وأصبح شخصاً آخر، يستأذن قبل دخول أي مكان، ويبادلني الاحترام. وذكرت فاطمة أنها تعلقت كثيراً بأطفالها الخمسة في القرية، وأنهت حديثها بالقول: لم أيأس يوماً، ولم أعد أستطيع الانفصال عنهم، وقد أصبحوا قطعة من روحي.

تعزيز وحضور الموروث الشعبي

واجهت عواطف المري، »أم بديلة«، صعوبات كثيرة تمثلت في عدم تقبُّل أبناء القرية للطعام المحلي، حتى أصرت على طهوه لهم بنفسها، وقالت: تعتبر أكلاتنا الشعبية جزءاً مهماً من موروثنا المحلي، وفوجئت بأن الأطفال لا يعرفون عن أكلاتنا شيئاً، فأصررت على تقديمه لهم بأفضل صورة.

وقد كانوا يرفضونه في البداية، لكني كنتُ أتحدث عن فوائد هذا الطعام، وأطلب منهم مساعدتي في إعداده، حتى أصبحوا اليوم يعرفون ما هو »البلاليط« و»الهريس« و»اللقيمات« والخمير»و«المجبوس» وغيرها، كما تحسنت عاداتهم الغذائية، وطرقهم في الجلوس على طاولة الطعام، وبذلك وفرنا لهم طعاماً يساعد على نموهم بطريق صحية.

منى عيد: صعوبات التعلم لن تقف عائقاً أمام ذكاء طفلي

لمى سالم: طفلتي عانت أزمة ثقة وهي اليوم نموذج للقوة

جميلة الحمادي: عالجتُ كذب ابني بالحب وليس بالعقاب

سميرة جاسم: ابنتي أبكتني وتغلبتُ على مشكلاتها بعاطفتي

Email