لماذا أضحت بضاعة كاسدة ؟

وسائل التواصل تسحب البساط من الأنشطة الثقافية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عقود طويلة ظل المشهد الثقافي المصري محورًا أساسيًا للوهج الإبداعي العربي، إنتاجًا واستقبالًا؛ فكانت العاصمة المصرية تعج بعشرات الصالونات والمنتديات الفكرية والأدبية، بخلاف مئات الأنشطة والفعاليات على مدار العام. لكن الحال لا يبدو كذلك في السنوات الأخيرة التي شهدت تراجعًا حادًا في هذه الأنشطة، ويبدو أنها غابت تحت تأثير الغزو التقني أو بفعل الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها المؤسسات الثقافية والمواطن على حد سواء، أو لأسباب أخرى تتضمنها آراء عديد من المثقفين في سياق التحقيق التالي.

تنحصر المتابعات الأدبية خلال الفترة الحالية في شراء الكتب بمعدلات شحيحة في ضوء النسب المتباينة للشراء من قبل المتلقين، وبات الإقبال على الجانب المرئي والتفاعل مع الشاشات بمختلف أنواعها هو الأكثر حضورًا. وبحسب الروائية سهير المصادفة، كانت الصالونات الأدبية حاضرة بقوة في مصر والعالم العربي ويحضرها العديد من المثقفين والمبدعين ويقبل عليها المتلقون، لكن ما تبقى من هذه الصالونات يعاني حاليًا من العزوف، لاسيما بسبب أزمة النصوص التي تتناولها أو الظواهر التي تتحدث عنها.

وتوضح قائلة: «هناك أزمة في ما يطرح في الصالونات الثقافية من أعمال قليلة الجودة في بعض الأحيان، وهو ما يتسبب في ضعفها على المدى الطويل وفقدان مكانتها وقيمتها؛ لاسيما أن تناول المواد الأدبية ضعيفة التكوين يؤثر على الذوق العام للجمهور، وهو ما يتسبب في عزوف الجمهور عنها؛ ومن ثم التوجه إلى سبل أخرى».

إهمال

فيما يرى الناقد الأدبي د.حسام عقل أن الاهتمام بالجانب المرئي يعود إلى تراجع مكانة القراءة والثقافة، لاسيما أن المؤسسات الثقافية المعنية لا تعتني بالنشاطات التي تقدمها هذه الصالونات والفعاليات المختلفة، أو ما وصلت إليه من مكانة متدنية وتراجع إقبال الجمهور عليها وما لها وما عليها حتى يتم تطويرها؛ حيث تعاني وزارة الثقافة وما يتبعها من مؤسسات من صعوبة في ضم المبدعين المصريين وتقديم ما يلزم للنهوض الثقافي.

ولفت إلى أن هناك صالونات ثقافية جديرة بالاحترام؛ كونها تساهم في جذب المتلقي وتقف حائلًا بينه وبين وقوعه في أسْر الوسائل المرئية والتقنية الحديثة أيضًا، وهي الصالونات المستقلة التي تعتمد على عناصر متنوعة ما بين النصوص الجيدة المنتقاة للمناقشة وكذلك الشخصيات الأدبية الكبيرة القادرة على فتح آفاق الجمهور.

وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الترفيه المرئية سهلت التداول بين شتى أنحاء مصر والعالم، على النقيض من الصالونات الأدبية التي ظلت حبيسة المركزية.

إفساد الحياة الثقافية

واعتبر الشاعر حزين عمر أن أزمة الصالونات والفعاليات الأدبية لا تعيقها وسائل التواصل الاجتماعي أو الوسيط المرئي فحسب، بل إن السياسة أحيانًا ما تلعب دورًا في ذلك، موضحًا أن غالبية الحكومات ترتكب خطأ فادحًا في حق الثقافة بحظر بعض الصالونات لتطرقها إلى نصوص أدبية تعتبرها هذه الحكومات في أغلب الأحيان محرضة أو لا تتسق مع سياساتها.

وأرجع عمر إفساد الحياة الثقافية في مصر إلى هذا التداخل بين السياسي والإبداعي، مؤكدًا أن المبدع إن صار تحت رحمة السياسي فلا يمكن أن ننتظر منه خيرًا.

اختلاف أولويات

إلا أن الخبير الإعلامي د.ياسر عبدالعزيز كان له رأي آخر فيما يخص تأثير الإعلام على التراجع الثقافي المصري، حيث أشار إلى أن الإعلام له عدة وظائف، من ضمنها التثقيف والتوعية؛ إلا أن الحالة الجماعية العامة للإعلام في المرحلة الراهنة تحتم أن يعيد الإعلام ترتيب أولوياته، بحيث لا يحتل التثقيف مساحة كبيرة منه.

ويوضح قائلًا: «اقتصار دور الإعلام الملحوظ على الجانب الإخباري والترفيهي أدى إلى انحسار حصة الجوانب الأخرى ومنها الثقافة».

وأوضح أن هذا التراجع يعود إلى هيمنة النمط الربحي على الأداء الإعلامي،لافتا إلى أن تقييم الوضع الحالي يشير إلى أن الإعلام والوسائل المرئية سحبا البساط بقوة من تحت أقدام الحالة الثقافية والأنشطة الثقافية القليلة التي يحاول المبدعون الحفاظ عليها.

جهد شخصي

يؤكد رئيس المنتدى الثقافي المصري أحمد الغمراوي أن المنتدى الذي يترأسه لا يتبع أي هيئة أو مؤسسة رسمية، إنما هو مشروع خرج إلى العامة في عام 1942 وشارك فيه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

وحول تطوير المنتدى قال: «أعضاء المنتدى ورؤساؤه الذين تعاقبوا على مر السنوات يبذلون قصارى جهدهم لتنمية المنتدى واستقبال أكبر قدر من المبدعين والشخصيات العامة».

Email