في تقديمه لكتاب «ألف اختراع واختراع»

محمد بن راشد يشحذ الطاقات لاستعادة الحضارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

استنهض صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، طاقات المستقبل باستلهام أمجاد الماضي لاستعادة العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية، إذ أكد سموه أنه لم يكن مستغرباً أن تقترن الحضارة الإسلامية، منذ بداياتها، بالعلم وتتخذه أساساً لنهضتها وتفوقها معرفياً وإنسانياً، مبيناً سموه في تقديمه لكتاب «ألف اختراع واختراع.. رحلة إلى العصر الذهبي للحضارة الإسلامية»، الصادر أخيراً ضمن «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، أن العالم الإسلامي كان يفتح أبوابه بترحاب لكل أنواع المعارف والأفكار، مستقبلاً العلماء والفلاسفة والعقول الفذة من كل بقعة من بقاع الأرض، وهذا الانفتاح أهدى للإنسانية موروثاً حضارياً كان شاهداً على تطورات فكرية وثقافية استثنائية.

كما أشار سموه في مقدمة الكتاب، إلى أن علماء العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، رجالاً ونساء، من رياضيين وفلكيين وكيميائيين وأطباء ومعماريين ومهندسين واقتصاديين وعلماء اجتماع وفنانين، هم أمثلة تاريخية خالدة تعبر عن الإصرار والعزيمة والإنجاز والتفاني في خدمة البشرية.

ولفت سموه إلى أننا اليوم في أمس الحاجة لنستلهم أمجاد الماضي في سبيل بناء المستقبل، ليعطينا دفعة إيجابية تشحذ طاقاتنا وقدراتنا لمواكبة التغيرات المحيطة بنا، ولتحفز أجيالنا العربية الناشئة وتوقظ فيهم روحاً تستشرف بناء المستقبل وتلعب دوراً محورياً في صناعته لخدمة الإنسانية جمعاء. وأضاف سموه: لذا، فإني أطمح أن يتمكن القارئ العربي من استقاء المعرفة من هذا الكتاب، والاستنارة بدروب الإبداع التي أثرت تاريخنا، وأنا على ثقة، أيضاً، بأبنائنا أن يواصلوا المسيرة كي يكونوا مبدعين فاعلين ومواكبين للوتيرة المتسارعة التي تبنى بها الحضارة في عصرنا الحالي.

ثراء وقيمة

حقول ونتاجات معرفية وعلمية لا حصر لها، تميزت بها حضارة العرب والمسلمين في عصرها الذهبي، أهلتها لتغني البشرية بباقة اكتشافات وابتكارات متنوعة، أسست للتحديث والتطوير المشهودين في عالمنا حالياً، يضيء عليها كتاب «ألف اختراع واختراع.. رحلة إلى العصر الذهبي للحضارة الإسلامية»، مبيناً في الصدد، كيف كوّنت مجموعة إبداعات علماء ومفكري هذه الحضارة المهمة، ملامح عصر نهضتها وريادتها الذي امتد نحو ألف عام، من جنوب إسبانيا إلى الصين.

ويبرهن الكتاب في فصوله السبعة، وبالوثائق والسجلات العلمية التاريخية الدقيقة، أهمية وقيمة ما أمد به علماء هذه الحضارة العالم أجمع، من سياقات ابتكارية في مجالات العلوم والتعليم والفنون وأنماط الحياة المختلفة، أسهمت في ترسيخ الرفاهية، ومهدت الطريق أمام تحقيق نجاحات لافتة في التغلب على الأمراض الخطرة المهددة لحياة البشر، وكذا في التأسيس لاختراع أحدث أجهزة التصوير.. وفي قدرة الإنسان على صنع الطائرة والكمبيوتر والروبوت.. وغير ذلك الكثير من الابتكارات المهمة، التي يعد العرب والمسلمون أصحاب الفضل الأساسي في الوصول إليها.

«البيت»

يبدأ الكتاب فصله الأول «البيت»، مع شرح دقيق عن إسهامات المسلمين في تطور الحضارة الإنسانية، انطلاقاً من البيت، بما يحويه من عناصر رفاه وأساليب حياة عصرية سهلة رغدة.. بدءاً من الساعة ومعدات صنع القهوة ونظام الوجبات الغذائية وآلات التصوير والملابس والعطور.

وينتقل لتبيان حقائق أن جميع هذه الأشياء ابتكرها المسلمون، إذ يتناول المسهمون في الكتاب كلاً من تلك المسائل على حدة، مبينين طبيعة وقصة اكتشافها.

فالقهوة تعود حكاية اكتشافها إلى ما قبل 1200 عام، حين اكتشفها شخص يدعى خالد، وهو يرعى قطيع الماعز في سفوح الحبشة. ومن ثم، طور المسلمون استخدامها وأساليب شربها. كما كان الصوفيون في اليمن يشربونها ليبقوا يقظين، وليكونوا قادرين على التركيز.

ويتدرج الكتاب إثر ذلك، وكما يفعل مع الإضاءة على كل اختراع، في شرح سيرورة تطور شتى الاختراعات التي نعرفها ونعايشها في منازلنا، والتي تعود في أصلها وبذرتها إلى الحضارة الإسلامية.

فعلى صعيد اختراع الساعات بآليات عملها المقاربة لحالها راهناً، يوضح المؤلف أنه، وعلاوة على وجود الساعات لدى الفراعنة وفي الهند، بدأت قصة الساعات المائية مع عبقري مسلم يدعى إسماعيل بن الرزاز الجزري، من ديار بكر، في القرن الـ 13. وينتقل الكتاب لاستعراض ماهية وجذر اكتشاف لعبة /‏‏‏‏‏ رياضة الشطرنج، لافتاً إلى أنه يظل الأصل الحقيقي لها غائباً، ولكن ابن خلدون ربط اختراعها برجل هندي في القرن الـ 14، يدعى صصه بن داهر، وهو رجل حكيم وعلامة. كذلك جاء في إحدى المخطوطات التي تعود إلى القرن الـ 14، أن سفيراً هندياً أحضر «شطرنجاً» إلى البلاط الفارسي.

ومن هناك نقله العرب الذاهبون إلى إسبانيا ومن ثم أوروبا عامة. ويذكر الكتاب أن زرياب، الموسيقي المبدع، هو الذي نقل الشطرنج إلى الأندلس.

النظافة

ولا يقصر الكتاب سردياته حول اكتشافات واختراعات المسلمين، على هذه المسائل فقط، بل يلج إلى كافة جوانب الحياة الأخرى، المتنوعة، مؤكداً أن العالم الإسلامي في القرن العاشر الميلادي، كان يشتهر بنظافة مرافقه كافة.

ومن ثم يلفت مؤلفو الكتاب إلى أن الدين الإسلامي في الأصل، ينبني على أساس مهم، وهو الطهارة والنظافة، الجسدية والروحية. كما أن الجزري، المهندس الميكانيكي البارع، ألف كتاباً في القرن الـ 13 عنوانه «الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل»، غدا مصدراً مهماً لمختلف الخلفيات الهندسية، حيث يصف فيه المبتكرات الميكانيكية، بما فيها آلات الوضوء. ويستشهد الكتاب في هذا الصدد، بأحاديث نبوية شريفة، تحض على الجمال والطهارة.

جذور الروبوت

يخصص مؤلفو الكتاب، مساحة مهمة ضمنه، لاستعراض دور المسلمين في اختراع الألعاب الذكية التي تنمي المهارات العقلية، ومن بينها أجهزة الحيل والمكعبات.

ويستعرضون في الشأن، أسسها وقواعدها ومنابتها الأصلية، إذ ابتكرها أبناء موسى بن شاكر محمد وأحمد والحسن، أعضاء «بيت الحكمة» في بغداد.

فهؤلاء كانوا علماء رياضيات، واخترعوا أجهزة ميكانيكية عجيبة، تعد بشارة الروبوتات الحالية، وصمموا مخترعات حيل بارعة. ويتضمن كتابهم «كتاب الحيل»ن أكثر من مئة اختراع في هذا الخصوص.

كذلك يلفت الكتاب إلى أن تفسير نظام الرؤية واختراع آلات التصوير، يعود الفضل بهما إلى العرب، حيث إن أول من وضع أسس علم البصريات الحديث، هو الكندي، ومن ثم انطلق منها الحسن بن الهيثم في القرن الـ 10، لشرح آليات الرؤية والتأسيس لعلاجات ولاختراعات آلات التصوير.

القرن الـ 9 م

ومع العودة إلى إسهامات وأدوار زرياب، يشير مؤلفو الكتاب، إلى أنه صاحب الفضل، ليس فقط في نقل لعبة الشطرنج إلى أوروبا، بل أيضاً في تعريفها بالطعام الفاخر.. والمنظم. وكذا يلمح هؤلاء إلى أن الموسيقى، بمختلف بناها وآلاتها، يعود الفضل بها إلى موسيقيي الحضارة الإسلامية منذ القرن الـ 9 م، حيث طوروا الآلات ووضعوا الركائز مذاك.

وأيضاً لم يتخلف المسلمون عن الابتكار والاختراع في مجالات الأناقة والموضة.

إذ حل زرياب في قرطبة في القرن التاسع، وأبهر الناس هناك بموسيقاه وأيضاً بأزيائه، حيث جلب معه إليها أرقى تصاميم الثياب. وقد كانت بغداد مركزاً ثقافياً وفكرياً وحضارياً متميزاً، ومنها أتى زرياب بكل ذلك.

عاصمة العالم الفكرية

وفي الفصل الثاني«المدرسة»، يؤكد الكتاب أهمية بيت الحكمة في بغداد، وكيف كانت بغداد قبل ألف ومئتي سنة، عاصمة العالم الإسلامي، وجوهرة الحضارة العالمية، ومرتع الثقافة والعلوم والفكر، وبذا قدمت للإنسانية روائع الفكر والفلسفة والعلم، وطبعاً ذلك بفضل اهتمام الرشيد والمأمون والمتوكل، ودعمهم للعلماء، وتركيزهم على الحوار والترجمة.

ومن ثم، يشير الكتاب إلى أن المدارس بشكلها وبنيتها النظامية المتطورة، تعود إلى العالم الإسلامي، وبشكل بارز تحديداً منذ ألف سنة، حيث كانت موضوعات التدريس فيها تتضمن جوانب العلوم الدينية والفكرية المختلفة. كذلك، فمنذ البدايات، جعل الرسول الكريم محمد «صلى الله عليه وسلم»، المسجد مكاناً للتعلم والعبادة.

ومن ثم، وبحلول القرن الـ 10 م، انتشر التعليم في المساجد وفي بيوت المعلمين وفي الدور الخاصة. وعقبها شرعت المدارس تبنى باهتمام وتنظيم دقيق محكم. وأما الجامعات، فكانت تحت مظلة المساجد بداية، كما حال المدارس، ومن ثم تطورت بناها، وأصبحت في أعلى المستويات.

ولا يغفل الكتاب استعراض إسهامات ونجاحات العرب والمسلمين في التأسيس لنظام المكتبات، منذ بروز مكتبة قرطبة في العصر الأموي. ومن ثم، ينتقل إلى دور المسلمين في تطور علوم الرياضيات والجبر«الخوارزمي»، وعلم المثلثات وعلم الكيمياء «جابر بن حيان والرازي والكندي». ويفرد الكتاب صفحات مهمة للحديث عن إسهام الحضارة الإسلامية، في التأسيس لفنون البناء والعمارة والارتقاء بفنون الزخرفة.

السوق

وفي الفصل الثالث «السوق»، يبين مؤلفو الكتاب، أن الحضارة الإسلامية أغنت نظام تبادل السلع والاتجار في الحضارات القديمة، وصدّرت للغرب ولكافة دول العالم، العديد من الابتكارات والاختراعات بشأن الصناعات والزراعة ونظم الملكية وصكوك البيع والشراء.

كذلك، يرصد الكتاب في رابع فصوله «المستشفى»، فضل المسلمين في التأسيس لنظام الاستشفاء العصري، ولآليات الطبابة والعلاج المتطورة، بموازاة تقديم تلك الخدمات مجاناً، حيث كانت المستشفيات لديهم قلاعاً للعلم والابتكار، منذ القرن الـ 8 م.

ريادة في التخطيط المديني وفنون العمارة

يتطرق مؤلفو الكتاب في الفصل الخامس منه، المعنون بـ«المدينة»، إلى ريادة العرب والمسلمين في التخطيط المديني الحديث المتفرد والعملي، عارضين لتميزهم في هندسة العمارة منذ القدم: فنون القباب والأعمدة والزخرفة.

وكذا تميزهم في مجالات الوراقة والحدائق والخيام والنوافير والحمامات العامة..وتنظيم المرافق العامة كافة.

وفي الفصل السادس «العالم»، يسرد الكتاب إسهامات الحضارة الإسلامية في الاكتشافات المناخية والجغرافية: المساحة والأرض. وفي الظواهر الطبيعية والخرائط والرحلات الاستكشافية والملاحة.. وفي علم الاجتماع والاقتصاد «ابن خلدون» .

ويعنون الكتاب سابع فصوله بـ«الكون»، مشيراً ضمنه إلى اكتشافات العرب والمسلمين في مجالات علوم الفلك والمراصد والأدوات الفلكية المتنوعة والكواكب والنجوم والطيران.

خريطة ابتكارات وإنجازات متفردة

يختم الباحثون المسهمون في الكتاب، أبحاثهم، بإدراج خريطة توضيحية وتفصيلية نماذج من إسهامات الحضارة الإسلامية التي أغنت بها حضارة البشرية جمعاء، مثل: خريطة كروية للأرض، الدورة الدموية، التقطير.

ويخصص الكتاب فصلاً موسعاً للحديث عن العلماء المسلمين الفطاحل، الذين أثروا العلوم وأسسوا للابتكارات والاختراعات التي نتنعم بها اليوم. ومنهم: عباس بن فرناس، الجزري، الكندي. وجدير بالإشارة أن الكتاب، الواقع في 392 صفحة، أسهمت في إنجازه نخبة علماء بارزين في العالم، بإشراف المحرر المسؤول البروفيسور سليم الحسني رئيس مجلس إدارة مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة.

وترجمه عن الإنجليزية د.إبراهيم يحيى الشهابي. وأعد رسومه علي عمر.

Ⅶالحضارة الإسلامية اقترنت بالعلم والانفتاح واتخذتهما أساساً لنهضتها وتفوقها معرفياً وإنسانياً

Ⅶ علماء عصرنا الذهبي أمثلة تاريخية خالدة تعبر عن الإصرار والإنجاز والتفاني في خدمة البشرية

Ⅶ نحن بحاجة ماسة لنستلهم أمجاد الماضي في سبيل بناء المستقبل ليعطينا دفعة إيجابية تشحذ طاقاتنا

Ⅶ اقتداؤنا بمبدعينا الرواد يحفز أجيالنا العربية الناشئة ويوقظ فيهم روحاً تستشرف بناء المستقبل

Ⅶ أطمح أن يتمكن القارئ العربي من استقاء المعرفة من هذا الكتاب والاستنارة بدروب الإبداع التي أثرت تاريخنا

Email