عبدالرحمن زينل: لوحاتي قصص لونية مسكونة بقضايا المجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن الفنان عبدالرحمن زينل يعلم أن خربشاته على الكتاب المدرسي ستجعل منه يوماً ما، فناناً رائداً في المشهد التشكيلي المحلي وله أسلوبه الخاص، إذ امتلك فلسفة خاصة في حفظ دروسه وهو على مقاعد الدراسة فكان يلجأ إلى ما يعرف بـ«المذاكرة بالرسم»، مترجماً قصائد مادة اللغة العربية وحصة العلوم بصرياً على صفحة اللوحة البيضاء.

وكم يتمنى لو أنه احتفظ بتلك الهوامش اللونية وخربشات الصغر التي جمعت رسوماته الأولى وكانت الركيزة المؤسسة لأهم لبنات انغماسه في عوالم الفن التشكيلي.

«البيان» التقت الفنان في بيته الثاني: جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، والتي يحمل لها الولاء الكبير، ولا يحبذ المشاركة في معارض تنظم خارجها، كما قال، أو في أية فعالية لم تقم بترتيبها أو تنظيمها الجمعية.

1972

في محطة استهلال حوارنا معه، تطرق عبدالرحمن زينل إلى حكاياته مع الفن فحدثنا عن معرضه الشخصي الأول والذي كان بداية مشواره الفني: خلال دراستي تمكنت قبل المرحلة الثانوية، من تنظيم وإطلاق معرضي الفني الأول، ومن ثم، وأنا على مقاعد الدراسة في الثانوية نظمت معرضاً أكبر ضم العديد من لوحاتي.

وقد أثر شغفي الشديد بالرسم سلبياً على تحصيلي الدراسي، فكنت أضطر في نهاية السنة إلى إعادة الدراسة والامتحان في بعض المواد «دور ثان»، ولكن، ولله الحمد، استطعت اجتياز تلك المرحلة بنجاح وأن أعوض غيابي عن الدراسة بفعل انشغالي بالفن.

وتابع زينل حديثه: شاركت في عام 1972 بأول معرض فني في دولة الإمارات مع مجموعة فنانين ممن أصبحوا فنانين تشكيليين مميزين أو ممن تركوا المجال، ومن هؤلاء: درّية عباس وفاطمة لوتاه وإبراهيم مصطفى وجاسم حمد.

وكانت فكرتي آنذاك، أن نقيم معرضاً لعرض لوحاتي، واتفقت مع عدد من الفنانين وتشاركنا بلوحاتنا، وقد أقيم في تلك الفترة بالمكتبة العامة في دبي، وطبعاً، تجدر الإشارة هنا إلى أنني تلقيت التشجيع في بداية المشوار من أخي ومدرسيّ الذين كانوا يسلمون لي مفتاح غرفة الرسم للذهاب في وقت العصر للرسم في مرسم المدرسة.

ولا بد أن ألفت في هذا الصدد، إلى أن الأديب عبدالغفار حسين لعب دوراً كبيراً في تحفيزي في مشواري الإبداعي وفي دعمي، إذ إنه تبناني فنياً حين كان مسؤول اللجنة الثقافية في بلدية دبي، فاقترح بأن يتبناني في التشكيل، وتم استئجار بيت القنصل الكويتي آنذاك ومنحي إحدى الغرف للرسم، ولم يكن مطلوباً مني غير الحضور والرسم.

من دفتر الذكريات

وحكى عبدالرحمن زينل لـ«البيان» عن فترة دراسته في الكويت: درست مجال الفن لمدة سنتين بدولة الكويت التي كانت تشهد تحقيق إنجازات مهمة في نهضة وتطور التعليم حينها.

والتقيت عدة فنانين كويتيين أنذاك، وبالرغم من حصولي على عدة جوائز، كنت أحس بالغربة والحنين إلى وطني، فلم أصبر على فراق دبي ورجعت إليها.

وأحب أن أوضح هنا أن أخي محمود كان المشجع والمحفز الأكبر لي بمشواري، خصوصا وأنه أول خطاط على مستوى دولة الإمارات، ذلك من الخمسينيات بالقرن الماضي.

وأضاف الفنان الإماراتي: بعد عودتي من الكويت، انتقلت إلى مربع أكاديمي آخر وهو دراسة فن الديكور في مصر مع الدكتور محمد يوسف والفنان عبدالرحيم سالم، والذي كان يدرس النحت، وأستحضر من ذاكرتي ما عايشناه حينذاك، فقد كنا مجموعة فنانين ندرس الفنون الجميلة هناك، وقد كنت تخطيت عدة مراحل دراسية عند وصول باقي الطلبة «الفنانين»، لأني بدأت الدراسة قبلهم بفترة طويلة، والبعض ذهب إلى بغداد لدراسة الفنون والرسم .

ولكن غالبية الفنانين كانوا يدرسون في مصر والكويت وبريطانيا، وفي مصر كنت أركز على دراسة الديكور أكثر، ورسمت بريشتي منمنمات المساجد العريقة في القاهرة، وتعمقت أكثر بدراسة القباب الإسلامية في مصر وما تشكله من بعد تأثيري عميق على روح أي إنسان، وهذا الأمر أسهم في تطوير ذائقتي الفنية وتوسيع أفقي الإبداعي على سطح اللوحة.

نافذة الروح

درس الفنان عبدالرحمن زينل في اسكتلندا الديكور، وتدرب على رسم المواد الصامتة، ولم تكن الهندسة بالنسبة له خوارزميات جامدة من الأرقام، بل وسيلة لتجاوز العالم المادي والتواصل عبر نافذة الروح «الفن» مع الآخر والمتلقي، وقد استفاد من ركائزها كقواعد في تنفيذ لوحاته.. والتي حرص على أن تكون قصصا لونية شائقة تنبض بالحكايات والأفكار البناءة وترفل بالجمع بين الأبعاد والمتاهات الجاذبة والمؤثرة في المتلقي.

«الكرسي الهش» و«صراع الكراسي»

أول تجربة لعبدالرحمن زينل في النحت، جاءت بعنوان «الكرسي الهش»، وذلك العمل"التجريدي" يعبر، كما أوضح، عن اجتماعات الدول واتخاذ القرارات التي يكون مصيرها الإهمال ولا تنفذ. وشرح الفنان بشأنه: رسمت لوحة «الكرسي الهش» ثم حولتها إلى عمل نحتي ثلاثي الأبعاد، وهناك عمل فني آخر بعنوان «صراع الكراسي» عرض في فينيسيا وفي معرض الطبق الطائر بالشارقة.

كما وضعت العمل أمام منزلي، وكان الكثير من السياح الأجانب يقفون أمامه لالتقاط الصور، كما تم الاتصال بي من إيطاليا لطلب هذا العمل بالذات. وأود أن أوضح في المناسبة، أنني متعلق بالسلام وأشجع عليه عبر أعمالي ونشاطاتي. وختم زينل: أمتلك عدة لوحات أرفض بيعها، ومواضيعها عن مواقف الأمم المتحدة وكيف تناقش المسائل والقضايا في عالمنا بازدواجية سياسية.

30 عاماً من الإبداع في رحاب تلفزيون دبي

مثّلت فترة العمل في تلفزيون دبي لعبدالرحمن زينل، مرحلة مهمة ومفصلية في حياته، إذ توجت وأغنت مشواره الإبداعي، وذلك بعد أن تخصص في تصميم الديكور للمسلسلات والبرامج.

وقال في الخصوص: عملت في تلفزيون دبي لمدة 30 سنة مهندس ديكور، ثم تدرجت في المهنة وأصبحت استشارياً، وكنت الوحيد الذي حصد جوائز على مستوى التلفزيونات المحلية، واستلمت جائزة «الموظف المميز» بالدورة الأولى لجوائز التميز للأداء الحكومي، ومن خلال أحد البرامج في التلفزيون التقيت مبارك بن لندن، وكان وقتها رجلاً كبير السن.

وقد أهداني نسخة من كتابه «الرمال العربية» لإعجابه، كما قال، بالديكور الذي صممته خصيصاً للمقابلة التي أجريت معه، وكنت قد رسمت وصممت خلفية البرنامج من واقع حياة وتاريخ وسيرة الضيف. وفي العموم، فإن تصاميم الديكور التي كنت أنجزها للبرامج المتنوعة اتسمت بوضوح تأثير الفن على الديكور، والديكور على الفن.

وقد أنجزت ديكورات لمسلسلات تاريخية وبأقل الإمكانيات، وفي سنة 2010 انتهت مرحلة عملي في التلفزيون.. وهي عموماً، مرحلة انطبعت بالشغف والجمال والإبداع، وقد دربت الكثير من مهندسي الديكور الذين عملوا في التلفزيون لاحقاً.

وفي حديث آخر عن ذكريات تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، قال زينل: كنت دائماً موجوداً في الجمعية التي تأسست في عام 1980، وشاركت روادا كثيرين في تأسيسها، حيث كنا ندرس في الجامعة في مصر، وعند عودتنا تكاتفنا وتعاونا لتأسيس الجمعية، وكنا نجتمع دائماً في مقرها ونشارك في فعاليات ومعارض خارجية عديدة في إيطاليا وغيرها من البلدان. وسابقاً، كان هناك، وفي كل المناسبات، معارض فنية خاصة يشارك بها الفنانون.

واستطرد زينل: في السابق كان هناك من يتبناك فنياً ويدعمك لمواصلة أعمالك الفنية، وأعود لأذكّر هنا بأهمية مبادرة عبدالغفار حسين لدعمي في مسيرتي الفنية، وبعدها ظهر ترشيح اسمي للدراسة في الخارج فتركت المكان وسافرت للدراسة، وبالرغم من التحديات التي واجهتنا فنياً آنذاك، إلا أنها لم تبعدنا قيد أنملة عن ممارسة الفن والشغف به، وأشير هنا إلى أني قد كنت أسرع في إنجاز رسوماتي.

يحتفظ عبدالرحمن زينل بلوحاته في مرسم على شكل قبة في داخل منزله في دبي، يرسم فيها ويبدع بالألوان والأفكار، وقد رسم أول بورتريه للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ثم رسم لوحة للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وذلك عندما كان في المدرسة الأحمدية عام 1967، كما اختير ليعرض أعماله أثناء انعقاد مؤتمر النقد الدولي في دبي.

وذلك بمصاحبة فعاليات المؤتمر ليشرح عبر أعماله مدى تطور وجماليات الفنون في الإمارات، وقد افتتحت المعرض بالوما بيكاسو، ابنة الرسام الإسباني العالمي بابلو بيكاسو، وهي واحدة من أشهر مصممي المجوهرات في العالم.

لوحاتي المنحازة إلى المرأة عرّضتني للضرب

كانت مطالبة الفنان عبدالرحمن زينل بحرية المرأة عبر لوحات له في سنة 1972، سبباً في تعرضه للضرب المبرح، ويحدثنا وهو يضحك عن تلك اللوحات التي دعا فيها إلى الخروج عن بعض العادات والتقاليد غير البناءة كونها تقيد وتمنع تعليم النساء، إذ نعته كثيرون بفعل ذلك بـ«الفاسد».

وأردف: تشجعت بعد الضرب الذي تعرضت له، لرسم لوحات أخرى تعبر عن هذا الرأي، ذلك لأن المبدع إذ أراد أن يناقش بجدية لا بد له أن يكون حراً، فالحرية الفنية شرط أساسي لإيصال الفنان رؤيته للناس، والفنان ليس مجرد رسام عادي، بمعنى أن عليه أن يختبر كل ما تعلمه شريطة، أن تقرن هذه الحرية بالوعي.

وشدد زينل في حديثه على إيمانه القاطع بأن الفن قيمة ورسالة وأن الفنان يجب أن يخدم مجتمعه ويسهم في التنمية والتطوير والتوعية عبر ما يقدمه من إبداعات، فتلك مهمته وواجبه كمبدع وكمثقف.

 

Email