حجّاج دولة الإمارات العربيّة المتحدة 4-5

الرحلة إلى الديار المقدسة.. تقاليد وقصص بين زمنين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مع اقتراب موسم الحجّ يتوجّه النّاس بقلوبهم ومشاعرهم للدّيار المقدّسة، ويتحدّثون عنه في خطبهم ونواديهم، وكان وقت الاستعداد ثمّ الانطلاق هو حلول شهر شوّال، وكلّ مَن يتمكّن من إعداد العدّة للسفر يقوم بتلك الرحلة مع تقدير صعوباتها ومشاقّها.

وكانت رحلات الحجّ قبل نحو 55 عاماً تبلغ تكاليفها نحواً من 250 روبيه، إضافة إلى 25 روبيه أجرة للمركب من دبي إلى الخُبَر في المنطقة الشّرقيّة للمملكة العربيّة السّعوديّة.

وبسبب ظروف الحياة آنذاك، فإنّ بعض الأهالي كان يبيع بعض الممتلكات لتوفير تكاليف الحجّ. وكان كثيرون، وهم طريحو الفراش، يوصون ورثتهم بأن يخرجوا من التركة ما يُدفع حجّة عنهم بعد وفاتهم لعدم تمكّنهم من الزيارة لظروف الأمراض والعلل والكبر.

وأحياناً يقوم أهل المتوَفّى أو المقعد أو المريض باستئجار شخص أمين، نزيه، حسن الأخلاق للقيام بالحجّة عن قريبهم، ويسألونه أن يقوم بالدعاء للميّت أو المقعد. ويصاحب ظهور الحجيج نوع من الاحتفال الوداعيّ لهؤلاء الراحلين الذين لا تُعلم خواتيمهم، إذ ربما تكون تلك اللحظات آخر لقاءاتهم بهم، فالرحلة طويلة، شاقّة، بعيدة، تبلع آلافاً من الكيلومترات.

أشعار وأهازيج

كثيرة هي الأشعار والأهازيج التي كانت تقال بمناسبة التوديع والاستقبال.. ومراسم توديع الحجّاج الشعبية والرسميّة. إذ يصاحب ظهور الحجيج نوع من الاحتفال الوداعيّ لهؤلاء الراحلين. وجرتْ العادة أن يرافق الأهالي أقاربهم المسافرين مسافة من الدّرب، إمّا راجلين أو راكبين بعض الدّواب، وبعد ظهور السيّارات في المنطقة، كان الأهالي يشيّعون الراحلين مسافة من الطّريق.

وجرتْ العادة أنّ مَن ينوي السّفر إلى الحجّ يتواصل مع جيرانه ومعارفه في حيّه، يطلب منهم المسامحة والمغفرة، ويُعلمهم أنّه مسافر لأداء الحجّ، و«يتحلّل منهم» كما يقال، ويردّ على النّاس أماناتهم إن كان عنده شيء منها، خشية ألا يعود من سفرته، وإبراءً لذمّته. وبينما هم، في الوقت نفسه، يدعون له، ويسألونه الدّعاء لهم في تلك البقاع المقدّسة، وبعضهم يرسل معه سلاماً خاصّاً للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

استقبال الحجّاج

كان الحجاج يُستقبلون بمراسم احتفال شّعبيّة ورسميّة، حين عودتهم، تعكس الفرحة بعودتهم سالمين وتحكي أيضا، عن المكانة الاجتماعيّة للحاجّ في المجتمع. ومعها يستقبلون بالطريقة نفسها، ولكن ببهجة غامرة، يحمد بها الأهالي الله سبحانه وتعالى على رجوعهم سالمين.

وتعدّ رحلة العودة رِحلة حبور حيث يستقبل الأهالي أقاربهم العائدين بسلامة الله من الحجّ. وبطبيعة الحال، فقد كان الأهالي يترقبون عودة الحجّاج بعد انتهاء موسم الحجّ في أواسط شهر محرّم أو أوائل صفر إذا كانت العودة عن طريق البرّ.

ويترقّب الأهالي البُشرى من البشير الذي قد سبق له رؤية طلائع الحجيج في مكانٍ ما قبل أسبوع، فيذهب النّاس لاستقبال الحجّاج ليكونوا في طليعة المستقبلين لهم، فيسلّمون على أوّل فوج من الحجّاج ويهنّئونهم على سلامة العودة، ويتبادلون معهم التهاني، ويسألون عن أقارب لهم، وأين التقوا بهم فيخبرونهم بِمَن التقوا منهم، ويبلّغونهم بأحوالهم ومتى يتوقّعون وصولهم إلى البلاد، وإذا كانت معهم مكاتيب أو رسائل يعطونها لأصحابها.

وبعد استعمال السّيّارات كان الأهالي يخرجون لملاقاة أقاربهم في مناطق أبعد. ومَن يذهب إلى الحجّ يسمّى: «حجّي».

وعندما يعود الحاج إلى بيته ويأتيه الجيران والمعارف لتهنئته والسلام عليه، ويقولون له: «حجّ مقبول، وذنب مغفور»، فيردّ عليهم: الله يتقبّل منّا ومنك. وأحياناً يتمّ إطلاق الأعيرة النّاريّة ابتهاجاً بعودة الحجّاج سالمين.. أو بنحر الذّبائح.

وبعد حلول المساء، يأتي الأصدقاء والمعارف إلى بيت الحاجّ فيحدّثهم عن تجربته وما رآه في رحلته، وعن مشاعره وعواطفه، ويقوم بتوزيع بعض الكتيّبات والمسابح والمساويك والعطور على زائريْه. إضافة إلى عبوات صغيرة من ماء زمزم، وكان الحاجّ يحضر معه بعض الهدايا الخاصّة بالأطفال، تحديداً مثل خواتم الرّصاص ذات الفصّ الأحمر أو القلائد أو الخرز للبنات، أو عقال الزري للأولاد أو حفائظ المصاحف والطواقي.

وكانت النّساء يتحصّلن على بعض من بخور مكّة وعطورها وحلواها، ومن ماء زمزم في زمزميّات صغيرة مصنّعة من التنك، فيشربن من مائها، ويقمن بغسل وجوههنّ وشعورهنّ به تبرّكاً وتيمّناً. وكانت توضع على بيت الحاجّ «نشرة» عَلَم أو راية لونها أخضر أو علم الإمارة التي ينتمي إليها الحاج- قبل نشوء الاتحاد-)، ثم أصبح وضع عَلَم الدولة الاتحاديّة رمزاً لعودة صاحب البيت أو أهل البيت من الحجّ.

تنظيم وتحسين

شهدت أنظمة الحجّاج في مختلف العهود، تطورات ومراحل تاريخية متباينة، فقبل نشوء الدولة في الثاني من ديسمبر (14 شوّال 1391 هـ)، لم تكن حملات الحجّ منظّمة بشكل تامّ وإنّما كانت تجري ضمن الإطار العامّ للمجتمع، وكان النّاس يرتحلون للحجّ بالتوافق مع بعض الحملات الأهليّة ثمّ التواصل مع بعض مقاولي الحجّ في السّعوديّة الذين يتلقّون الحجّاج القادمين بحراً عبر ميناء الخُبَر ثمّ بعد بدء السفر جوّاً عبر مطار الظهران.

وبعد نشوء اتحاد الدولة فإنّ مسألة تنظيم الحجّ اندرجت ضمن وزارة العدل أو وزارة العدل والشّؤون الإسلاميّة والأوقاف أو وزارة الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف، وهذا بسبب إفراد الوزارة أو دمج الوزارتين.

ومن الجدير بالذِّكر أنّ أوّل بعثة رسميّة للحجّ انطلقتْ من إمارة أبوظبي في موسم حجّ عام 1390 هـ، كما كان أوّل نقل إعلامي لمناسك الحجّ بالصّوت والصّورة في موسم العام نفسه. ثمّ أَوْلتْ دولة الإمارات منذ البدايات، اهتماماً كبيراً بحجّاج الإمارات في الأماكن المقدّسة، وكوّنت بعثة الحجّ الرسميّة التي أخذتْ على عاتقها الإشراف على الأعمال والمهام المرتبطة بالحجّ، وكانت البعثة تغادر أرض الدّولة قبل بدء سفر الحجّاج لاستئجار مساكن مناسبة للحجيج في مكّة، والمدينة. ومنذ مطلع سبعينيات القرن الفائت، توافقتْ دولة الإمارات مع بقيّة دول الخليج العربيّة على تقديم بعثة الإمارات خدماتها للحجّاج الخليجيين كذلك.

ثمّ صدرتْ أوامر المغفور له الشّيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بأن تقدِّم البعثة الرسميّة للدولة خدماتها لجميع الحجّاج دون تمييز أو استثناء. وتواصلتْ سفارة دولة الإمارات ممثلة في السفير مع كبار المسؤولين السّعوديين لبحث التسهيلات التي تقدّمها المملكة للحجّاج. كما كانت وزارة العدل والشّؤون الإسلاميّة والأوقاف في كلّ عام تتلقّى تعليمات وزارة الحجّ والأوقاف بالسّعوديّة لحجّاج بيت الله الحرام، الواجب اتباعها في موسم حجّ كلّ عام.

وكان وزير الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف عادةً ما يترأّس اجتماعاً لمقاولي الحجّاج يحضره وكيل الوزارة ووكيل وزارة الإعلام، يحثّ فيه الوزير على ضرورة تأمين سلامة وراحة حجّاج دولة الإمارات، ويناقش معهم وسائل الارتقاء بالخدمة في موسم الحجّ، بما يكفل تحقيق راحة الحجّاج في زياراتهم وإقامتهم في مكّة والمدنية. وتستعرض اللجنة الدّائمة لبعثة الحجّ في اجتماعها برئاسة الوزير ميزانيّة بعثة الحجّ وخطط تنظيم العلاقة بين الحجّاج والمقاولين من ناحية، والمقاولين والمطوّفين من ناحية أخرى، وتهدف إلى تلافي العقبات التي يتعرّض لها الحجّاج أثناء أدائهم فريضة الحجّ.

اعتناء مبكر

ومنذ السّنوات الأولى لقيام الاتحاد، بعث وزير الشّؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتي، آنذاك، ثاني بن عيسى بن حارب، رحمه الله، وفداً برئاسة وكيل الوزارة إلى مكة حاملاً رسالة إلى أمير مكّة، وكان حينها الأمير فواز بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، ووزير الحجّ والأوقاف السّعودي، وكان يومها الشّيخ عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الواسع، رحمه الله، لبحث إمكانيّة تخصيص قطعة أرض لإقامة مخيمات لحجّاج دولة الإمارات عليها.

وكان حينها مجلس الوزراء يصدر قراراً بتشكيل بعثة الحجّ الرسمية، وتتمثّل فيها عدّة وزارات، وكان حينها مكتب العلاقات الخارجيّة بوزارة الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف الجهة المخوّلة باقتراح النّظم الخاصّة ببعثة الحجّ الرسميّة والإشراف على جميع الترتيبات المتعلّقة بها، وتيسير أداء المواطنين لفريضة الحجّ، ورعاية شؤونهم بالتعاون مع الجهات المعنيّة.

وكان، في العادة، يترأّس وزير الشّؤون الإسلاميّة بعثة الحجّ الرسميّة، ويقوم شخصيّاً بتفقّد مخيّمات حجّاج الإمارات في مِنى وعرفات والاطمئنان على أحوالهم عن كثب. وصدرت توجيهات وزير العدل والشّؤون الإسلاميّة والأوقاف، حينها الدكتور محمّد بن عبدالرحمن البكر، بإبلاغ جميع موانئ الدولة ومطاراتها ومناطق الحدود بعدم السماح لأيّ مقاول من مقاولي الحجّ بمغادرة البلاد إلى الأراضي المقدّسة، إلا إذا كان يحمل رخصة المقاولة، وإذناً من الوزارة بممارسة هذه المهمّة.

وكانت الوزارة آنذاك تتدخّل مباشرة في تحديد تسعيرة الحجّ لكلّ حاج. وكانت الوزارة تلزم مقاولي الحجّ بمرافقة الحجّاج والإشراف المباشر عليهم طوال فترة أداء المناسك. ولهذا كان رئيس البعثة، سواء كان وزير العدل والشؤون الإسلاميّة أو وكيل الوزارة أو وكيل وزارة المساعد، يقوم بزيارات ميدانيّة لمخيّمات ومساكن الحجّاج والحديث معهم والاستماع إليهم، وتسجيل شكاواهم، والتوجيه بحلّها وتنفيذ طلباتهم.

وكانت البعثة تكلّف لجاناً تفتيشيّة خاصّة بالمرور على مساكن الحجّاج وتلمّس احتياجاتهم وتدوين شكاواهم ضدّ المقاولين، على أن تقوم هذه اللجان بكتابة تقارير يوميّة مفصّلة. كما أنّ الوزارة كانت توقف مقاولي الحجّ الذين أخلّوا بشروط الوزارة المتّفق عليها في نقل الحجّاح وتقديم الخدمات المناسبة لهم. وتتّخذ ضدّهم إجراءات حاسمة وسريعة.

1972

أولت دولة الإمارات العربية المتحدة بعثات الحج كبير الاهتمام والرعاية الدقيقة منذ البدايات، وكان إرسال أوّل بعثة طبّيّة للحجّ في عام 1972، حيث كُلّفتْ بمتابعة حجّاج الإمارات طبّيّاً، وتولت دعم بعثة الدولة ماليّاً ومهنيّاً، إضافة إلى حجّاج البلدان الإسلاميّة الأخرى.

ذلك مثلما حدث في حجّ عام 1400 هـ.

1898

قبل قيام الاتحاد، سافر إلى الحجّ من عِلية القوم: الشّيخ صقر بن خالد بن صقر بن سلطان القاسمي، حاكم إمارة الشّارقة في 9 ذي القعدة 1315 هــ / 1 إبريل 1898 م، وأناب عنه في حكم الإمارة عمّه الشيخ سالم بن سلطان القاسمي.

وفي يوليو عام 1953 غادر إلى الحجّ الشّيخ أحمد بن راشد المعلا، حاكم أمّ القيوين، حينها، والشّيخ راشد بن حميد النّعيمي، حاكم عجمان، آنذاك، مع عدد من المرافقين. وقد غادروا الشّارقة على متن طائرة إلى البحرين، ومنها استقلّوا مركباً إلى الإحساء ثم سافروا إلى مكّة.

وهناك التقوا للمرة الأولى، بالملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، وكان في بداية حكمه، وحضر مجلس الملك الرئيس المصري الأسبق محمّد نجيب.

5

أوّل ما بُدِئ بتشكيل لجان متعدّدة ضمن بعثة الحجّ في دولة الإمارات العربية المتحدة، في موسم حجّ عام 1977، وكانت آنذاك تضمّ خمس لجان رئيسة تختصّ كلّ واحدة منها بتقديم نوع معيّن من الخدمات للحجّاح، وهي: لجنة الوعظ والإرشاد والفتاوى، لجنة الخدمات الصّحّيّة، اللجنة الماليّة والإداريّة، اللجنة الإعلاميّة، لجنة التفتيش والشكاوى ومراقبة أعمال المقاولين.

وكان في كلّ عام يتمّ إجراء التعديلات على شروط ممارسة مقاولة الحجّ، ومتابعة أسعار نقل الحجّاج.

Email