جـــذور

الكتابة والتدوين في مجتمع الإمارات قديماً

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد كانت ثقافة أبناء الإمارات في معظمها وخلال عقود من الزمان، شفاهيّة، يتم تداولها بين الناس، خاصة أنه في الماضي لم تكن وسائل الإعلام الحديثة متوافرة، ولهذا نجد أن الأخبار كان يتم تناقلها بين الأهالي روايةً. ولذا قلّ التدوين أو ضعف على الأقل، وليس معنى ذلك أنه قل بسبب الإهمال، ولكن ذلك يعني أن المجتمع في تلك الحقبة الزمنيّة قد استغنى بذاكرته عن مذكرته. إضافة إلى أن التدوين المتعلّق بالعلم لم يكن شائعاً في المجتمع ولهذا فإن المخطوطات العلمية تكاد تكون غير موجودة.

التدوين هنا يمكن أن يحتمل أكثر من وجه، فهناك التدوين بهدف العلم بمعنى أن صاحبه وضع هذا المدوَّن ليكون منارة للعلم، وهنا نعني به التراث المخطوط، بمعنى المخطوط المتعارف عليه، وهناك التدوين الشخصي الذي يهدف منه صاحبه لحفظ أعماله الشخصيّة في سِجلّات معيّنة تعينه حين الحاجة إليها فيرجع إليها بسهولة.

وهناك التدوين المخطوط المعاصر، وهو ما وضعه أصحابه بهدف العلم، وهو ليس مخطوطاً بالمعنى المتعارف عليه لأن أدوات الكتابة وأوراقها تختلف نوعاً ما، وأغلب أصحاب ومعتمدي هذا الصنف من المدوّنين وضعوه في بدايات القرن العشرين. وهناك التدوين الملاحي إذ يقوم النّوخذة بوضع ما يعرف بالروزنامة البحريّة، بدءاً من وقت إبحاره من بلده وإلى حين عودته.

وهناك التدوين الشخصي المتعلق بالبيع والشراء والعقارات وإثبات الممتلكات، وهناك التدوين الخاص بالحسابات وأغلب أصحابه هم مالكو الدّكاكين والمحلّات الذين يتعاملون مع الناس يومياً، وهناك التدوين الشرعي المتعلّق بتوثيق الشؤون الشخصية: من زواج وطلاق وفرائض وميراث وإثبات النّسب..

ويتعلق بهذا النوع تحديداً ما له ارتباط بالمسائل القضائية واعتماد القضاة وأحكامهم. وهناك التدوين الخاص بالديون العامة التي يسجلها المتداينون على بعضهم البعض كنوعٍ من إثبات تسليف الأموال، وهذا لحفظ العهود والمواثيق. وهناك التدوين الرسمي المتعلق بالمراسلات بين الحكام وسلطات الاحتلال البريطاني بدءاً من عام 1820.

(1418 –1500 م)

وفيما يتعلق بالتراث المخطوط، فإن الملّاح العربي الشهير شهاب الدين أحمد بن ماجد الجلفاري (1418 –1500 م)، أحد أبناء بلدة جلفار في إمارة رأس الخيمة في دولة الإمارات، هو أشهر مَن ترك إرثاً كتابياً علميّاً، وله عدد من أشكال التراث المخطوط، مثل:

الفوائد في أصول علم البحر والقواعد، رسالة قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس، العمدة المهدية في ضبط العلوم البحرية، المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر. إضافة إلى عدد من الأراجيز المتعلّقة بالأسفار والملاحة.

وربما نتحصل من بعض الإشارات الواردة في رحلة علوي الحدّاد إلى الصّير «وهو مسمى تاريخي للجزء الشمالي من دولة الإمارات العربية المتحدة»، في القرن الـ18م، على وجود بعضٍ من المصنّفات والكتب الفقهيّة والعقديّة، كانت مُتَدَاوَلة هناك، ومن هذه الإشارات: قوله بأنّ كتباً لأبي حامد الغزالي ككتاب:

«إحياء علوم الدّين» كانت منتشرة بين الأهالي. كما يذكر علوي الحدّاد نفسه، أنّه أحضر معه عدداً مِن المصنّفات، مثل: «كتاب الحاوي لأهل بتاوي»، «القول التّام في دعوة الأنام مِن العوام»، «البرهان في صحّة صلاة الجمعة بنقص العدد بأمر السلطان»، «السيف والسّنان لِمَن حكّم الفلك والهندسة على مذهب ابن عدنان»، «القول الواف في معرفة القاف»، «أحسن القول والخطاب في بيان أفضليّة الأصحاب»، «موضح البيان في سنيّة إعادة الظّهر بعد الجمعة في مذهب ابن عدنان». إضافة إلى عديد مِن الوصايا والمكاتبات التي ضمّنها علوماً دينيّة واجتماعيّة وصوفيّة.

ولا نستبعد أنّه قد أتى بكتبه تلك أو ببعضها معه إلى الصّير، ومِن المحتمل أيضاً أنّ زين بن عبد الله الحدّاد، نفسه، قد أحضر معه بعضاً مِن المصنّفات الفقهيّة، خاصّة أنّه قد تربّى في حجر أبيه ونشأ تحت رعايته، ولزم أباه وحفظ كتبه وأدرك حظّاً مِن علوم الشريعة، وحفظ القرآن الكريم..

ذلك إلى جانب كتب ومتون كثيرة متنوعة. وهناك كتب أخرى، بينها: كتاب: «إرشاد الغاوي إلى مسالك الحاوي» لشرف الدّين بن إسماعيل بن أبي بكر المقري اليمني، الفقيه المشهور المتوَفّى عام 837 هـ. والكتاب الثّاني: «دلائل الخيرات وشوارق الأنوار في ذِكر الصّلاة على النّبيّ المختار» لأبي عبد الله محمد بن سليمان بن عبد الرحمن الجزولي السّملالي الفاسي المتوَفى عام 879 هـ.

«مختصر بافضل»

ومِن المؤلفات التي أشار علوي الحدّاد إلى وجودها في الصير ومعرفة الأهالي بها: «صفوة الزُّبد» لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن الحسين بن الحسن بن علي بن يوسف بن علي بن رسلان الرملي الشافعي المتوَفى عام 844 هـ، ويمثل منظومة شعرية مشهورة في الفقه الشّافعي نظم فيها ابن رسلان كتابَ الزبد للبارزي، وهو شرف الدّين أبي القاسم هبة الله بن عبد الرّحيم بن إبراهيم بن المسلم بن هبة الله الجهني الشّافعي الحموي، المتوَفّى عام 738 هـ.

ويضاف إلى ذلك: «شرح الحكم» و«كتاب الحكم في الأصل» لتاج الدّين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندري الشّاذلي المالكي المتوَفّى عام 709 هـ. ومِن الجدير بالإشارة إلى أنّ لكتاب الحكم شروحات كثيرة ومتنوّعة.

ومن بين الكتب المتبقية: «مختصر كتاب القضا» لأبي يحيى زكريا بن محمّد الأنصاري المتوَفّى عام 926 هـ. وهو بعنوان: «عماد الرّضا ببيان آداب القضا» والكتاب في الأصل لشرف الدّين عيسى الغزي (وقد حقّق هذا الكتاب زايد بن يحيى درويش العمري كأطروحة دكتوراه). و«راتب الحدّاد»، وهو لعبد الله بن علوي الحدّاد، إذ إنه عبارة عن أدعية وتوسّلات.

وقد شرحه حفيده أحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد، بعنوان: «سبيل الهداية والرّشاد شرح راتب الحدّاد»، وشرحه أيضاً علوي الحدّاد نفسه تحت عنوان: «بغية أهل العبادة والأوراد في شرح راتب الحدّاد». كذلك هناك: «مختصر بافضل» وهو المقدّمة الحضرميّة في فقه السّادة المغربيّة لجمال الدّين عبد الله بن عبد الرّحمن بافضل السّعدي الحضرمي الشّافعي المتوَفّى عام 918 هـ.

مصنفات نفيسة

ومن الكتب التي تحدث الحدّاد عنها: شرْح المقدّمة الحضرميّة لشهاب الدّين أحمد بن محمّد بن حجر الهيتمي، المتوَفّى عام 974 هـ. وهو المسمّى: «المنهج القويم في مسائل التعليم»، أو«المنهج القويم شرح مسائل التعليم» الذي عُني به قُصي محمد نورس الحلاق ونشره في مجلّد واحد بصفحات تبلغ 664، سنة: 1427هـ - 2006م.

وهذا المصنَّف من أهم حلقات التعليم التي لا بدَّ لطالب الفقه الشافعي منها. والكتاب مِن أنفس الشّروح التي اعتنت بمسائل التعليم وأبرزت مكنون كنوزه.

وذلك لِمَا لِشارحه مِن مكانة علميّة فقهيّة عند الشافعية. و«فوائد الشرجي» الذي يبين الفوائد في الصلاة والعوائد وهو لشهاب الدّين أحمد بن محمّد بن عبد اللطيف الزبيدي الشرجي الحنفي، المولود بزبيد عام 811 هـ والمتوَفى عام 893 هـ، والكتاب عبارة عن مجموعة من الأحاديث في موضوع الصّلاة، ويشتمل على 100 فائدة، وذكر فيه أنّه: جمع فيه الفوائد المتعلّقة بالأدعية والأسماء والأوفاق، وأضاف إلى ذلك ما يناسبه من التفسير والحديث. وقد حقّق الكتاب عبد الجليل العطا البكري عام 2009.

«الصواعق والرعود»

لا يُستبعد أن فقهاء وعلماء مِن أهالي الصّير قد تركوا مصنفات أو كتابات خاصة بهم هي غير موجودة الآن. ولا شك أن الفقيه محمد بن صالح المنتفقي قد ترك آثاراً علمية وفقهيّة وشعريّة.

ويشير الرحّالة علوي الحداد إلى فقيه وعلامة بعينه هو محمّد بن بشير، قاضي رأس الخيمة، الذي لخّص كتاباً يدعى «الصّواعق والرعود»، وهو مِن تأليف العلامة عفيف الدّين عبد الله بن داود الزّبيري الحنبلي، المتوَفّى سنة 1225 هـ - 1810 م. وتوجد نسخة مخطوطة مِن هذا الكتاب في المكتبة الشّرقية ببتنة بالهند رقم 1238.

1777

ويذكر علوي الحداد في الفصل 15 مِن كتابه: «مصباح الأنام»: «أخبرني مَن لخّص هذا الكتاب: ( الصّواعق والرعود)، محمّد بن بشير قاضي رأس الخيمة بالصّير». ويُفهم مِن قول الحدّاد:

«أخبرني مَن لخص هذا الكتاب» بأنّه جرى حديث بين الاثنين وحوار ونقاش. ويبدو أن علوي الحداد قد التقى بمحمّد بن بشير أكثر مِن مرّة، وكانت المرة الأولى في الرحلة الأولى للسيد علوي إلى الصير بين عامَي 1191/‏‏‏1190 هـ - 1777 م، و1196 هـ - 1782 م، حيث كان ابن بشير طالباً للعلم ومؤذّناً وناسخاً.

أمّا حين أصبح محمّد بن بشير قاضياً لرأس الخيمة كان ذلك فيما يبدو في رحلة الحدّاد الثّالثة القصيرة عام 1211 هـ - 1797 م.

ويبدو أنّ كتاب ابن داود قد وصل إلى رأس الخيمة بعد الزيارة الأولى لعلوي الحداد التي التقى فيها بالقاضي والفقيه محمّد بن بشير. ومِن الجدير بالذِّكر أنّ العلامة عبد الله بن داود قد توفي سنة 1225 هـ - 1810 م. مما يعني أن محمّد بن بشير قد لخّص الكتاب في حياة مؤلِّفه، ولا يُستبعد أنّه تواصل معه بطريقة أو بأخرى. كما وضع يوسف بن محمد الشريف كتاباً في الفقه الحنبلي، أو نسخه، وبه بعض الأدعية يعود لعام 1910.

ولا بد من التذكير هنا، وفي ختام هذه الحلقة من الدراسة، إلى مجموعة من الأسماء المبرزة، كانت من ضمن كوكبة المثقفين والعلماء الذين هم من بين رواد الكتابة والتدوين في مجتمع الإمارات، خاصة في القرنين الـ19 والـ20، ومنهم: أحمد بن علي المناعي، ومحمد بن سعيد بن غباش، وراشد بن علي النقبي، ومبارك بن حمد العقيلي، وحميد بن سلطان الشامسي، وعبدالله بن صالح المطوع.

الثقافة الشفاهية تسيدت المشهد الاجتماعي طوال حِقب زمنية متتالية فقلّ التدوين واستغنى الناس بذواكرهم عن مذكراتهم

الكتابات المتعلقة بالعلم لم تكن شائعة وهو ما أدى إلى واقع أن المخطوطات العلمية تكاد تكون غير موجودة

ابن ماجد أشهر مَن ترك إرثاً كتابيّاً علمياً ومن آثاره المخطوطة «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد»

6

كان عدد من العلماء ورجالات الدين والوجهاء، في شتى إمارات دولة الإمارات، في العقود الستّة الأولى من القرن العشرين، يحتفظون بمكتبات خاصة بهم في بيوتهم، تحتوي على مجموعات متنوعة من الكتب، لا يُستبعد أن بها مجموعات من المخطوطات في فنون مختلفة.

1739

يوجد من بين أقدم الكتب في مجتمع الإمارات، مؤلفات مهمة كثيرة، مثل: «كتاب الجيوب في ذِكر الصّلاة على النّبيّ المحبوب» لمحمّد بن عبد العزيز الجزولي الرسموكي اليعقوبي، إذ انتخبه من «دلائل الخيرات ودلائل الأبرار»، ومؤلفه استمرّ على قيد الحياة حتى عام 1152هـ (53) /‏1739 م. وكتاب «تحفة الحبيب شرح نظم غاية التّقريب» لشرف الدّين يحيى بن نور الدّين موسى بن رمضان العمريطي الشّافعي، المتوَفّى عام 890 هـ.

محاضر ورسائل

برز في عقدَي الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت، تدوين محاضر الاجتماعات بين حكام إمارات الدولة والسلطات البريطانية، أو في اجتماعات الحكام فيما بينهم. وانتقل الأمر بعد ذلك إلى تدوين وتسجيل ما له علاقة بالإدارات المحلّية المنشأة حديثاً، والتي تطورتْ بعد ذلك. ويندرج ضمن هذا النّوع كذلك مراسلات الحكام فيما بينهم، وهي مسائل تتناول على الأغلب، القضايا الداخلية.

كما كان الأصدقاء يتبادلون الرسائل فيما بينهم، يتحدّثون فيها عن أمور شتّى، وهناك الرسائل العائلية التي يتبادلها الأهالي مع أبنائهم وهم في أماكن عملهم في دول الخليج العربية أو في أماكن إقامتهم في خارج إطار الخليج العربي.

 

 

Email