من يكتم ضحكته أو يحبس دمعته يعاني اختلالاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

دموعي غالية، وعيب، وضحك الرجال بكاء، بل يتدخل جرير ليقول : لولا الحياء لهاجني استعبار، ويقول المتنبي : تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضّاح وثغرك باسم، هذه كلها عبارات تشف عن نزعات ثقافية «كبتية» موروثة ومتجذرة في العقل الجمعي لمجتمعاتنا.

تدريبات على التصنع

لقد غذينا ثقافياً ونفسياً طوال السنوات بثقافة التظاهر والتجمل، حتى نبدو أكثر قوة ورباطة جأش بمواجهة المجتمع. سلسلة من التدريبات التربوية تدفعنا دفعاً نحو السيطرة على مشاعرنا فنداريها بطرق لا تحصى ولا تعدّ. وفي المقابل لم يتم التركيز يوماً على الآثار السلبية التي تنجم عن تلك السيطرات المفتعلة.

إن الحس المرهف، المتفاعل مع المؤثرات، هو سمة التوازن في النفس البشرية، أما القدرة على حبس البكاء وكتمان الضحك، فتصرف يشير إلى خلل عميق في المشاعر، هذا ما يؤكده الدكتور إيرفنج ماركويتز، مدير مركز رعاية الطفولة بمدينة نيوجرسي الأميركية، ويمضي قائلاً إن تربية الأولاد على حبس البكاء والسخرية من الباكي، ظاهرة من أسوأ الظواهر السلبية في الثقافة الإنسانية.

عظمة مهملة

عظمة الإنسانية تكمن في امتلاك صدق الإحساس بما يصيب الناس، ومشاركتهم في أحزانهم، لكن هذه العظمة العاطفية تقضي عليها فكرة يورثها الآباء للأبناء في مختلف الثقافات التاريخية والمعاصرة، مؤداها أن البكاء والدموع هما أوضح علامات الضعف، بينما في الواقع لو نظرنا إلى هذا الاعتقاد نظرة موضوعية لوجدنا أن الدموع، على العكس من ذلك، ربما كانت دليلاً على القوة في مواجهة الحقيقة، وليس الضعف، لماذا؟ لأن دموع الضعف هي تلك التي يذرفها المستجدي والمستعطف.

دموع القوي

أما دموع الأسى والمشاركة الوجدانية والشعور بالألم، فلا يجرؤ على مواجهة الواقع بها - في مجتمع يستنكر رجاله البكاء - إلا شخص قوي شجاع. حينما لا يقصد بضحكه أو بكائه خداعاً أو رياء أو سخرية، ولقد أثبتت الدراسات العلمية أن جمود الإحساس وكبت المشاعر علة تقلل من القدرة على مقاومة المرض، لأنها تحكم بالجمود على أجزاء معينة من المخ والجسم، ولكن تراكم الآلام يجعلها تنفجر يوماً في صورة مرضية.

Email