دراما متقنة تعكس مرارة واقعنا وتحكي وجعنا بحس فكاهي

«سيلفي».. الفن الملتزم في ضيافة الكوميديا

■ القصبي وأسعد الزهراني في أحد مشاهد سيلفي 2

ت + ت - الحجم الطبيعي

تزدحم السلة الدرامية الرمضانية بصنوف أعمال بانورامية تتراوح بين التاريخي والاجتماعي العام..وكذا الكوميدي أو التراجيدي. لكن قليلاً منها، فعلياً، يغرّد خارج سرب المكرور والنزعة الربحية البحتة، ليحضر مناغياً أرواحنا.. ملامساً معيشنا.. محاكياً ما يدور في فلك أيامنا، وعاكساً ما نختبره من ويلات وأهوال نحن الماكثين في بقعة من المعمورة يكويها لهيب الحروب وتتناهشها سعارات التفكك والتشدد.

ولا غرو، والحال هذه، في أن نصفق لاستثناء درامي شائق في هذا الموسم، يمثله «سيلفي 2» الذي تعرضه قناة «أم بي سي1». وطبعاً، ما ذاك المذهب أو الحكم من قبيل الثناء المجاني على العمل. فأية غربلة أو عمليات قياس ومقارنة، سواء أكانت متخصصة أو عامة، لا بد وأن تبرهن كفاءته وتثبت منزلته الرفيعة التي ترسخُ بجدارة واضطراد مع حلقاته المتتالية في الشهر الكريم، ذاك بفضل عناصر كثيرة اجتمعت فيه، منها: الحس الفكاهي الذي ليّن صرامة نهجه وموضوعاته الملتزمة، قوة حضور الشخصية الرئيسية الفنان ناصر القصبي، تقانة المخرج أوس الشرقي، إلى جانب حرفية الممثلين والفنيين المشاركين.

وربما أن مكمن وسر التميز الحقيقيين، خلطة تلك المكونات والركائز جميعها، مضافاً إليها استناد العمل إلى محتوى ثري بنّاء، ومعالجاته الفنية الناجحة التي يدين معها الفساد ويشرّح آفاتنا المجتمعية ومسببات وجعنا وتقهقرنا، عبر روحية طرح فكه ومباشر يبتعد عن الميوعة أو الابتذال.

جرعات ولوحات

لافت جداً، أن جرعات العمل تحفل بألوان المرح مقرونة بجدية التناول والاشتغال الحرفي على فنيات المَشَاهد لتظهر جاذبة تنفذ إلى دواخل المتلقي بسلاسة، فتجعله قريباً من الحكاية منغمساً في الأداء ومتشرباً فِكر حلقاته العامرة بالدلالات والمتمازجة في قالب متكامل يصوغ أبجدية درامية رشيقة.

حقاً، ليس من فراغ أن العمل يستحق الإشادة. فما تشتمله نصوص حلقاته من أفكار غنية وإشارات مهمة، يتلقفها فريق العاملين ليشكلها، وباقتدار، لوحات باسمة تلج عمق قضايانا ويومياتنا فتفتش في أدق التفاصيل منبشة في مصادر آلامنا ومنابع هزال ثقافتنا وتدهور مفاهيمنا.

ومن ثم تؤشر، بذكاء وسخرية، إلى أوجه الخلل وما أمسى يعترينا من مشاعر وأحاسيس تقودها الضغينة وتسعِّر نيران ضلالها أحقاد واعتقادات قتّالة لا علاقة لها بأصالة تراثنا وفكرنا. ذلك سواء في حقول:الثقافة أو السياسة أو المجتمع أو الاقتصاد.

مرآة

إن «سيلفي»2 يكشف لنا، بل يؤكد، أن جذر أمراضنا واحد وحيد: هروب الحب من دستور حياتنا وتعاطينا.. ثم خضوعنا للأهواء وانقيادنا للمطامع. وليس من قبيل المبالغة القول، إن العمل يوقظ غفلتنا لنعيد التأمل فنروي غرس الحب الأصيل في ذواتنا، لنطرد القبح من زوايا واقعنا ونضيء أركانه المُعتمة.

الفن البنّاء

«برافو» القصبي. أجدت وأنت تدبج بقلم الدراما حكاية جرحنا النازف الذي لا ننفك نستحي من مسبباته.. إنك، ومعك كادر العمل وكتّابه وجميع من أسهم فيه، تبرهنون من جديد، أن الفن بمضامينه الإيجابية ووظيفته الحق، حتى وهو يحلق بجناحي الفكه، لا يمكنه أن يكون فقط لهدف الفن مجرداً أو الترفيه العشوائي. فكم يغدو بهياً حين ينطوي على أهداف نبيلة ويحمل رسالة تتقمص جسد أحد صنوف الإبداع لتنثر عبير الخير والحق والجمال.

مآخذ

كثيرة هي مقومات التفوق ونقاط القوة في المسلسل. إلا أن اقتصار الأدوار الرئيسة فيه على ممثلين محددين 3 أو 4 من المخضرمين..وبينهم، بشكل طاغٍ، ناصر القـــصبي، حرم بعض الفنانين الشباب المشاركين، من القدرة على إبراز إمكاناتهم وإثبات أنفسهم.

كما أن حركة الكاميرا ومواضع المشاهد والحوارات والأحداث شتى، ربما كانت في نسبتها الغالبة، حبيسة جلسات المجالس في المنازل، وبذا غابت أية فضاءات أخرى توفر بدورها، التنويع والجذب الإضافيين.

كذلك، لا يرصد العمل بتوسع، هموم الشباب وما يتهددهم في زمن العولمة.

Email