يُعلي شأن الشخصيات على القصة
«ساوث بو» يستعير حبكته من أفلام الملاكمة
حظيت الملاكمة بنصيب الأسد من أفلام السينما خلال قرن من الزمن تقريباً، رغم تراجع شعبيتها كثيراً، خصوصاً في الآونة الأخيرة، بينما لم نر أفلاماً مهمة عن أي رياضات أخرى.
«ساوث بو» فيلم يجمع أجزاء قصته من قصص معظم أفلام الملاكمة التي سبقته، فعلى سبيل المثال، لدينا بطل ملاكمة يتعرض لضغوط نفسية رهيبة، نتيجة مشاكل شخصية، بينما يظل حبه ثابتاً لابنته. (استعارة من فيلم The Champ عام 1979). أما مدرب يرفض قبول ملاكم سابق، إلا إذا تقيد بقوانينه، فهو مستعار من فيلم Rocky عام 1976.
لكمات دامية
ويبدو مشهد ملاكم يحب استفزاز خصومه، ويستمتع بتلقي لكمات دامية منهم قبل القضاء عليهم. مستعاراً من Raging Bull عام 1980. وبالنسبة لمشهد ملاكم منافس يستفز زوجة الملاكم البطل ليثير غضبه في مكان عام، فهو مستعار من Rocky الجزء الثالث عام 1982.
وأخيراً، فمشهد ملاكم يستخدم يده اليمنى في تسديد الضربات، يخدع منافسه بتسديد ضربة مفاجئة باليسار، وهي الحركة التي يتخذ الفيلم من اسمها عنواناً له، وهو مستعار من Rocky الجزء الثاني عام 1979.
ولا يحمل الفيلم جديداً ولا مفاجآت على صعيد القصة، بل إن الشخص الذي شاهد عدداً لا بأس به من أفلام الملاكمة، سيتمكن، وبكل سهولة، من تخمين تفاصيل الحبكة بمجرد مرور النصف ساعة الأولى.
استفزاز
الفيلم عن ملاكم اسمه بيلي هوب (جيك ييلنهالي) في عصره الذهبي، يتعرض لاستفزاز من ملاكم آخر يصغره سناً، ويريد منافسته.
الطريقة التي استفزه بها تسببت في حادث لزوجته (ريتشيل ماك آدمز)، ما أوجد له أزمة نفسية جعلته يتراجع وينطوي على نفسه إلى أن يعيد ترتيب حياته والعودة إلى الملاكمة من جديد. إذن، أمامنا الجوانب الأخرى من الفيلم، وأكثر ما يشد الانتباه فيه، أداء بطل الفيلم جيك ييلنهالي الرائع.
بحث عن أوسكار
هذا الممثل ينتقي أدواره بعناية فائقة، وكأنه يبحث عن أوسكار، وإن اختار دوراً، فنلاحظ أنه يكرس نفسه تماماً له. فجميعنا يتذكر كم فقد من وزنه لتأدية دور المحتال في فيلم Nightcrawler عام 2014، وهنا، فهو يفعل العكس بالضبط، فقد زاد من وزنه وتمرن حتى أصبحت عضلاته مفتولة للدور.
ممثل استثنائي
جيك ييلنهالي ممثل استثنائي، رغم صغر سنه، نراه تارة في أفلام مستقلة ذات ميزانية ضئيلة متميزة، مثل Enemy العام الماضي، وتارة أخرى في أفلام كبيرة، مثل Prisoners في 2013، وEnd of Watch في 2012. وكل أفلامه جميلة وترسخ في الذاكرة بسبب مستوى أدائه العالي.
ميلودراما
الفيلم يأخذ بعداً ميلودرامياً وعاطفياً، نتيجة ظروف بطل القصة والمخرج انتون فوكوا، يبقي التركيز على هوب وعلاقته بابنته التي تضررت كثيراً، ويسعى لإصلاحها بشتى الطرق، لكن بالنسبة لشخص مثل هوب، فإن تعبير شتى الطرق يختزل في كلمة واحدة: الملاكمة.
فوكوا يخصص الساعة الثانية من فيلمه، في إعادة بناء الملاكم المحطم من خلال مشاهد تدريب مكتوبة ومنفذة بصورة جيدة من قبل شخصية المدرب تيك ويلز (فوريست ويتيكر)، كانت أكثر من كافية للتحضير للمشهد الأخير عن المباراة النهائية.
لا نعلم لو أن الأكاديمية الأميركية للعلوم السينمائية ستتذكر أداء ييلنهالي بعد 6 أشهر لتمنحه ترشيح أوسكار، لكن لو افترضنا تأجيل طرح الفيلم إلى نوفمبر، فإن ترشيحات الأوسكار ستطال بطل الفيلم بالتأكيد.
علاقات
الفيلم ليس عن قصة تحوي مفاجآت، بقدر ما هو محاولة لسبر أغوار مجموعة شخصيات تربطها علاقة أسرية (هوب وابنته)، أو علاقة عمل (هوب ومدربه تيك).
تميز
فوريست ويتيكر تميز هنا للمرة الثانية من بعد فيلمه The Last King of Scotland في 2006، الذي استحق عليه جائزة أوسكار. والطفلة أوونا لورانس تميزت بأدائها الجميل الذي لم نر له مثيلاً منذ الأداء اللافت للممثلة الصغيرة هيلي شتاينفيلد في فيلم True Grit في 2010.
إثارة وتشويق
الإخراج جاء متميزاً أيضاً من انتون فواكوا، الذي برع في بناء الإثارة والتشويق في مشهد المباراة النهائية التي قد تجعل المشاهد يجلس على طرف مقعده مراقباً جولاتها المثيرة، متمنياً أن يسحق هوب ذلك الملاكم المغرور. موسيقى الفيلم من تأليف جيمس هورنر (مؤلف موسيقى فيلم تايتانيك)، وهي آخر ما ألفه قبــل موتــه في حــادث طائرة في شهر يونيو الماضي، وهذا الفيلم مهدى لذكراه.
بطاقة
نرى ملاكمنا هوب بشخصيتين، الأولى غاضبة هائجة داخل الحلبة، تتلذذ بتلقي الضربات من الخصم، قبل أن تهزمه. والثانية هوب خارج الحلبة، تعكس أنه شخص غير متعلم نتاج الشارع، أهمله والداه والتقطته الحكومة ليتربى في مؤسساتها الاجتماعية، حيث تعرف إلى رفيقة دربه وتزوجا وأنجبا ابنتهما.
هوب مفاجآت على صعيد القصة والأحداث الدرامية أداء جيك ييلنهالي أكثر ما يشد الانتباه بطولة: جيك ييلنهالي، ريتشيل ماك آدمز، فورست ويتيكر، أوونا لورانس. إخراج: انتون فوكوا التقييم
