رواد

عبدالقادر الريس رائد احتراف الفن التشكيلي في الإمارات

■ عبد القادر الريس يحكي عن إحدى لوحاته في مرسمه الخاص بدبي | تصوير ـ زافيير ويلسون

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحرص «البيان» على المشاركة الفاعلة في المحافل والمناسبات الوطنية، وتسهم في توثيق الإنجازات المحلية التي من شأنها تعزيز مكانة الدولة في كافة المجالات.

ومن هذا المنطلق تشارك في رعاية المعرض السنوي الذي تقيمه جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في دورته الخامسة والثلاثين، والذي افتتح في 24 يناير الماضي، إذ يمثل المعرض نافذة على المنتج الفني الإماراتي، الذي وثقه من خلال مسيرته لتاريخ الحركة التشكيلية في الدولة.

وتضيء «البيان» من خلال نشر مجموعة من المقابلات مع رواد الحركة التشكيلية في الإمارات، على تجارب هؤلاء بموازاة التعريف بالبدايات والتحديات في هذا الحقل، وذلك في محاولة لإظهار التطور الذي شهدته الحركة التشكيلية منذ تأسيس الدولة وحتى الآن، وسنخصص هذه الصفحة لنشر عشرة حوارات متتالية، سيتم جمعها لاحقاً في كتاب خاص، بالتعاون مع الجمعية.

شاءت الأقدار أن تعمد والدة الفنان عبدالقادر الريس إلى إرساله إلى دولة الكويت، بينما كان صغير السن، إثر وفاة والده، كي يعيش مع أخته الكبرى وزوجها، وهو ما وفر له فرصة تنمية وصقل موهبته الفنية، خاصة في ظل ما كانت تعيشه دولة الكويت حينذاك من انطلاقة قوية لمشروعات النهضة والتطوير والازدهار في التعليم ومختلف القطاعات في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح، رحمه الله.

وهكذا استطاع الريس تحقيق مبتغاه في عوالم الفن في ظل توافر مقومات تكوين شخصيته الفنية، وهكذا انكب على تحصيله العلمي بموازاة الاستزادة المعرفية الفنية والاطلاع على أحدث وسائل ومدارس وخامات وآليات الرسم، وهو ما مثّل الأساس المتين لذخر إبداعه..

وكذا ما جعله يركز على نهجه المتواصل في الجد والاجتهاد في الفن للوصول إلى ما يرنو إليه..وذلك إلى أن توّج مراحل خبراته وتجاربه بالتفرغ التام والاحتراف في رحاب عوالم الفن التشكيلي.

ألوان زيتية

سير وسرديات كثيرة مغمسة بألوان الفرح والإبداع المتميز في جعبة عبدالقادر الريس، أول مُحترف في تاريخ الفن التشكيلي في الإمارات، إذ يروي في حواره مع «البيان»، ضمن منزله بمنطقة جميرا في دبي، بعضاً من شذراتها. وذاك بينما هو محاط بجماليات لوحات كثيرة تعكس مراحل متنوعة ضمن تجربته ومن بينها لوحة «عبيد وموزة» المرتبطة بحكايات بداياته.

وفي المستهل يختار الريس التطرق إلى ملامح انطلاقته، والتي كانت من الكويت: ارتبطت بداياتي الحقيقية في عوالم الفن بفترة وجودي في دولة الكويت، حيث كانت تشهد انطلاقة مهمة في التطوير والتعليم والتحديث، وقد حظيت في هذه الأجواء بالكثير من الفرص لأتمكن من تذخير موهبتي الفنية وتحسين مستواي في المجال، إذ استطعت استخدام الألوان الزيتية.

والتي فرحت بها كثيراً، حينذاك، ورسمت بها لوحة فنية صغيرة شاركت معها بمعرض الربيع في دورته ال4، وكنت آنذاك في الصف الرابع الابتدائي، كما شاركت في ناد صيفي. وفي نهاية الموسم كان هناك معرض جماعي للنوادي الصيفية وحققت فيه المركز الأول في الفن على جميع المشاركين في «نادي المتنبي»، ثم تعرفت في نهاية الموسم إلى بعض الفنانين البارزين.

وأحد هؤلاء هو صباح يوسف، من العراق، والذي يعمل في المرسم الحر، وتم اصطحابي إلى هناك لمشاهدة الأعمال، وكنت حينها في سن الـ15، وتلك كانت المرة الأولى التي أطلع فيها على هذا المنظر العام من اللوحات والأعمال الفنية التي أدهشتني، حيث كنت أعتقد أن بعض لوحات المدرسين التي أشاهدها في المدرسة هي الأجمل، ولكن بعد مشاهدة المرسم الحر وجدت بأن هناك فرقاً كبيراً.

الأسلوب الكلاسيكي

يتحول عبدالقادر الريس في مدارات سرده للمحطات التي شكلت نقطة فارقة في تجربته الفنية. إذ يقول: في عام 1966 كنت أحد الفنانين الأساسيين المشاركين في المرسم الحر في الكويت وفي المعرض العام :"معرض الربيع"، وخلال سنة واحدة كنت أكثر شخص تعرض أعماله في المعارض، رغم أنني كنت حينها طالباً بينما البقية هم متفرغون للفن.

وكانت لجنة التحكيم من تختار اللوحات المشاركة، وقد كنت الشخص الوحيد من خارج دولة الكويت الذي ينضم إلى الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، وكانوا يعتبروني واحداً منهم لأني كنت متميزاً. ونُظّم معرض متنقل كان يجول على دول أوربية عدة.

وهكذا تنقلت لوحاتي ضمنه في 4 عواصم أوروبية، وقد شاركت في المعرض عن طريق مدرستي وهي مدرسة القادسية المتوسطة آنذاك. وفي البداية، كنت أتبع الأسلوب الكلاسيكي لكن انتقلت بعدها إلى الأسلوب الانطباعي، ومن ثم كان لي أسلوبي الخاص في 1968.

يشير عبدالقادر الريس إلى أنه استطاع أن يخط نهجاً بارزاً وجديراً بالاحتذاء في عوالم الفن، وقد تأثر بعض الفنانين بأسلوبه في الفن والرسم، ومن ضمنهم، كما يقول، الفنان عبدالرضا باقر، ويقول في الخصوص:

كنت أرسم لوحة لي مرة، فدخل علي شخصان هما عبدالرضا باقر وعبدالرضا كمال، أحدهما رسام كاريكاتير والثاني يرسم اللوحات الفنية، وأعجبتهما رسوماتي كثيراً ومن ثم التزم باقر بمحاكاة أسلوبي في إنجاز اللوحة، وبعد فترة محددة، غيرت أسلوبي.. وأيضاً تبعني باقر. وهو فعلياً يقدرني ويعتبرني أستاذه. 10سنوات

ويستطرد عبدالقادر الريس: عام 1967 بدأت أرسم لوحات عن أحوال اللاجئين الفلسطينيين متأثراً بما حل في عالمنا العربي بعد النكسة.

وتأثرت لوحاتي حينذاك بواقع أنني كنت مغترباً عن بلدي وبعيداً عن أهلي، إذ إنني بقيت في دولة الكويت طوال 10 سنوات. ومن ثم شرعت حين بدأت أبيع اللوحات، أسافر إلى الإمارات في الصيف، وأذكر أن أول لوحة بعتها كانت في عام 1968، ذلك بعد 4 سنوات من التركيز والجهد في العمل.

ولفت الفنان في حديثه عن نشاطاته الحديثة: فخور بأن أكبر المشاريع التي قدمتها في حياتي المهنية هو مشروع المترو في دبي، وهو أكبر عمل بالألوان المائية ينفذ على عربات المترو، ويجسد هذا المشروع ملامح كثيرة من تاريخ الإمارات ومناظر متفرقة للصحراء ثم البحر والحياة العصرية.

نصيحة للشباب

بينما نحن نستعد لمغادرة منزله فور انتهاء المقابلة، وجهنا عبدالقادر الريس نحو مرسمه ومن ثم جال بنا على أركان أخرى متفرقة في المنزل تنتشر فيها لوحاته في الممرات والزوايا..

وأيضاً على جدار منزله، وفي الأثناء كان يسرد لنا عن كل لوحة منها حكاية.. وقد برزت تلك اللوحات بمكنونها الجمالي الذي تتميز معه بالغالب باستدعائها الماضي والتركيز على رصد الأبواب والشبابيك الخشبية القديمة..

وفي نهاية اللقاء، توجه الريس بنصيحة إلى الشباب: عليكم بالحبث والتعلم من تجارب وإبداعات رواد الفن في عالمنا..وهذا متوفر لكم بسهولة ويسر في ظل ما يمكنكم إيجاده بسرعة ويسر من المواقع المتخصصة الموجودة ضمن شبكة الانترنت، وغير ذلك من المصادر العصرية.

أبواب مشرعة على جماليات التراث

يمتلك عبدالقادر الريس براعة ومخزوناً ثقافياً كبيرين، يثريان نهجه الفني المتركز على استكشاف مفردات الماضي وعبقه، وهو ما لاقى كبير استحسان لدى النقاد وأفراد الجمهور. ومن بين موضوعات رسومه في الآن: الأبواب القديمة والبحر والسفن. ويقول عن هذا: إنني في نهجي هذا ومع لوحاتي تلك أستطيع سرد قصة التراث المحكي ومفردات بيئتنا وحياتنا بصرياً على صفحات لوحتي البيضاء.

فأنا أعتبر نفسي عاشقاً وفياً في محراب التراث، وتحديداً إرث السفن الخشبية.

وكنت في الماضي أجمع القطع المتناثرة من السفن أثناء مروري يومياً بجانب ورش صناعة السفن والتي كانت عند جسر المكتوم في دبي آنذاك، لأضعها عندي في المرسم حتى تكون أمامي لأرسمها، بعد أن أشم رائحتها وألمس سطحها وأتماهى معها كمفردة إبداعياً، وكانت حصيلتي من الخشب وبقايا السفن كثيرة في منزلي القديم.

1986 وقصة العودة إلى الإبداع

بعد عودة عبدالقادر الريس من مشاركته في إحدى الفعاليات الفنية في العاصمة الليبية طرابلس عام 1975 توقف عن الرسم، وفي ذلك الوقت، احتفظ الفنان الراحل حسن شريف بالأعمال التي شارك بها الريس في طرابلس لديه. ويقول الريس: لم أكن أستطيع الرسم بعد تلك المشاركة، ولم أعرف السبب في ذلك.

فرغم من محاولاتي العديدة للعودة لم أنجح، ذاك وكأن عيناً أصابتني لأتوقف بعدها لمدة طويلة. وحاولت مجموعة فنانين ومهتمين تشجيعي للعودة، ومنهم: الدكتور محمد يوسف وموزة مطر، وقد رميت أدواتي للرسم.

ولكن زوجتي «أم مصعب» أخفت بعضها تحسباً منها أنني ربما أعاود في يوم ما مزاولة نشاطي، وفي 1980 تم افتتاح جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ونظم معرض مهم وعرضت فيه لوحاتي التي كانت لدى حسن شريف، ومن ضمنها لوحة «عبيد وموزة».

إعادة نظر

في عام 1986 سافر الريس إلى الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلال تنقلاته بين مدنها وولاياتها، براً، شاهد مناظر كثيرة يفكر جدياً في الرجوع إلى الرسم مرة أخرى، وأجبرته هذه الرحلة على الذهاب لشراء المعدات والخامات اللازمة للعودة إلى شغفه وحبه.

وبعدها بعام واحد، أقام الفنان معرضا له في الشارقة، ثم في دبي، وذلك بعد توقف دام 11 سنة تقريباً، وقد استغرق سنتين للعودة لمستواه الفني الذي تركه في سبعينيات القرن الفائت، كما قال، وقد عوض تلك المرحلة باستخدام الألوان المائية، حيث يعتبره النقاد من الفنانين العرب المتفردين بالرسم بالألوان المائية، من حيث المستوى والحجم.

ويحكي الريس عن تفرغه للفن في الأول من يناير 1995..وعن موضوعاته المفضلة: كنت أعمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ثم تقاعدت وأصبحت متفرغاً للرسم وومنكباً على رسم لوحات فيها عبق الماضي. وهذا طبيعي لتأثري بالبيئة المحيطة، ولدي أعمال كثيرة غير موثقة تم بيعها.

ألوان وتشكيلات تغازل البيئة المحلية

يشدد عبد القادر الريس على أهمية تأثير فنون الشارع في الناس، إذ يتجرد الفن في هذا المنحى، كما يقول، من أطر قوالبه وأشكاله الفكرية والفلسفية، ليكون مباشراً وينزل إلى الشوارع متجولاً ومتقرباً من الناس واحتياجاتهم ومفاهيمهم. ويؤكد أن هذا التوجه الفني ساعد على تجسير الهوة بين الفنان والجمهور عبر ذهاب الفن إلى مكان الناس، وليس العكس.

ويتابع الفنان مستعرضاً طبيعة منحاه الإبداعي: «ما زلت أرسم لوحات متأثرة بمكونات البيئة المحيطة، ولدي العديد من الأعمال الكثيرة غير الموثقة التي بيعت.

وأتمنى أن يصبح لدى الناس، في يوم ما، الوعي والثقافة لتوثيق الأعمال الفنية، وذلك يمكن أن يكون مثلاً في كتاب أو سجل، فهذا من مصلحة الفنان والمقتني. وفي رأيي فإنه أن لا بد للفنان من أن يبيع لوحاته، وتتوافر لديه الإمكانات حتى تستمر عجلة إبداعاته».

 

 

 

Email