«مداري» يفتح ملفات الفساد في الهند

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جرعة جرأة عالية يقدمها الممثل الهندي عرفان خان في فيلمه الأخير «مداري» الذي يخلخل فيه أركان الحكومة الهندية، عبر التنبيش بين ملفات الفساد التي تؤثر على المجتمع، مقدماً فيه إحداثيات مختلفة تحمل بين طياتها انعكاسات على واقع الإنسان الهندي، لنلمس من خلال مشاهد الفيلم، طبقات المجتمع الفقيرة وكيفية تحكم الحكومة بالآلة الإعلامية والشرطية في الهند.

انهيار

منذ 2013 وحتى الآن، تبدلت شخصيات خان في أفلامه، فبعد تجسيده لشخصية الموظف الحكومي الذي يعاني من الروتين اليومي بعد فقدانه زوجته، واكتشافه شغف الحب في «صندوق الغذاء»، وتجسيده في 2014 لشخصية «حيدر» في فيلم يحمل الاسم ذاته، اقتبس عن مسرحية «هاملت» إحدى روائع وليام شكسبير، عاد خان في هذا الفيلم ليطل بشخصية المواطن العادي الذي لا يمتلك شيئاً، ويعيش حالة نفسية مضطربة بعد فقدانه لابنه، إثر موته في حادث انهيار أحد الجسور في مومباي، ليبدأ «نيرمال كومار» (خان) على إثرها بملاحقة وزير الداخلية عبر اختطاف ابنه الوحيد «روهان»، كمحاولة منه لاسترداد حقه عبر تقديم المسؤولين عن انهيار الجسر إلى المحاكمة، وهو ما نشهده في نهاية الفيلم، حيث يقيم لهم محاكمة أمام الشعب على الهواء مباشرة، ليكشف مكامن الفساد واستفحال الرشاوى بين موظفي الحكومة.

فلاش باك

اللافت في الفيلم أن المخرج بدأ قصته من الوسط، فمع المشهد الأول يبدو أن نيرمال (خان) قد أخذ قراره بتنفيذ عملية الاختطاف، لتتوالى بعدها عملية كشف خيوط القصة بالكامل، عبر استخدام تقنيه الفلاش باك، التي تظهر لنا طبيعة علاقة نيرمال بولده، والذي جند طاقته ووقته بالكامل لتربيته وتعليمه، ليفقده في غمضه عين، فيما يسجل الحادث في خانة «ضد مجهول».

 التداخل الذي اعتمده المخرج في سرد قصة الفيلم، كان جميلاً، وأنقذه من الوقوع في فخ الملل الذي عادة ما تقع فيه الأفلام الهندية، فضلاً عن ذلك ساعده في تقديم الواقع كما هو من دون تلاعب، وبجرأة لم نعهدها في بوليوود، إلا عبر أفلام معدودة، كما تلاعب فيه على وتر المشاعر عبر علاقة نيرمال بولده، وأيضاً بابن وزير الداخلية فيما بعد.

الفيلم يتغلغل في دوائر صنع القرار في الهند ويبين طريقة تفكيرها وتعاطيها مع المسائل من خلال شقين، أولهما يبرز في قدرة وزير الداخلية على تجنيد كافة الدوائر الحكومية، بما فيها الجيش للبحث عن طفله المخطوف، وثانيهما يتمثل في قدره صناع القرار على غض البصر عن هموم الفقراء والبسطاء الذين يتابعون بشغف قضية اختطاف ابن الوزير، بسبب الآلة الإعلامية التي يتم تجنيدها لذلك، والاستفادة مما توفره الإنترنت من طرق تواصل سهلة.

شخصية مركبة

أداء خان في الفيلم، كان رائعاً، لا سيما وأنه لا يسير ضمن خط واحد، فمرة تراه يعاني من الاضطراب النفسي، وتارة تراه أنيقا وفي أخرى تشعر بأنه إنسان بسيط جداً، ومرة يكون فيها محاوراً جيداً، وجميعها شخصيات مركبة، استطاع خان أن يصهرها بشخصية «نيرمال»، وأن يتقلب بينها بحسب طبيعة المشهد، بحيث يضمن له ذلك إيصال رسالة الفيلم الذي ابتعد عن إيقاع بوليوود المعروف، فجاء الفيلم رصينا خاليا من مشاهد الرقص والمبالغة في المشاهد.

Email