قصر رولان بونابرت تحول إلى فندق راق إلى جانب برج السيد إيفل جاره وصديقه

"شانغريلا" تحيي تاريخ الأمير العاشق

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يخطر في بال الأمير الارستقراطي ابن العائلة الملكية، رولان بونابرت، أن مسكنه الخاص الذي بناه في باريس في العام 1896، لكي يجمعه مع طفلته من زوجته الشابة المتوفاة بعد عامين من زواجهما ماري بلون، وابنة أحد أكبر أثرياء فرنسا في ذلك الوقت فرانسوان بلون.. سوف يتحول ذات يوم إلى قصر للضيافة الفندقية، تديره سلسلة شانغريلا العالمية التي نقلت مفاهيم الرفاهية في هذا القطاع إلى مستويات جديدة مع امتلاكها وإدارتها أكثر من 90 فندقاً موزعة حول العالم تحت أربع علامات تجارية ما يعادل 37 ألف غرفة فندقية.

 

تواريخ عالمية
لم يكن الأمير، أحد أبناء الأخوة لنابليون بونابرت، ربما، أشهر أمراء هذه العائلة، المرتبط تاريخها بشكل وثيق بتاريخ فرنسا، وتاريخ مناطق كثيرة من العالم لاحقاً، بما فيها منطقتنا العربية التي خضعت لحملة بونابرت على مصر مروراً ببلاد الشام ومصر سنة 1798. ولكن يمكننا القول إن بعض الاهتمامات التي شغلته في زمنه (توفي عام 1904) قد خلدت ذكراه إلى يومنا هذا.

 https://media.albayan.ae/inline-images/2409871.jpg

في الوقت الذي تتصدر فيه عناوين الصحف الباريسية الأخبار التشاؤمية عن الاقتصاد الفرنسي، إلا أن زائر هذا القصر، الذي يقع في الدائرة 16 من باريس في شارع إيينا، على مسافة أمتار قليلة من برج إيفل وتمثال جورج واشنطن.. لن يشعر بوقع تلك الأخبار، بل ستزوغ عيناه بين سيارات وأزياء المقيمين في هذا الفندق، الذي افتتح في العام 2010 ليكون أول فندق تابع لهذه السلسلة في أوروبا. المقيمون قد يوصفون بأنهم من نخبة المجتمع الفرنسي والأوروبي، وأيضاً العالمي، كما كان الأمر عليه بالنسبة إلى رواد المكان قبل أكثر من قرن وعقد من الزمن.

 

https://media.albayan.ae/inline-images/2409869.jpg

 

أجواء ملكية
الواجهة التي لطالما خلبت أذهان الباريسيين في مطلع القرن العشرين، هي مصممة على طراز لويس الرابع عشر. وبعد درجات تلج بك عبر عتبة البناء، الذي صممه في الأساس أحد مهندسي اللوفر ومهندس قصور نابليون الثالث أرنست جنتي؛ تشعر مباشرةً بأجواء التصميمات المينمالية المهيمنة (مفهوم جمالي يعتمد على سحر الفراغ والمساحات من دون الاتكال بشكل رئيسي على الأثاث) أحياناً، والملكية أحياناً أخرى.

 https://media.albayan.ae/inline-images/2409868.jpg

ستجد نفسك مباشرةً في الردهات الثلاث (ردهة الساعة، وردهة البليار، وردهة الدخان) التي كان الأمير فيما مضى يستقبل فيها ضيوفه من النخبة، ثم يتم فرزهم إلى نوعين: إن كانوا من المهتمين بالعلوم أو علم النبات، فسيسلكون اتجاهاً معيناً، حيث ينتظرهم رولان مع مكتبته العلمية الضخمة، ودراساته، وشغفه الذي لا ينتهي بالفيزياء والرياضيات والفلك، إضافةً إلى عيناته النباتية المحنطة التي احتاجت إلى حيز ضخم لاستضافتها (يشغل الحيز اليوم مطعم لا بوهينيا الآسيوي الراقي في الطابق الأرضي للفندق). أما إن كانوا أتوا من أجل مقصد شخصي أو عائلي، فسيستقبلهم الأمير في مكان آخر مختلف.

https://media.albayan.ae/inline-images/2409866.jpg 

هوس نباتي وعلمي
جمع ذلك الرجل، الذي لم يحتضن زوجته ماري في هذا القصر، إذ توفيت قبل أن ينتهي البناء بأربع عشرة سنة (1882)، بين ثلاث اهتمامات، لا تقل إحداها أهميةً عن الأخرى، بل إن شغفه بواحدة، هو وحده ما يطغى على الأخرى، وليس أي أمر آخر، بما في ذلك أمه التي عاشت معه في القصر وكانت هي الآمرة الناهية ومتفرغة لإدارة شؤونه، وطفلته الصغيرة التي حملت اسم ماري أيضاً، وعاشت طفولةً وحيدةً وباردةً، وربما تكون كئيبةً، وسط الصالات الواسعة المهيبة التي لم تخل من احتفالات رسمية ذات طابع سياسي ارستقراطي، لا يؤثر بطفلة.. الأب، كان مشغولاً على الدوام بشغف العلم من جهة وشغف تحنيط عينات نباتات الحدائق، حتى أنه جمع في حياته أكثر من مليوني ونصف مليون عينة، وهو ما يعد اليوم سابع أكبر مجموعة نباتات من نوعها في العالم والأولى في فرنسا، وتم حفظها في جامعة العلوم في مدينة ليون.

https://media.albayan.ae/inline-images/2409864.jpg

لقد بلغ حجم تلك العينة مقداراً كبيراً، إلى الحد، أنه حين قامت ابنة الأمير بعد وفاته بالتبرع بها إلى جامعة ليون، احتاج الأمر إلى ملئها في قطار من 22 عربة لنقلها إلى البناء الذي تم تشييده خصيصاً من أجلها. واليوم، تقبع تلك العينات في محفوظاتها هناك، وهي غير متاحة للجمهور العادي من السواح، وإنما للباحثين وطلبة العلم والمهتمين الحاصلين على إذن خاص من الجامعة.

https://media.albayan.ae/inline-images/2409863.jpg

الطريف في الأمر، أنه تم عرض هذه المجموعة النادرة على كل متاحف باريس وجامعاتها وأيضاً أمكنة أخرى في فرنسا في مطلع القرن العشرين، إلا أنه لم يقبلها أحد باستثناء جامعة ليون. ويعيد المؤرخون السبب وراء ذلك، إلى عاملين: الحجم الضخم للمجموعة، وأيضاً أسباب سياسية تتعلق بنظرة السلطات الحاكمة آنذاك إلى عائلة بونابرت ومقاربتها لتجربتها في التاريخ السياسي الفرنسي المعاصر، إذ يظهر رفض استضافة مجموعة نباتية ضخمة لأمير من تلك العائلة، أن المقاربة لم تكن إيجابية جداً.

 

نحلة ذهبية
حين قررت شانغريلا التي تملك وتدير جزء من أفخم تشكيلة من الفنادق في العالم، أن يرتفع علمها في باريس، ذات الأصول المتجذرة في الرقي والفخامة والأصالة، لم تجد أفضل من هذا المكان الذي استثمرت فيه ملايين اليوروات، شملت إعادة ترميم جذرية حافظت على الكثير من عناصر التصميم البناء في القصر الأصلي. وقام أمهر الفنانون وخبراء الآثار والتصميم بتوحيد جهودهم من أجل استعادة أجواء الفخامة الأصلية للبناء، وتحديداً في القاعات التي تستخدم اليوم في الاجتماعات والمناسبات الخاصة.

https://media.albayan.ae/inline-images/2409860.jpg 

إحدى الصالات تسيطر عليها قشور الذهب ورسم النحلة مع الحرف الأول من الكلمة التي ترمز إليها بالفرنسية، بما أن النحلة كانت رمزاً لعائلة بونابرت، على عادة العائلات الكبرى في ذلك الزمان التي كانت تتخذ من عالم الكائنات الحيوانية والنباتات رموزاً لها. القاعة الأخرى، لا يزال فيها نقوش أصلية على البرونز تصور حقبات مهمة من التاريخ السياسي لعائلة بونابرت.

يقول توني لو غوف، رئيس الكونسييرج في الفندق، عن عملية الترميم: "لا نستطيع القول إننا تسلمنا المبنى في حالة سيئة. حرص الملاك السابقون، وهم الحكومة الفرنسية على أن يحافظوا قدر الإمكان على روح المكان وملامح أساسية مثل الرخام وأيضاً السلم الأصلي وصالات النبلاء في الطابق الأول".

 

جارنا إيفل
أعادت شانغريلا تشكيل المساحات الداخلية للفندق الغرف والأجنحة. هناك 65 غرفة في الفندق مفتوحة إطلالاتها على برج إيفل ويبدأ سعر ليلتها من ثلاثة آلاف درهم، بينما هناك 33 جناحاً تبدأ أسعار ليلتها من 5 آلاف درهماً، أما الأجنحة الفاخرة فهي ثلاثة: جناح شايو (45 ألف درهم لليلة) والجناح الإمبراطوري (74 ألف درهم لليلة) وجناح شانغريلا (83 ألف درهم لليلة).
 
يصعب فعلاً القول إن أحدها أقل فخامة من الأخرى، أذ أن أقل أنواع الغرف لديها إطلالات خلابة على برج إيفل الشهير، الرمز الثقافي والمعماري والسياسي (لوقت طويل) لفرنسا قاطبة، وأحد أهم الأيقونات المعمارية في العالم. في واقع الأمر، فإن هناك مشبك تاريخي وثيق بين عائلة بونابرت، وتحديداً رولان بونابرت، وبين المهندس غوستاف إيفل، مهندس البرج التاريخ. فعدا أن القصر والبرج قد بنيا تقريباً في ذات المرحلة (ينعكس ذلك التزامن أكثر ما يمكن في تشابه الكثير من أشكال التصميمات الداخلية من حيث أنها تعتمد، كما في مطعم لا بوهينيا على عنصري المعدن ومنافذ الضوء، وهو ما ميز حقبة كاملة من التصميم أعيدت إلى حقبة البرج وسميت بالتصاميم الإيفيلية)..

https://media.albayan.ae/inline-images/2409861.jpg

وعدا أن نوافذ الفندق اليوم وشرفاته، التي تتسع وتتخذ طابعاً خاصاً جداً في الأجنحة العلوية كما جناح شانغريلا وجناح.. تنفتح جميعها بإطلالات قريبة جداً وخلابة على البرج.. عدا ذلك كله، فإن هناك علاقة جيرة وصداقة قد ربطت بين الرجلين رولان بونابرت وغوستاف إيفل. واليوم، بالإمكان مشاهدة بيت المهندس إيفل، على مسافة أمتار قليلة في مواجهة القصر، ويشرح لوغوف: "أنه مملوك منذ سنوات من عائلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وتقطن فيه أرملته، وهو من الأبنية التاريخية النادرة في فرنسا التي لا تملكها الحكومة الفرنسية أو تستثمر فيها". كذلك يقول إن حديقة، لم تعد موجودة اليوم، وملعب تنس، كان يصلان بين بيتي الرجلين.

 

طعام راق
ذكر الحديقة التاريخية المختفية، يستدعي على الفور، ذكر الحديقة الحالية، التي تعج بأنواع الزهور الفرنسية العطرة، والتي تتصل بجزء منها بواجهات أحد أرقى مطاعم الفندق، وربما باريس كلها أيضاً، مطعم "لا باي" (النحلة)، في إشارة إلى رمز عائلة بونابرت، وهو المطعم الذي يحتضن إبداعات الطاهي الفرنسي الشهير كريستوف موريه، الحائز على نجمة ميشلان. لكن "لاباي" ليس نهاية تجربة الطعام المبتكرة والصحية، والراقية في الوقت ذاته، في "شانغريلا باريس"، إذ أن مطعم " لا بوهينيا" يذكر بالجذر الآسيوي لشانغريلا، عبر تصميماته وقائمة الأطعمة المقدمة فيه.

 https://media.albayan.ae/inline-images/2409862.jpg

 

Email