جولة في قلب دبي النابض مع المتأملين السعداء

الـ«بوليفارد» شمس الشروق تختبئ في ألف مرآة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يمكنك أن تتخيل أن أكثر المناطق حيوية وصخباً في مدينة دبي قد تكون هي ذاتها خيارك المثالي لممارسة رياضات تصفي الذهن وترتقي بالنفس مثل المشي البطيء والتأمل؟

هل جربت أن تكون في منطقة «وسط دبي» قرب «برج خليفة»، وتحديداً في مكان ما من «بوليفارد محمد بن راشد» وقت شروق الشمس؟ في حال كانت الإجابة لا، اعلم أنه.. فاتك الكثير!

هذا ليس اقتراحاً، بل واقعاً، يعيشه كل صباح، الكثير من سكان هذه المنطقة التي تعد الأرقي في العالم كون في قلبها أطول بناء بشري استطاع الإنسان أن يناطح به قمم السحاب.

ولا نتحدث هنا عن قدرات خارقة تشبه قدرات نجم أفلام الحركة الهوليوودي توم كروز، الذي تسلق «البرج» في واحدة من «مهماته المستحيلة»، بل أناس عاديين، كل ما يميزهم أنهم يدركون معنى وجمالية تلك اللحظة الساحرة، التي يدفق فيها ذهب الشمس على مسطحات الزجاج والمعدن للبرج.

والتي بدورها تعكس أنوار الحياة هذه إلى كل نوافذ البيوت المحيطة. يشبه الأمر الحكايات الأسطورية، حين يتدفق النور من قلب البطل لكي يخترق حجب نوم أهل المدينة ويوصل إلى آذانهم نداء الحياة. القلب هنا، قلب دبي، هو البرج، والبطولة ماثلة في كل مكان، الأمن والسعادة.

أميلي الفرنسية لا تخفي سعادتها. تستحضر من لغتها مثلاً: «الناس الذين يستيقظون مبكراً، يسيطرون على النهار بكامله. اليوم يكون هدية لهم». تأتي إلى مساحة العشب الأخضر في حديقة البوليفارد، أسفل البرج، باكراً، لكي تمارس رياضة التأمل: «كل شيء جميل هنا، من قال إنه يتوجب عليك أن تكون على قمة جبل لكي تتأمل.

إنني هنا في القلب الأكثر ازدحاماً من المدينة، لكنني أجد واحتي في التوقيت المناسب. أشعر أنني أجد دبي خاصة بي». يزقزق عصفور في المكان، يحلق قرب المنحوتة الشهيرة التي تجسد يداً تفتح ثلاثة أصابع من الكف، ثم يهبط على الجسر، يجلس في زاوية منه محمد البنغالي الذي يمارس مهنة مهمة للغاية.

بين يديه جهاز يشبه جهاز التحكم الذي يستخدم في «ألعاب الفيديو»، لكنه أكثر فائدة. إنه الجهاز الذي يحرك كاميرا خاصة تجوب قعر البحيرة في وسط دبي، التي تتوسطها نافورة ماء عملاقة، هي «دبي فاونتن».

حيث تقدم العروض أكثر من 9 مرات في اليوم. الكاميرا ترسل الصور إلى كاميرا تشبه تلك التي يثبتها مخرجو السينما في الاستوديو وقت التصوير. يضمن محمد بعمله التأكد أن قاع البحيرة نظيف. يضحك بابتسامة ودودة ولا يمانع أن يلقي التحية على دبي وناسها بلغته.

يفعل الأمر ذاته رجل الأعمال الهندي مدلا، الذي يقطن في شقة مواجهة للحديقة، حيث قطع للتو 2 كيلومتر في مشيته الصباحية: «يساعدني الأمر على التفكير، أفكر بالأولاد والمال والحياة وكم جميلة دبي وقت الشروق».

من الهند أيضاً، راج وفينا. وتحديداً من كالكوتا وجانيكان. تتحدثان إلى الكاميرا وهما مقتربتان بشدة من بعضهما البعض، كأنهما توأمان يرسمان شكل قلب: «التقينا هنا منذ 12 عاماً، وأصبحنا أصدقاء.

نكبر في السن في هذه المدينة الآمنة ونعشقها»، وتضيفان: «الاستيقاظ مع الطبيعة يمدنا بطاقة لا مثيل لها». علي من لبنان، لم ينم، سهر طوال الليل في «وسط دبي»، لكي ينعم نهاراً بهدوئها: «أعشق هذا المكان. أنا أراه ليلاً صاخباً بحياة المطاعم والمقاهي والترفيه، وباكر الصباح هادئاً ساكناً يستعد لجولة جديدة من الصخب».

الصخب قلب دبي، وقلب قلبها. إنه نبض الحياة الذي تباركه شمس الصباح الباكرة.

Email