رواد

عبيد سرور: ذاكرة المكان روح أعمالي الفنية

Ⅶ عبيد سرور خلال إنجازه إحدى لوحاته في مرسمه برأس الخيمة | تصوير: إبراهيم صادق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحرص «البيان» على المشاركة الفاعلة في المحافل والمناسبات الوطنية، وتسهم في توثيق الإنجازات المحلية التي من شأنها تعزيز مكانة الدولة في كافة المجالات. ومن هذا المنطلق تشارك في رعاية المعرض السنوي الذي تقيمه جمعية الإمارات للفنون التشكيلية في دورته الخامسة والثلاثين، الذي افتتح الشهر الماضي، إذ يمثل المعرض نافذة على المنتج الفني الإماراتي، الذي وثق من خلال مسيرته تاريخ الحركة التشكيلية في الدولة.

وتضيء «البيان» من خلال نشر مجموعة من المقابلات مع رواد الحركة التشكيلية في الإمارات، على تجارب هؤلاء، بموازاة التعريف بالبدايات والتحديات في هذا الحقل، وذلك في محاولة لإظهار التطور الذي شهدته الحركة التشكيلية منذ تأسيس الدولة وحتى الآن، وسنخصص هذه الصفحة لنشر عشرة حوارات متتالية، سيتم جمعها لاحقاً في كتاب خاص، بالتعاون مع الجمعية.

تجربة فنية حافلة بالنجاحات والإبداع المتميز انكب خلالها الفنان عبيد سرور على إبداع أعمال فنية، تنبض بمفردات التراث المحلي وجمالياته، وذلك حتى استحق بجدارة لقب «حارس التراث الإماراتي» المشغول بتجسيد ملامحه، فذاكرة المكان والزمان روح مساحات لوحاته وأعماله.

وفعلياً، طالما بقي سرور مهتماً بأن يبحر مع آفاق اللوحة في مكنونات بحثية شاملة تعالج موروثنا وتنقل حكاياته وترصد قضايا البيئة المحلية والتراث المعماري والحكايات والقصص الشعبية. وقد شكل كل ما هو مهدد بالزوال من معالم تراثنا وبيئتنا هاجساً فنياً لديه، كما يؤكد في حديثه إلى «البيان».

وكان أن خط توجهات ومناهج عمل متفردة في المجال، إذ راح يقدم أعمالاً مرسومة بالرمال وأخرى بالشاي في محاولة لاختبار القدرة التعبيرية ليده بمواد عادية غير الألوان الزيتية والمائية أو الأكريليك والفحم، وأقام خلال مسيرته التي تمتد لثلاثة عقود، نحو 16 معرضاً شخصياً، تمثل مراحل تطور تجربته، إضافة إلى العديد من معارض التصوير الضوئي، ذاك إلى جانب مشاركته في العديد من المحافل الفنية داخل الإمارات وخارجها، حيث نال عليها مجموعة من الجوائز.

محطة البدايات

ثرية ومتشعبة محطة الحوار مع عبيد السرور، ولكنها عامرة بفيض الأمل الممتزج بسمات شخصيته المرحة والمتصالحة مع الحياة بكل تناقضاتها، إذ يحمل قلبه الكثير من الأمل التفاؤل بأن غداً أفضل على الدوام. وقد اختار في محطة حديثه الأولى سرد ذكريات بداياته في الميدان: بداياتي كانت عبر الرسم على جدران البيوت ورمال الشواطئ مع الأصدقاء، كذلك فضاء الجبال والمزارع الخضراء الممتدة على أفق البصر في رأس الخيمة مثل المساحة التعبيرية المتوافرة آنذاك، وعند دخولي للمدرسة اكتشفت موهبتي عبر أساتذة التربية الفنية، وما كان يميزني عن رفقائي آنذاك وفقاً لما كنت أسمع من المدرسين، هو أنني أستكمل لوحاتي وأعمل عليها لوقت طويل حتى تنتهي، وتميز رسمي بإتقان فني من حيث التكنيك ولا سيما بالنسبة لخرائط الجغرافيا، وكانوا يعتمدون عليّ في المدرسة لرسم لوحات للزعماء العرب وللشخصيات المعروفة.

ويضيف سرور: درست الفن في كلية الفنون الجميلة في القاهرة طوال 5 سنوات، وخلال رحلة الدراسة.. وطبعا أفتخر بكوني خطيت مساري في عالم الفن بنفسي، كما شاركت في معارض جماعية داخل الإمارات وخارجها، مثل: بينالي الشارقة ومعارض عديدة لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وأيضاً: بينالي القاهرة، بينالي بنغلادش، معارض في السعودية والبحرين والعراق والهند، وغيرها.

1980

ويسرد عبيد السرور تفاصيل شائقة عن تجربته بشأن العمل ضمن بوتقة وحاضنة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية: كنت أتحمل مشقة الطريق من رأس الخيمة قادماً إلى الشارقة، مقر الجمعية، للالتقاء بالفنانين والعمل معهم على إنجاز أفكار تخدم الحركة التشكيلية في الدولة، وكانت تجمعنا العلاقة الأخوية التي كان يتميز بها أعضاء الجمعية منذ تأسيسها في عام 1980، وذلك من خلال سعي الجميع لإقامة المعارض لخدمة الوطن، تحت سقف جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، كما كنا ننظم جولات لرسم المناظر مع الفنانين عبدالرحيم، ومحمد القصاب في الجزيرة الحمراء برأس الخيمة، وقد جمعتنا الروح الحلوة ومحبة العمل الفني لفترة طويلة.

 

مرسم رأس الخيمة بين الواقع والطموحات

مملوءاً بالفخر والحماس والتطلعات الكبيرة يبدو حديث عبيد سرور، بينما هو يتطرق إلى مرسم رأس الخيمة منذ التأسيس وحتى الآن. إذ يقول: في عام 1981 تم إنشاء المرسم على أساس أنه تابع لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وكان كل شباب المرسم متعارفين مع بعضهم. وقد كنا قبل ذلك، وفي جذر وخلفية تأسيسه، نجتمع أثناء اللعب والمدرسة وحضور الأعراس التي تقام بالحي والرحلات التي نقوم بها إلى عين خت ومنطقة المنيعي الجبلية، كما كانت تجمعنا ليلاً «دكة» أمام منزلنا لنتبادل الأحاديث والأفكار، فقررنا إقامة المرسم مبدئياً بمنزلي، وكان الكثير من الأشخاص يأتون للمشاركة والرسم فيه، منهم من أصبح الآن وزيراً أو سفيراً أو مديراً عاماً.. أو غير ذلك. وطبعاً، تبقى ذكرياتهم الجميلة موجودة ويبقى التواصل معهم بين فترة وأخرى.

ويتابع: من المؤكد أن هذه المرحلة والتجربة قد صقلت شخصيتي ومنحتني الفرصة لأمد العون للآخرين فأفيدهم بتجربتي الفنية. وأود أن أشير هنا إلى أن هذا المرسم يحوز مكانة مهمة لدي، فلا أزال أقدم من إمكاناتي المادية الخاصة لدعم برامجه.. ومن مجهودي للمرسم وإلى من ينضم إليه، ومن وجهة نظري فإن هذا الذي أقوم به ما هو إلا رد الجميل لدولتي المعطاء.

يحرص سرور كل الحرص على المخزون التراثي، فهو خائف أن يضيع أو يندثر وبذا فهو يسجل ويوثق في رسوماته بعض الألعاب التراثية والأساطير الشعبية والحكايات التي كانت ترويها الجدة لأحفادها قبل النوم.

وفي الكثير من أعماله، نلحظ اتجاهه نحو الرمزية. فاللوحات لا تروي قصة واحدة، ولكن يمكن تأويلها إلى قصص كثيرة يجمعها هم واحد، ألا وهو التراث، وهذا هو المهم عنده.

احتياجات

وعن أبرز من وضع بصمة في الفن التشكيلي من إمارة رأس الخيمة، يقول الفنان: كان علي المناعي أحد الرسامين المميزين، وكذلك ناصر بوعفراء، إضافة إلى طالبات التأهيل التربوي. وكان لديهم جميعا إنتاج لا بأس به من الأعمال. وأود أن ألفت هنا إلى حاجتنا لإيلاء كبير عناية للمرسم في الفترة الحالية، حيث يحتاج إلى صيانة وبعض المستلزمات والخامات لرعاية الموهوبين الجدد، كما أتمنى إطلاق معرض لشباب المرسم أو مشاركتهم بالمعارض العامة لخلق فرص جديدة لهم، فهناك فنانون وفنانات يستحقون المشاركة.

كم يؤكد الفنان عبيد سرور حرص أولياء الأمور على الشباب عبر تنمية مواهبهم وتشجيعهم على ممارسة الفن مع المحافظة على الدراسة وتعاليم الدين، إضافة إلى دور المؤسسات في دعم الأشخاص الموهوبين والرسامين مع توفير البيئة الصالحة والنظيفة، ولا بد من أن يكون رواد الفن التشكيلي قدوة للجيل الحالي.

تأملات فنية وماضٍ جميل

تعلّم عبيد سرور الكثير في حقل الرسم من خلال الاتكاء على البيئة المحلية بغنى مكوناتها وجمالياتها، وهكذا فإن رسوماته كانت وما زالت تحمل تفاصيل العادات والتقاليد والموروث، سواء كان باختيار الموضوع أو من خلال استخدام خامات متعددة في اللوحة الواحدة، إذ يطعمها بملمح ما من التراث.. إضافة إلى حرصه على استحضار مضامين عاداتنا ومعتقداتنا وثقافتنا العربية سعيا لترسيخ القيم والأصالة.

ويقول في الشأن: التراث الإماراتي يبدو واضحاً في أعمالي، إذ اتنقل معه بين الشخصيات والموضوعات والمفردات. ويوجد في مرسمي برأس الخيمة الكثير من أعمالي في الميدان. وأريد أن أشير هنا إلى أن الزخم الفني لدي لا يزال ثرياً نشطاً.

«لم أبِع سوى 3 لوحات»

يوضح عبيد سرور، بصراحة وبلا خجل أو مداراة، أنه ورغم إنتاجه الإبداعي الغزير، لم يوفق في أن يبيع سوى القليل منها.

إذ يقول: لدي أعمال كثيرة، ولكني بعت 3 لوحات فقط خلال مسيرتي، والجهات التي اقتنت أعمالي هي: المجمع الثقافي بأبوظبي، سيدة إماراتية، عمل اقتنته مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون يمثل لوحة مهمة شاركت بها في بينالي فينيسيا.. وحظيت بجماهيرية كبيرة.

ويضحك سرور كعادته، ثم يردف: كل هذه اللوحات لم تغط قيمة الألوان التي اشتريتها. ولكن أنا أؤمن أن قيمة الفنان بأعماله واستمراره في العطاء لوطنه، وبالنسبة لي أنا أعرض أعمالي لأي إمارة أو جهة تريد اقتناءها، شرط المحافظة عليها وعرضها.

Email