شاهد حيوي على بدايات رسم نهضة دبي المعمارية

دوار الساعة معلم تاريخي وفتنة لا تشيخ

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من منا لم يمر يوماً من الأيام بجانبه، ومن منا لم تلمح عيناه ولو للحظات عقربي ساعته وهما يتلاحقان في كل لحظة، تعبر عن جمال عصر ولدا فيه بتأسيس برج بات شاهداً على لوحات فنية رسمت بميلاد مدينة فاتنة هي دبي.

 إنه برج دوار الساعة، الذي أصدر المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، رحمه الله، في أوائل الستينات، قراراً بإنشائه، فقدم المهندس زكي الحمصي تصميماً من وحي أفكاره لبرج الساعة. ويرجع بنا الحمصي في هذا الحوار لذلك الزمن الجميل بكل تفاصيل إنشاء هذا المعلم التاريخي.

توجيهات

احمرت عينا الحمصي وهو يتحدث عن اهتمام الشيخ راشد بهذا المشروع، وقال: كان حريصاً، رحمه الله، على تنفيذه وكان شخصيا يتفقد تطورات إنجازه واعتبر البرج معلماً تتوارثه الأجيال، وأكمل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد المسيرة عن طريق توجيهات سموه لبلدية دبي للحفاظ على معالم دبي التراثية وترميمها ومن ضمنها برج الساعة. وكان اختيار المساحة التي يوجد عليها البرج حالياً تقاطعاً مهماً، لذا اقترح زكي أن تكون هذه المساحة موقعاً مناسباً لإقامة البرج، واقترح أيضاً أن يكون مكانه على الدوار المروري لحماية البرج.

وأوضح الحمصي: «احتجنا في بناء البرج لثلاثين عاملاً حيث كانوا يقفون بصفين متوازيين في كل صف 15 عاملاً ويقومون بحمل الأسمنت من خلال تمريره بينهم للوصول لمكان الصب، ولعدم وجود مقاولين يتولون تلك المهمة باقتدار، قمت بتنفيذ بنائه من خلال المكتب الهندسي الذي أعمل فيه، وقد استغرق بناؤه عشرة أشهر كاملة»، وأضاف: «كلف بناء البرج 130 ألف ريال قطر ودبي في ذلك الوقت، ونحن كمكتب هندسي نفذنا المشروع لعدم وجود مقاولين مقتدرين في تلك الأيام، وكنا نأخذ أوامر التنفيذ مباشرة من مكتب الشيخ راشد، رحمه الله، لاهتمامه شخصياً بتنفيذ المشروع».

اختيار التصميم

واسترسل قائلاً: «اقترح على مكتبنا أربعة تصاميم لبرج الساعة عبارة عن أربع لوحات، يظهر فيها البرج على شكل عمود تقليداً لساعة بيغ بن، فاقترحت أن يكون الشكل أكثر انسيابية وقمت بتصميم البرج بطريقة يكون البرج مواجهاً لأربعة طرق، ويمكن مشاهدته من أي اتجاه ومفتوح على الشوارع التي يربط بينها البرج فوافق عليه المغفور له الشيخ راشد، وأعطى توجيهات ببدء التنفيذ».

كما بين الحمصي أن رؤية المغفور له كانت بعيدة الأمد فقال: إلى جانب برج الساعة كلفنا الشيخ راشد بمشاريع أخرى، ولم تكن هناك بنية تحتية كبيرة، وأمرنا الشيخ بتشييد مدارس ومنشآت أخرى في مناطق لا يمكن الوصول إليها بالسيارات، فاستغربنا لماذا تم اختيار هذه المناطق المعزولة آنذاك لتشييد مدارس تعليمية، حيث أمرنا بتشييد مدرسة في بر ديرة وأخرى في أم سقيم وبالجميرا كذلك، وكانت هذه المناطق خالية تماماً من السكان، فكنا عندما نود الذهاب لمواقع البناء، ننتظر أن يكون مد وجزر للمياه حتى نستطيع العبور لهذه المناطق، كما أمر ببناء السوق القديم في الشندغة عبارة عن مبنى فيه محلات في الطابق الأرضي، وسكن للعمال فوق المحلات في الطابق الأول.

محط أنظار

وأكد المهندس: كان البرج محط أنظار، ولم يكن الكثير من الناس يتوقع إنجازاً كهذا في ذلك الزمن، وكان لحب الناس وأهل دبي للبرج أثر كبير في نفسي، حيث كان الناس يتجمعون حوله وينظرون إليه بإعجاب شديد حتى قبل أن ينتهي البناء، وكان شغلي الشاغل انتهاء المشروع بالمواصفات المطلوبة، وننتهي من إنشائه في الوقت المحدد للتسليم، وأكثر شيء كان يثير فضول الناس هو شكل البرج وكذلك الساعة، وكانت أول مرة تشيد فيه ساعة مثل ساعة بيغ بن بدبي.

بُعد معنوي

وعما يحمله زكي في قلبه من معان ومشاعر أوضح الحمصي: كل مرة كنت أمر على برج الساعة أراه كعروس تزداد جمالاً كل يوم، ومع أنه مصنوع من مادة الكونكريت وهي مادة صلبة وجامدة بعض الشيء، إلا أن تصميم برج الساعة غير الفكرة تماماً، حيث تظهر مادة الكونكريت كأنها مادة مطاطية بأشكالها الانسيابية والمنحنيات التي تميز البرج.

وتعليقاً عن تصنيف صحيفة «تلغراف» البريطانية برج دوار الساعة في دبي من بين أجمل 17 برجاً للساعات في العالم، مع برج ساعة بيغ بن، وبرج ساعة بلدية براغ، قال: تجول المجلة العالم وصنفت برج الساعة من بين أجمل 17 برجاً في العالم، وهذا يعني بأن العروس تستحق، وهي تسمية أحب دائماً أن أناديه بها، وهذا شيء يزيد من فخري واعتزازي، حيث كانت لي بصمة في رسم ملامح ومعالم تاريخ دبي العريقة وفي بلدي الغالي على قلبي.

إضاءة

المهندس زكي الحمصي، أحد أوائل المهندسين بدبي وهو مؤسس أول مكتب هندسي عربي، بجانب مكتب جون هاريس مؤسس المركز التجاري العالمي القديم وعن فترة وصوله إلى الإمارات، أكد زكي أن البلاد شهدت تلك السنة شتاءً غزيراً بأمطاره، إلى درجة أن الطائرة التي كانت تقله لم تستطع الهبوط في مطار دبي، فاضطر إلى الهبوط في إمارة الشارقة.

Email