حجّاج دولة الإمارات العربيّة المتحدة 1-5

حكايات في الدروب إلى الديار المقدسة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن تتبع مراحل وخطوات ورحلات الحجّاج في دولة الإمارات العربية المتحدة، والكتابة عنها، من الأمور الصّعبة، ذلك كونها تفتقد إلى التوثيق.. ونظراً لشحّ المصادر في الخصوص، ولندرة إشاراتها عموماً إلى طرق الحج وأعداد الحجيج وكيفية وصول الحجّاج إلى الديار المقدّسة في الحجاز، منذ دخول الإسلام إلى المنطقة في عهد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم نتيجة للظروف الاقتصادية والسّياسيّة والعسكريّة التي مرّت بها المنطقة عبر تاريخها الطويل، وأيضاً بفعل التحوّلات التي طرأتْ على المنطقة، ثم بداية تكوّن إمارات الدولة، وإلى حين نشوء اتحاد دولة الإمارات العربيّة المتحدة في الثاني من ديسمبر 1971 م.

ويضاف إلى ذلك جملة مسائل، في مقدمها ظروف التحوّلات الإداريّة في الجهات التي أشرفتْ على إدارات الحجّ والعمرة في دولة الإمارات، بين كونها إدارة في وزارة العدل أو في وزارة العدل والشّؤون الإسلاميّة والأوقاف أو في وزارة الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف.. وأخيراً في الهيئة العامّة للشّؤون الإسلاميّة والأوقاف.

مزيج قبلي

كان سكان هذه المنطقة، منذ فترة ما قبل الإسلام، مِن العرب الذين تكوّنوا من مزيج قبلي متكامل تعدّ قبيلة الأزد العربيّة عموده الفقري، إضافة إلى جماعات من بني عبد القيس ومِن قضاعة وبني سعد وبني تميم.. وبني سامة بن لؤي بن غالب بن فهر، أحد بطون قريش الذين استقرّوا في منطقة توام.

وهذا الخليط البشريّ شكّل اتّحاداً قبليّاً يضمن لهم الإقامة في أمن وسلام وازدهار اقتصاديّ. وكانت الديانة الغالبة على سكّان المنطقة، هي الديانة الوثنيّة، ذاك كبقيّة العرب قبل الإسلام. ووُجد فيهم مَن آمن بالمجوسية خاصّة مِن الفرس أو مَن تأثّر بهم.. ووُجدت جماعة من اليهود. كما آمن بعض الأهالي بالنّصرانيّة على المذهب النّسطوري.

وتشير بعض الروايات إلى أنّ المراسلات بين النبي صلى الله عليه وسلم، والأَخويْن جيفر وعبد، ابني الجلندى وحاكمَي عُمان، بدأت منذ عام 6 هـ واستمّرت حتى عام وفاة النّبيّ عليه الصلاة والسلام.

ولكن يعدّ العام 8 هـ، العام الأشهر الذي انتشر فيه الإسلام في المنطقة، إذ بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رسولَه عمرو بن العاص برفقة أبي زيد قيس بن السكن الأنصاري، إلى جيفر وعبد ابني الجلندى، يدعوهما إلى الإسلام. وهذا الكتاب هو الأشهر في حلقة المراسلات النّبويّة مع أهالي المنطقة.

وبمجرّد إسلام جيفر وعبد قاما هما كذلك بواجب نشْر الدعوة في أنحاء هذه المنطقة. كما بعث النّبيّ صلّى عليه وسلّم بكتبٍ أخرى لعدد مِن الجماعات والفئات السّكانيّة ضمنها مِن غير العرب. ويتّضح أنّ الإسلام قد انتشر في المنطقة في حياة النّبي عليه والصّلاة والسّلام، دون قتال. ومنذ ذلك التاريخ بدأت رحلات الحجّ إلى الدّيار المقدّسة في الحجاز.

ومؤكد أن تتبّع رحلات الحجّ من منطقة الإمارات إلى الدّيار المقدّسة، تفرض علينا أن نتتبعها منذ ذلك العهد، حيث سلك مسلمو هذه المناطق طرقاً ودروباً برّيّة وبحريّة كانت تعتمد على مدى الأمان في الطرق البرّيّة التي كانت تنقطع، حينذاك، بسبب الحروب والتقلّبات السياسيّة.. والأوضاع البيئيّة.

لا بد من أن ألفت هنا، وفي بداية الحديث بخصوص رحلات الحج من المنطقة إلى الديار المقدسة، قديماً، إلى أن المصادر الخصبة والوافية في شأن هذا الموضوع، قليلة ونادرة أو شبه معدومة، وطبعاً يمكننا أن نتبين أن بعض أخبار الحجّاج مدوّنة في عدد من الوثائق البريطانيّة، ولكنها تركّز على رحلات الحجّ لحكّام الإمارات، وليس لعامّة النّاس.

وأمّا ما كُتب عن فقه الحجّ ورحلاته، فإنّه لا توجد مخطوطات محلّيّة مخصّصة لهذه الشعيرة، وإنّما هي تندرج ضمن ما صُنِّف في الفقه بصورة عامّة، وهي هنا تكاد تكون قليلة، وتعود زمنيّاً إلى العقود الأولى من القرن العشرين، وأغلب المكتوب هو عبارة عن رسائل فقهيّة عامّة وفي القضاء.. وبعض المراسلات بين المشايخ، والغالبيّة العظمى هي مدوّنات لبعض الكتّاب في الفقه المتضمّنة لأحكام الحجّ والعمرة.

ومن المدوّنات ما خلّفه القضاة من أهالي الإمارات من فتاوى ومقالات، والرسائل المتضمّنة لبعض الحوارات الشرعيّة.. مع الاستشهاد بالآيات والأحاديث الدّالّة على الرأي الشرعيّ.

نقص فتعويض

وأمّا المخطوطات العربيّة فلم ينتشر حفظها إلا أخيراً، وتولتْه جهات رسميّة في الدولة، ويأتي على رأسها: «مركز جمعة الماجد للتراث» في دبي ودار المخطوطات في الجامعة القاسمية بالشّارقة. وتضم هاتان الجهتان المئات من المخطوطات العربيّة في كلّ الفنون والعلوم، ومن ضمنها علوم الدين والفقه.

ولكن مثل هذه المصادر المخطوطة لم تكن شائعة في المجتمع المحلّيّ قبل قيام مركز جمعة الماجد بجمعها وحفظها وأرشفتها في المركز.. وأما أخبار الحج ورحلات الحجّاج فإنّ الصحافة المحلّيّة قد تناولت هذين الموضوعين كأخبار، ومن حُسن الحظ أن الأرشيف الوطني في أبوظبي قد أفادني كثيراً بجمع أخبار الصّحف المحلّيّة منذ عام 1970 إلى عام 1999 م، ما أمدني بالقدرة على خوض غمار الكتابة في هذا الصدد.

ومن المصادر التي يُعتمد عليها كذلك، المقابلات الشّخصيّة التي تفيد في تحصيل تفاصيل وقصص كثيرة بشأن رحلات الحج، بفضل قيام الرّواة والرّاويات بالحجّ، وطرق سفرهم وتنقّلاتهم وذِكرياتهم عن رحلات الحجّ.

وثائق السفر

تعدّ هذه الوثائق من امارات الأسفار والارتحال في منطقة عُرف أهلها بعيشهم حياة الاغتراب، وكثرة الأسفار والخروج المتكرّر من أرض السّاحل إلى بلدان الخليج العربي وشبه القارة الهنديّة والساحل الشّرقيّ لأفريقيا وبلاد اليمن والحجاز، وفي العقود الأولى من القرن العشرين، ومع تطوّر الأوضاع السّياسيّة فقد تطلّب ذلك استخراج وثائق خاصّة بالسّفر، تتولّى إصدارها الجهات الحاكمة المسؤولة حينذاك في المنطقة.

وفي هذا المضمار فقد تحصّل العديد من الأهالي من الرجال والنّساء على جوازات خاصّة بهدف السّفر لأداء مناسك الحجّ والعمرة. ومن الفوائد المتحصّلة من أختام الجوازات تواريخ الدخول والخروج أنه بمقدورنا أن نتبيّن منها المدّة التي قضاها الحاجّ في أداء المناسك.

ومن نماذج جوازات السّفر القديمة المتضمّنة أختام الدّخول والخروج بعد أداء فريضة الحجّ، مثلاً: الحاجّ عبيد بن عليّ، وهذا الجواز من النّماذج القديمة المعنونة بــ«جواز سفر الإمارات المتصالحة»، وهو أحمر اللون، صدر في شهر مارس 1964 م (1383 هـ) والجواز برقم: 5959، وقد وصل بحراً إلى قطر في 12 ذي القعدة 1383 هــ وغادرها برّاً إلى المملكة العربيّة السّعوديّة بعد مكوثه فيها ثلاثة أيّام، وخُتم في جوازه أنّه يصرّح له بالدّخول لأداء فريضة، بتاريخ 17 ذي القعدة 1383 هـ، وبعد الانتهاء من موسم الحجّ غادر المملكة بحراً في 21 ذي الحجّة 1383 هــ. وجواز آخر باسم: الحاج عبدالله بن محمّد، صاحب الجواز رقم: ب 0999 الصّادر في 23 شوّال 1384 هــ /‏‏‏‏‏ 24 فبراير 1965 م.

والسّبب في إصدار الجواز هو أداء فريضة الحجّ، وهذا يفسّر لنا أنّه استخرج الجواز في أواخر شهر شوّال ثمّ سافر في شهر ذي القعدة، ما يعني أنّ الحصول على جواز السّفر يعدّ أحد الاستعدادات لأداء النّسك.

وقد غادر بحراً من ميناء دبي في 16 ذي القعدة 1384 هـ 18 مارس 1965 ووصل ميناء الخُبَر في 19 ذي العقدة 1384 هــ، مّا يدلّ على أنّ سفرته قد استغرقت ثلاثة أيّام إبحاراً، وأنّ المركب المقلّ للحجّاج سلك طريقاً بحريّة مباشرة إلى ميناء الخُبَر، دون المرور بأيّ من الموانئ الأخرى في قطر أو البحرين. ثمّ غادر بعد أداء مناسك الحجّ في 22 ذي الحجّة 1384 هــ. وفي سفرة تالية دخل عن طريق مطار الظهران في 20 ذي القعدة 1390 هــ، وغادر بعد أداء مناسك الحجّ في 18 ذي الحجّة 1390 هــ.

وفي سفرة أخرى له فإنّه دخل المملكة عن طريق مطار الظهران في 24 ذي القعدة 1393 هــ، وغادر من المطار نفسه في 21 ذي الحجّة 1393 هــ. ومن الجدير بالإشارة هنا، أنّ الأيّام الثلاثة التي استغرقها المركب للوصول إلى الخُبر هي فترة وجيزة مقارنة بما تقضيه من مدة زمنية في الرحلة نفسها، السّفن الشّراعيّة الأولى، وهذا يدلّ على أنّ المركب كان يستعمل آلات أو ماكينات الدّيزل.

كما أنّ مدّة بقائه في أراضي المملكة العربية السعودية، منذ دخوله وإلى خروجه، هي أيّام قلائل لا تزيد على الشّهر، وهذا بسبب المواصلات الحديثة، واستعمال السّيّارات التي قصّرتْ المسافات، وزادتْ في راحة المسافرين عبر البرّ.

تغطيات رحلات الحجّاج في الصحافة المحلّيّة في القرن الماضي اقتصرت على الطابع الخبري

الأرشيف الوطني في أبوظبي مرجع مهم للمواد الصحفية التي توثق للموضوع منذ 1970

بدايات القرن الـ20 ومع التغيرات السياسية أصبح الأهالي يستخرجون جوازات سفر لأداء مناسك الحج والعمرة

براً وبحراً

فيما يتعلق بالمصادر التي أشارتْ إلى دروب الحج، فإن الجغرافيّة القديمة منها، أوردتْ ذكر عدد من الطرق البرية، وسنشير إليها لاحقاً، وتتحدّث عن انقطاع الطرق في أوقات الحروب، إذ كان يضطر أهالي المنطقة جراءها إلى السفر بحراً إلى مكة متتبّعين طريقاً بحرياً محدداً، حتى ترسو سفنهم في موانئ الحجاز.

صعوبات

معضلات ومعوقات كثيرة تقف في طريق الباحث الراغب توثيق القصص والأحداث المتنوعة بشأن رحلات الحج من الإمارات، منذ القدم، إذ لا يتوافر في الوثائق والمراسلات الرسميّة المحلية الخاصة بالحج.. إلى جانب المخطوطات والكتب ومدوّنات رحلات الحجّ والمذكّرات، كثير من المعلومات في الحقل، ذلك سوى بعض الإشارات، التي لا تفي بأغراض تناول المسألة بعمق وتوسع وتفصيل.

تدوينات غائبة

من بين أبرز المصادر التي يفتقدها الباحث في الحقل، مدوّنات رحلات الحجّ والمذكّرات، التي تبدو غائبة تماماً. إذ لا يوجد منها سوى ما أورده بعض الرواة أثناء حديثهم عن حيواتهم بصورة عامّة. ولم يفرد أحد مصنَّفاً بعينه عن هذا الموضوع حسب علمي. والأمر نفسه ينطبق على الرسائل العلمية والدراسات الحديثة، حيث لم يسبق لأحد الكتابة في هذا الموضوع في دولة الإمارات، سوى بعض المقالات في الصحف والمجلّات.

Email