مشروع محمد بن راشد للتعليم الإلكتروني و«تحدي الترجمة» معابر المستقبل

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظهر يوم الاثنين 18/‏‏‏‏‏9/‏‏‏‏‏2017 كنا مدعوين لحضور حفل إطلاق مبادرة جديدة، وكانت قاعة الشيخ مكتوم بالمركز التجاري هي مكان الحدث، وصاحب المبادرة هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

وكان المدعوون لحضور هذا الحدث جمعاً غفيراً من أصحاب السمو والمعالي والسعادة من الجنسين، وبالتأكيد لم يكن الحضور عشوائياً، بل نخباً منتقاة تمثل خلاصة المجتمع.

وعندما أذن لنا بدخول القاعة فوجئ الجميع بجوّ غير معتاد عليه من قبلهم، والكراسي لم تكن كنبات فاخرة، بل كانت القاعة عبارة عن فصل دراسي كبير مترامي الأطراف، والكراسي كانت هي مقاعد الدراسة التي جلس عليها المسؤولون عندما كانوا تلاميذ صغاراً.

دخلنا وكانت القاعة شبه ممتلئة، فاختلطنا بطلبة وطالبات كانوا موجودين قبلنا، ويلبسون الزي المدرسي، فجلسنا بينهم من غير أن نعرفهم أو أن يعرفونا.

وفوجئ الجميع بكتاب ودفتر وقلم رصاص على كل مكتب، فجلس بعضهم يتصفح الكتاب متفكراً في مغزاه، وبعضهم كان معجباً بألوانه الزاهية، وبعضهم جلس مندهشاً مما رأى ولم يفكر بعمق في فحوى هذه الدعوة وهذه المقاعد وهذا الكتاب وهذا الدفتر الذي يحمل صورة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ويذكرنا بالدفتر الذي وجده الطالب في الإمارات على مكتبه يوم قيام الاتحاد المجيد.

جلسوا يفكرون يا ترى هل عادت أيام الدراسة ولم يكن الجميع في صغرهم يحبون الدراسة بالطبع ولا الجلوس على تلك المقاعد ولا مشاهدة وجه المعلم الذي يملي عليهم من المسائل النظرية حتى حد الملل والكلل.

نعم، وانتظر الجميع ما سيحصل بعد ذلك، فإذ بمعلم الإنسانية الأول في هذا القرن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يطل على الجميع من الشاشة ثم يدخل القاعة ويدخل معه كبار القوم، ويختار سموه بين التلاميذ والجمهور مقعداً ويجلس كما يجلس غيره من التلاميذ، وعندئذ دق الجرس الذي ذكرنا بجرس المدرسة عند بدء الحصة وعند نهايتها.

وافتتح الحفل بالسلام الوطني لدولة الإمارات، وبعده وقف طالب وطالبة أمام الحضور يتبادلان كلمات الترحيب ويلخصان سيرة العرب والإسلام الماضية، ويذكران الحضور بالمطلوب من العرب في الوقت الحاضر.

إنجازات

وفي الوقت نفسه عرضت على الشاشة مشاهد من الماضي المشرق وإنجازات العرب والمسلمين ومدى تأثرهم بالحضارات من حولهم ومن ثم تأثيرهم في الحضارات الأخرى، لتبدو بعد ذلك جوانب من الحاضر المتواضع، وكانت المقارنة صعبة بالطبع والحاجة تبدو ماسة إلى من يوقظ الهمم، ومن جديد ينقذ الأمم، ويكشف الغمم، وينتشلنا من الحضيض إلى القمم.

هذا المنقذ كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي قدم إلى الحضور في البداية كتاباً موسوعياً جميل الإخراج يحمل اسم: ألف اختراع واختراع، وهو عبارة عن رحلة إلى العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، والكتاب في الأصل جزء من مبادرة ألف اختراع واختراع التعليمية التي أطلقتها مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة في المملكة المتحدة.

هذا الكتاب طبع أكثر من مرة، والمحرر المسؤول عنه هو البروفسور سليم الحسني رئيس مجلس إدارة مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة، وترجمه عن النص الانجليزي الدكتور إبراهيم شهابي، ودقق فيه لغوياً الدكتور نزار أباظة.

وقد طبعت هذه الطبعة التي بين أيدينا ضمن مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد العلمية، وخصصت للأغراض التعليمية لقراءة اللغة العربية.

الكتاب لا شك أنه مرجع قيم لأبناء الوطن العربي وغني بمفرداته ومعلوماته العلمية، وقد تشرف بتقديم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، المعلم والمفكر والفيلسوف، وبتقديم آخر للأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة أمير ويلز.

ومن الجميل أن الكتاب مبوب تبويباً دقيقاً فهو عبارة عن سبعة فصول هي: البيت والمدرسة والسوق والمستشفى والمدينة والعالم والكون، وتقرأ تحت كل فصل من هذه الفصول سيلاً من الحقائق التاريخية والممارسات العملية، وتتعرف إلى أدوات وصناعات وحرف وعلوم، وأماكن وأدوية واستكشافات علمية، وأنظمة ومراصد وشخصيات من الماضي العربي، وعقول أوروبية رائدة، وخرائط ورسومات وصور للإنسان والشجر والحيوان والجماد.

ولا أنسى أن أقول في هذا الكتاب تتجلى براعة العلماء العرب والمسلمين، ومدى استفادتهم من علوم الأمم الأخرى.

لذلك فإن اختيار المحتويات يكفي أن يرشح الكتاب ليكون نموذجاً صالحاً للعرض أمام الطلبة والطالبات في الوطن العربي، ومصدراً من مصادر المعرفة المعتمدة لتغذية الباحثين والمعلمين والطلبة.لكن الأبهر من ذلك هو مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الجديدة اليوم، فهو إذ يعلن عن مبادرته: التعليم الإلكتروني يؤكد بأن تحدي الترجمة هو بوابة هذا التعليم الإلكتروني.

أجل، تحدي الترجمة في عام، وإنتاج 5000 فيديو يحتوي على 11.2 مليون كلمة، بمعدل 500 فيديو في الشهر، وفي 1000 دقيقة، والمستفيد 50 مليون طالب وطالبة في الوطن العربي.

هذا المشروع الجبار الذي تكلفته سوف تكون عالية، لم يقدم عليه سموه إلا بعد قناعته التامة بأن هناك فجوة تعليمية كبيرة في الوطن العربي، وواقع التعليم في العالم العربي لا يرضي أحداً، ولو ظللنا هكذا من اللامبالاة بمستقبل شبابنا فإننا سوف نخسر كل شيء لأنه لا حياة للأمة من غير تعليم.

وذهب صاحب السمو إلى زمن بعيد حين شعر المأمون الخليفة العباسي بالشعور نفسه، فأنشأ بيت الحكمة في بغداد ليعالج به الفراغ الحاصل في ذلك الوقت، وكانت الترجمة على رأس أولويات المشروع، وهكذا يرى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد اليوم أن الزمان يعيد نفسه، لكن الفرق أننا اليوم نستفيد من الأجهزة الإلكترونية.

تعريب العلوم

من أجل ذلك فإن تعريب العلوم المتقدمة في الغرب ووضعها على فيديوهات وتوفيرها وفق أرقى المعايير، مطلب ملح لخمسين مليون طالب وطالبة على مستوى الوطن العربي.

والمشروع مطروح أمام المهتمين بالتعليم، والكل مدعو إلى المشاركة في اختيار الأجود والأمثل، المهم أن نقدم جديداً يلبي احتياجات البيت والمدرسة والسوق والشارع، ونبتعد عن النظريات العقيمة.إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وهو مهندس نهضة دبي الحديثة وواضع كتاب رؤيتي، يؤكد أنه واثق من أطفال العرب وقدراتهم وطموحاتهم، وبالأمس وقف في وسط مجموعة من الطلبة المتفوقين، وقال أنا والمتفوقون في الوطن العربي نشكل فريقاً واحداً وماضون بكل جدية.ويلاحظ على صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أنه عندما يقدم مشروعاً لا يخص به المواطنين فقط، وإنما يهديه لكل الموجودين على أرض الدولة لأن المعني بالقيام بنهضة شاملة هم الشعب وليست فئة بعينها، بل يهديه إلى الوطن العربي بأسره لأنه قائد أمة.

كما أن اهتمامه بالمرأة واضحة وضوح الشمس، لأنها نصف المجتمع، وليس من العقل أن نهدر نصف الطاقة في حين أن الدولة صرفت على تربيتهن وإعدادهن وتأهيلهن للحياة.

إعمار الأرض

إذن فانتبهوا أيها المواطنون والمقيمون على أرض الدولة، وانتبهوا أيها الرجال وأيتها النساء، بل وانتبهوا أيها السليمون من الإعاقات وانتبهوا يا أصحاب الهمم (المعاقين).

اعلموا أنكم جميعاً مطالبون بإعمار الأرض والإنسان خليفة الله في الأرض، ومطالبون بالاستفادة من الطبيعة والثروات الموجودة في باطنها وعلى ظهرها.

وإنكم أيها العرب والمسلمون معنيون بالدرجة الأولى لما يمليه عليكم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لأنه اليوم يرى ما لا ترون، فإذا كنتم تنظرون إلى الماثل أمام أعينكم فإنه ينظر إلى ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها في آنٍ واحد، وهو اليوم يستفز هممكم، ويستنهض قدراتكم، ويحثكم على استرجاع دور الأمة بالفعل لا بالقول.

والكتاب الذي قدمه لكم في الحفل كأنموذج، فيه ما يثبت أن العلوم والمخترعات بداية ظهورها كانت على أرض العرب وبلاد المسلمين، وعلى يد علماء عرب وفلاسفة مسلمين، وهو جدير بالاهتمام والوقوف عنده للتدبر فيه.

ويبرهن لكم أيضاً أن الإسلام لم يكن عائقاً للتقدم، والتمسك بالعادات والتقاليد لم يكن عقبة أمام أصحاب المواهب، بل كل الذين قدموا لنا مخترعاتهم وعلومهم أصحاب عمائم وثياب عربية فضفاضة، فلم تقف فضفضة الثياب عائقاً في طريق أي علم وأي مخترع.

تصفحوا إن شئتم الكتاب: ألف اختراع واختراع، لتجدوا أن الموسيقيّ والكيميائي والفقيه واللغوي والحداد والنجار كلهم كانوا بلباس واحد وهو الزي العربي الإسلامي، بل انطلقوا بفكر واحد وهو الاستفادة من الطاقة الإيجابية للإنسان.

فلو أخذت على سبيل المثال الكندي من علماء القرن التاسع الميلادي، لوجدته أنه اشتهر بالفلسفة ومع ذلك كان طبيباً وصيدلانياً وكحّالاً كأي طبيب عيون، وكان في الوقت نفسه فيزيائياً وكيميائياً وجغرافياً وعالم رياضيات ومهتماً بالموسيقى، بالإضافة إلى اهتمامه بصناعة السيوف وفن الطبخ.

إن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يريد منا أن نعيش مع الماضي في الجانب المضيء منه، وكل جوانب ماضينا مضيئة حقيقة، لولا أننا شوهناها بفهمنا السقيم وأسلوبنا العقيم وخلق بعضنا غير المستقيم.

وعلى سبيل المثال أيضاً فإننا لو استشهدنا بالحديث الذي رواه مسلم، وهو أن الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: إن الله جميل يحب الجمال، ثم لم نفهم منه مواطن الجمال، فإننا نصبح عندئذ نحمل الكتب ولا نحمل القيم كمثل بني إسرائيل الذين قال القرآن عنهم: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً).

مواطن الجمال

ولو قلنا بأن اللغة العربية كلها حقيقة وأنكرنا المجاز والاستعارات والمجاز المرسل، لفقدنا شيئاً اسمه الذوق الفني، وإننا بالذوق الفني ندرك مواطن الجمال في ديننا ولغتنا وحياتنا، ومن حرم تذوق الجمال حرم الحياة لأنه يصبح عندئذ كالجماد.

وبالمناسبة فإن تركيز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد المعلّم على مادتي الرياضيات والعلوم، يرشدنا إلى أن التذوق أساس في كل شيء، وأن الفعلين ذاق وتذوق متلازمان، فكل من ذاق الحرمان تذوق طعم النعمة، وكل من ذاق المرض تذوق طعم العافية، وكل من ذاق الجهل تذوق طعم العلم.

فاليوم جميع طلاب العرب والمسلمين ولاسيما المتفوقون منهم مطالبون بأن يتقدموا إلى الأمام من خلال الرياضيات والعلوم، لأنهما يفتحان أمامهم باب الأمل.

وإذا كنا اليوم قد تأخرنا عن ركب العلم الحديث ولم نسخّر لغتنا للتعبير عن كل شيء ولاستيعاب كل شيء من أساسيات العلوم والمعارف، فلا يمنع أن نشجع الترجمة بدءاً من الآن فنترجم كما ترجم الأسلاف.

خطوة إلى الأمام

وكم من الخطأ أن نغلق الباب على أنفسنا، ونقرأ كتب علماء القرن الأول بلغة القرن الأول، ثم نتهم عصرنا بالإلحاد والرجعية والتأخر، في حين أننا نعيش العصر الحديث ونجهل كل اللغات إلا لغة جمع المال فقط، ويا للعار ديننا هو دين اقرأ، ورئيس دولتنا وحكومتنا قراره يحث على اقرأ، لكن العربي المسلم حصر نفسه في قراءة القرآن فقط ومن غير تدبر أو تعقل.

لذا أقول: إن قرار قيادتنا الرشيدة بتدريس اللغة الصينية ضمن المناهج الدراسية في الإمارات خطوة إلى الأمام.

نعم..أيها المعنيون بقرارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الداعية إلى فتح العقول والقلوب، إنكم اليوم لو قرأتم في الكتاب الذي بين أيديكم: ألف اختراع واختراع، لوجدتم صفحات بعنوان عقول أوروبية رائدة من أمثال: بيكون، ودافنشي، وكوبر نيكوس، وكيبلر وغيرهم.

هؤلاء علماء أوروبيون غير مسلمين، لكنهم تتلمذوا على أيدي علماء عرب ومسلمين وهم لا ينكرون ذلك، فلولا أنهم قرأوا لابن الهيثم والكندي وابن فرناس وابن سينا والرازي والطوسي والزرقالي والبوزجاني وغيرهم من علماء المسلمين، لما قدموا لنا مخترعاتهم في العصر الحديث.أجل، فلنبارك قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بإطلاق التعليم الإلكتروني وتحدي الترجمة، ولنشدّ على أيدي الآباء والأمهات والمعلمين لنقول لهم: اقرأوا كثيراً من كتب التراث، واعتزوا بحضارتنا الإسلامية التي تعتز بها الغرب قبل الشرق.

فلنجعل عام زايد الخير عاماً منفتحاً على مناهج التعليم الجديدة التي وجدت لرسم مستقبل أفضل وأجمل، وفي بداية عام هجري جديد نأخذ بأيدي أبنائنا إلى آفاق أرحب، لنشجعهم على تقبل الجديد لا إنكاره، والاستفادة منه لا تشويه سمعته، ألا والجديد قادم لا محالة، وإن قرارات سموه كلها تدعو إلى كسر الروتين وكسر طوق الجمود، والانفتاح على علم الغرب مع الاحتفاظ بثقافة الشرق.

 

ـــ لم يكن مستغرباً أن تقترن الحضارة الإسلامية منذ بداياتها بالعلم وتتخذه أساساً لنهضتها وتفوقها معرفياً وإنسانياً، حيث فتحت أبوابها بترحاب لكل أنواع المعارف والعلوم والأفكار..هذا الانفتاح أهدى للإنسانية موروثاً حضارياً كان شاهداً على تطورات فكرية استثنائية.

محمد بن راشد آل مكتوم

 

ـــ علماء العصر الذهبي للحضارة الإسلامية رجالاً ونساء من رياضيين وفلكيين وكيميائيين وأطباء ومعماريين ومهندسين واقتصاديين وعلماء اجتماع وفنانين، هم أمثلة تاريخية خالدة تعبر عن الإصرار والعزيمة والإنجاز والتفاني في خدمة البشرية.

محمد بن راشد آل مكتوم

 

ـــ نحن في أمسّ الحاجة لنستلهم أمجاد الماضي في سبيل بناء المستقبل، ليعطينا دفعة إيجابية تشحذ طاقاتنا وقدراتنا لمواكبة التغيرات، ولتحفز أجيالنا العربية الناشئة وتوقظ فيهم روحاً تستشرف بناء المستقبل وتلعب دوراً محورياً في صناعته لخدمة الإنسانية.

محمد بن راشد آل مكتوم

Email