أضواء على أصوات تركت صداها على الأدب المحلي

تجربة المرأة الإماراتية الإبداعية بين الفورة وقصور النقد

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي الإبداع الثقافي بكل أشكاله أدبياً، تشكيلياً، مسرحياً، وسينمائياً ليكون نموذج التعبير الأصدق عن الذات، على نحو يرصد إيقاع الحياة وبوصفه تجربة معايشة للواقع، وهو يفعل ذلك من خلال التحليل والتخيل وإعادة التركيب وصياغة الواقع، بطريقة تشكل تجربة مشتركة وممتعة بالنسبة للمتلقي.

في التحقيق التالي تسعى «البيان» إلى إلقاء الضوء على تجربة المرأة الإماراتية الإبداعية الحديثة من خلال التطرق لجملة من القضايا والإشكاليات التي تطرحها.

وربما تكون إحدى مسوغات تناول جزئية تهتم بتجربة المرأة الإماراتية الإبداعية الحديثة هي أن تفاصيل عدة تتعلق بها باتت تطرح سؤالاً إشكالياً حول سماتها، ومن هنا يرصد هذا الملف وجهات نظر العديد من المبدعين والمهتمين والمتخصصين في مجال الثقافة والإبداع وهي في جملتها تعمل كونها إضاءات مهمة.

جمالية الكتابة

في بداية حديثها حول إبداع المرأة الإماراتية السردي تتطرق د. أمينة ذيبان ناقدة أدبية وشاعرة وكاتبة إلى جزئية مهمة تتعلق باستخدام عبارة الإبداع أو الأدب الحديث عوضاً عن الإبداع أو الأدب المعاصر بالقول «أعتقد أننا لو استخدمنا كلمة مثل الأدب المعاصر هنا فسندخل في إشكالية وحيثيات السؤال.. من المعاصر؟ فالعصرنة ليست هي الحداثة، وأتصور أن المقصود هنا هو فكرة الزمن، مسمى الإبداع الحديث قد يكون منسجماً مع إبداع المرحلة الراهنة.

وتتابع د. أمينة ذيبان: كونه مدخلاً، بالنسبة للإبداع السردي لدى المرأة الإماراتية عموماً، أجد ثلاثة مستويات متفاوتة يمكن أن نقسمها إلى مراحل هي السبعينيات والثمانينيات ثم التسعينيات وبعدها الألفية الثالثة. هذا الإنتاج كان في مرحلة من المراحل نوعياً لو افترضنا، سلمى مطر سيف، في «عشبة» و«النشيد» هناك مصداقية الجسد، جودة سلمى ليس في أنها أبدعت في عمل لم يصل إليه أحد، بل لأنها فتحت هواجسها. هناك أيضاً شيخة الناخي كتبت بجمالية عن أزمة المرأة في الستينيات والسبعينيات، كذلك ذهبت ظبية خميس إلى التمرد، المرأة الأنثى في كل أشكالها وغيرهن.

حول الإبداع الحديث تشير د. أمينة إلى أنه على مستوى الحداثة هناك منتج أدبي حديث اختلف في الهم، وفي مستويات الإبداع فلدى «ميسون القاسمي» في رواية «في فمي لؤلؤة» و«ريحانة» رائحة من التفرد الذي تقدمه، وهي تطرح مسائل مهمة منها مسألة الهوية ومسألة اللون وهناك صوت المرأة الينبوع، وهي تتحدث بجرأة عن الأشخاص وعلاقة بعضهم بعضاً في إطار اجتماعي أخلاقي، وفي كل هذا هناك مرجعية تستند إليها تستمدها من نفسها مثلاً.

وحول التجارب الإبداعية الروائية الحديثة ترى د. أمينة ذيبان أن لدينا في الإبداع السردي الإماراتي الحديث تجارب أخرى متميزة كتجربة الروائية مريم الغفلي فمن خلال الفكرة العامة التي تقدمها، وهذا النفس الصحراوي الذي تطرحه وهو الجديد هنا تقدم شيئاً مميزاً.

وكما نرى فإن ثمة علاقة ثنائية إن صحت التسمية مع عبدالرحمن منيف فهو شكل الصحراء سياسياً وهي تشكلها مرجعياً نفسياً على الرغم من اختلاف التجربة والنوعية والإبداع لدى كل منهما. وفي روايتها «طوي بخيتة» وجع جارح وهي حفرت في السرد في بئر بل في «طوي» كما تسمى البئر بالعامية عندنا، وتبدو كما لو أن لديها مشروعاً مع روايات «نداء الأماكن» و«خزنة» وأعمال أخرى مثل «أيام الزغنبوت».

وتستطرد د. أمينة «ميزة هذه الأعمال السابق ذكرها أن مريم الغفلي تتحدث فيها عن الحياة في البادية في أيام المحن والطحن والجدات وسيطرتهن البائدة. لديك أيضاً مبدعة هي إيمان اليوسف في روايتها وبقية أعمالها ذات الخصوصية المعروفة، وهنا تذكر رواية «حارس الشمس». إيمان اليوسف كونها روائية وكاتبة تقدم صوتاً نهضوياً قوياً يناقش مسائل مهمة منها أزمة التطرف الديني في حياتنا الراهنة، وكذلك تكتب بحرية في ما يتعلق بكل من المكان والزمان.

وتشير د. أمينة ذيبان إلى عدد من الأصوات الجميلة ذات الحضور الإبداعي القوي مثل الروائية والكاتبة ريم الكمالي مؤلفة رواية «سلطنة هرمز»، والروائية والكاتبة لولوة المنصوري، فهي أصوات تقدم لك الأسطورية في تجليها. هناك في الواقع ثلاث سمات موجودة في صوت هذه المرأة المبدعة وهي أنه صادق، مهموم وعميق وكما أننا نحتاج إلى زمن فإننا نحتاج إلى مدرك وعي لكي نقيم هذه التجربة الإبداعية الحديثة للمرأة الإماراتية.

من جهة أخرى تتحدث د. أمينة ذيبان عن إشكالية ترى أنها تتعلق بإبداع المرأة الإماراتية الحديث مضيفة بقولها: إننا عندما نناقش الإبداع الحديث فإن هنالك أسئلة كثيرة منها السؤال حول أزمة الثقافة، خاصة في الرواية والروائي نفسه وهو في أنها تحتاج إلى شيء مهم وداعم هو الثقافة، نحن اليوم في زمن كاتب مثل «أورهان باموق» الذي أصبح عندما يعطينا الحدس فإنه يعطينا إياه في فكرة، إنه يدعم الكلمة في الرواية بألف مرجعية نفسية وإنسانية وفكرية وثقافية، وبالمناسبة هذا المستوى من الكتابة يبدو ضئيلاً في العالم العربي.. لماذا؟ وهناك أزمة المحرر الثقافي وقد طرحت جماعة البوكر أزمة وجود المحرر الثقافي الشديد. في النهاية نحن نرجو من كل ذلك أن تعبر الأصوات الإبداعية عن نفسها حقاً.

وهي توشك على نهاية مداخلتها تؤكد د. أمينة أهمية أن يعرف الجميع أن هناك أزمة أخرى يواجهها المشهد الإبداعي عموماً تتمحور في غياب النقد الممنهج. والواقع أن وظيفة النقد ليست المقارنة بين هذا الكاتب وذاك في ما يطرحه من فكر أو شكل أو لغة، ليس كذلك ولكنها تكمن في القدرة على التطوير.

صراحة نقولها، دعوهم يكتبوا من حقهم أن يكتبوا، إلى هنا تشعر بالرضى عن ذلك، ولكن ضعوهم أمام ثلاث حتميات هي، إنني أنا الذي يكتب وليس أحد غيري، وإن من حقي أن أنشر ومن حقي أن أوجه وأن أخضع قلمي لمراجعة، ولكن ليس من حقي أن أسرق جهد آخرين.

لتكن لديّ أيضاً وكوني كاتبة قناعة وبعداً عن ممارسات لا علاقة لها بالكتابة منها التفلسف والتشدق، وأتصور أن مسألة الجوائز وهي تأتي في الغالب من الورش قد لعبت دوراً في هذا الشأن على الرغم من أهميتها في تطوير الإبداع وهو ما نحتاج إليها فيه.

الانحياز إلى الحداثة

الشاعر والروائي والكاتب عادل خزام يرى أن «ما يميز الأقلام النسائية في مسيرة الإمارات الأدبية والثقافية أنها انحازت إلى الحداثة والتجديد والتجريب منذ نهاية السبعينيات، وشقت لنفسها طرقاً وعرة في تربة الأدب واحتل بعضها مشارف الريادة خصوصاً في القصة القصيرة والشعر الجديد.

كما شكل ظهور أسماء الكاتبات بكثرة في الصحف والملاحق الأدبية في فترة الثمانينيات ظاهرة جديرة بالتوقف حقاً، وهناك من جمعن أشكالاً مختلفة من الإبداع مثل ظبية خميس وصالحة غابش، وهناك من اعتبرت تجاربهن مثار دهشة دائمة في الأسلوب والتناول والطرح، أتذكر هنا أمينة بوشهاب، وسلمى مطر سيف، وسارة النواف، وسعاد العريمي وشيخة الناخي وليلى أحمد وفي الشعر هناك نجوم الغانم وصالحة غابش وأمينة ذيبان ومنى سيف، وغيرهن.

ويضيف خزام: لقد كان ذلك الأدب في أزهى تجلياته الفنية، هذه الأصوات استمر بعضها بحذر حتى الآن، وظل يجترح إبداعه في آفاق تنويرية وربما تراجع غيرها واكتفي بالمراقبة مروراً حتى وقنا الراهن، حيث اختلطت قيم الأدب الحقيقي بقيم السوق والاستهلاك المجاني، ثم جاءت فورة الروايات الهزيلة في السنوات الخمس الأخيرة لتكتسح منابر الخبر الثقافي، وتروج لنفسها في وسائل التواصل الاجتماعي ونسبة كبيرة منها لا يتعدى المراهقة الأدبية وللأسف: إن من بينها أقلام نسائية.

لقد رسم هذا المشهد تشوهات غير محمودة في صورة الإبداع النسائي الحقيقي في الإمارات كما أنها ظاهرة تعاني منها بقية الدول أيضاً، ومع ذلك فإن كثرة الأسماء النسائية الشابة التي تخوض في الرواية اليوم، ربما تفرز غداً وعداً بأمل جديد.

وهم الرواية

يتحدث د. محمد سبيل عن إبداع المرأة السردي الحديث ضمن شروط العولمة التي تعيشها المجتمعات الراهنة بقوله: من وجهة نظري فأنا أتصور أن الجرأة هي أبرز ما يميز تجارب الجيل الراهن من كاتبات السرد الإماراتيات، ونحن هنا نختص بتوصيفنا جيل الألفية الثالثة الذي نشأ معظمه ضمن شروط العولمة والحداثة ومنهج التعليم الأجنبي والتحول نحو شروط مدينة المجتمع «الكوزموبوليتي»، حيث تتدفق ثقافات العالم من كل مكان وتتفاعل وتفرز شروط وجودها بصمت ومثابرة لا تني. تلك الجرأة لها وجهان، الوجه الأول الأخذ بخيوط حرية التعبير عن مكنونات الذات بلا تردد والثاني الاجتراء على فن الكتابة واستسهالها بالاستفادة من غياب النقد.

ويضيف، في الواقع، إن هناك ما يمكن أن تسميه ظاهرة «وهم الرواية» ويتجسد في تدافع معظم عاشقات الأدب في السنوات الأخيرة نحو كتابة «النوفيلا» اعتقاداً منهن أنها رواية، على الرغم من أن شروط الرواية ليست نفسها، ما يدل على قلة الزاد الثقافي وانتفاء الخبرة، إن مثل هذا الواقع قد أفرز كماً مغايراً من الأدب الجديد مرجعيته مدرسية بلا رؤية فكرية حقيقية، لكن ينبغي التأكيد هنا على أن هنالك إشكالية وقصوراً على مستوى النقد، كما أن غياب النقد الذي يميزه التحليل العلمي الممنهج المواكب لتدفق إنتاج الأديبات الإماراتيات أدى إلى تمكين الواقع الذي تطرقنا لبعض ملامحه.

رافد ثقافي

عن كثب، تأتي وجهة نظر الروائية مريم الغفلي في معرض حديثها عن التجربة الإبداعية السردية الحديثة للمرأة الإماراتية التي تعقب بالقول، تغمرني السعادة بمستوى السرد النسائي الإماراتي، وأعتقد أن من يكتب وينتهج له نهجاً خاصاً في الكتابة يجب أن يشجع عبر إيصال صوته للعالم. كذلك فإن الكتابة كغيرها من أشكال الإبداع لها رافد ثقافي مهم، لذا لابد لكل موهوب من الاستمرار من خلال شرط تطوير نفسه ومن خلال القراءة والبحث وتأهيل الذات. أما بالنسبة للمشهد الأدبي السردي الراهن فتبرز فيه أصوات نسائية مبدعة، وهناك جيل جديد يمتلك الموهبة والجرأة وهو شيء جيد. المشهد الثقافي الإبداعي في مجال السرد النسوي مبشر بالخير ولكن إياكم والنقد المحبط، عليكم بالنقد المنهجي البناء.

توثيق التجربة

أما الروائية والكاتبة إيمان اليوسف فتستهل حديثها بالتعليق على المسؤولية التي تحملها المرأة الإماراتية المبدعة قائلة: لقد حملت المرأة الإماراتية مسؤولية عظيمة وهي الآن في وقت ينفتح فيه المشهد الثقافي على العالم وترتفع فيه معايير المنافسة، وعلى الأدباء والمثقفين إثبات أنفسهم.

ومن وجهة نظري فإن المرأة الإماراتية كونها كاتبة ومثقفة موفقة، فهي اليوم لا تجرب منتمية إلى المدارس الأدبية العالمية فقط بل تترك بصمتها الخاصة. وفي إصداري «خبز وحبر» 2015 حاورت عدداً من الكاتبات وكان الهدف هو توثيق هذه التجربة الحديثة، كذلك كتبت قصة وسيناريو أول فيلم إماراتي نسوي ونسائي بعنوان «غافة» الهدف منه تسليط الضوء على كفاح وقوة وعطاء المرأة الإماراتية، إذ لا تنصفها الدراما أو السينما المحلية حتى اليوم مع الأسف، على الرغم من أنها تحظى بدعم الدولة، التي مكنت المجتمع من خلالها وساوتها في حقوقها مع الرجل.

Email